Al Jazirah NewsPaper Sunday  04/04/2010 G Issue 13702
الأحد 19 ربيع الثاني 1431   العدد  13702
 
لما هو آت
أنت كما أنت..!
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

الإنسان هذا, الواثق في نفسه ومنها، المتزيِّ بالحرير, والصقيل، النافخ أوداجه بالمقعد, ونبال اللسان، المتسيّد جماعته بالقرار, والسلطة، المتحكّم في سعة الرقعة بين يديد, وتحت قدميه بالمال، والجاه، المطاع من الصغير والفقير، المتلوّنة له الألسن, والوجوه.., كم هو صغير.. ضعيف، فقير، بائس.. حين يقدّر له، أن يجلس إلى هذه النفس وحده، في مواجهة جريئة معها، فيسألها وتجيب، أو يسألها فتنكر، أو يسألها فتتلعثم، أو يسألها فتسدل على حقائقه ستاراً آخر من التعمية، وتُقيم بينه وبينها جدراً من التدليس، فإمَّا تُخرجه من المواجهة آسفا، إن أجلت له الحقيقة، أو كفيفاً متمادياً إن أسرفت في غوايتها به.., فالنفس الغويَّة، لن تفصح بالحق, ما دامت في مآزق السراب... لا يتجاسر عليها صاحبها إلاّ لحظة سقوط..

هذا الإنسان, في كل مكان وصولة، في البيت هو وفي الدائرة، في المدرسة, وفي المؤسسة، في أعلى المسؤوليات، وأدناها، خلف الطاولات, أو تحتها، وراء المرآة، أو أمامها, هو واحد، لا يملك من النفوذ إلا الهش على غنمه، أو واحد يملك من النفوذ ما هو على زوجه، وولده، وجيرانه، أو هو كلُّ واحد، يحرّك مَن حوله، بإشارة اصبع، أو لمحة عين..

هذا الإنسان مهابته زائفة، وصدقه مع الناس، كما هي نفسه معه، كاذب، وقوّته زائلة، ونجاحه مغطى، وفرحته بائدة،..

هذا الإنسان مكشوف عنه بكلمته، وبمواقفه، وعند المحكّات الصلبة، وفي مواجهات النُّبل، والصدق, والخير, وحقّ الآخر، وأمانة القول .......

هذا الإنسان، تجده القوي الضعيف، الناجح المهزوم، المتسيّد الخالي، الصادق الكاذب، الأصيل المزيّف، المتين الهش... الكبير الصغير...

المكشوف له يحزن عليه كثيراً، ويأسف من أجله عميقاً..,

كما يأسف له النبيل العفيف, ويألم من أجله الصادق النزيه...

والعارفون به من المواجهين له، ينطوون على صغائره، فإن شاءوا صفحا.., وإن شاؤوا خرجوا بمعاولهم عليه هدماً ....

هذا الإنسان، خاسرة معاركه مع نفسه، قبل أن تكون مع الآخرين، وحامية مواجهاته مع الآخرين، حين تنجلي حقائقه، فيكون قد ضيّع مجده، وهو عار في عين الشمس...

ينتشر هذا النوع من الناس انتشار الجراد في مزارع الكادحين..,

ومع كل ما منحته الحياة لإنسانها اليوم, من فرص الوعي, وأساليب تربية النفس، وتهذيب جموحها، وموازنة علاقاتها بالآخر، ومعرفة حدودها منه، إلاّ أنّ الغريزة في هذا الإنسان, لا تزال السائدة، المتسيّدة على نفسه، طالما هي في مجرى أمواج إغوائها، وسُدَّة مقعد أمارتها..., تلك التي وصفها الخالق العظيم في محكم آياته.. إذ جعل الإنسان في كبد..




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد