هناك مقولة للمرحوم (عبدالله الحمد الخنيني) وهو شخصية اجتماعية معروفة له اهتماماته السياسية والأدبية وهي قوله (اخلع الباب) وكان له مجلس عامر بالشعر والأدب في مدينة (عنيزة) وفي أحد الأيام كان أحد رواد (مجلسه) يهم بالدخول فرفع صوته مستأذناً الدخول فأجابه الخنيني قائلاً (اقلط) وأقفل الباب خلفك وكان يخشى من دخول أحد (الطفيليين) الذين لا يرتاح لوجودهم في مجلسه ومن (الصدف) أن ذلك الطفيلي كان يسير خلف الضيف القادم وقد سمع تلك العبارة فقال مخاطباً الخنيني (هل أقفل الباب يا عم) فأجابه الخنيني (بل اخلعه) كنا سنقفله عنك وما دمت قد دخلت فلا داعي لذلك.
|
وفي هذا السياق يروي الشاعر والراوية (حمود النافع) أن الشاعر محمد الناصر (وهو من أهل الزلفي) وكان كريماً ومضيافاً طرق بابه أحد الأشخاص وبعد أن فتح له الباب وجده شخصاً لا يحظى بالقبول ولا يرغب في حضوره فقال متأسفاً ونادماً على فتحه الباب لذلك الشخص:
|
بعض العرب زوله على الكبد طينه والله ما تفرح بشوفه إلى جاك
|
يدخل على ناس وهم كارهينه |
ما يستحي من سب ذولا وذولاك |
يابينها لأهل القلوب الذهينة |
من صك عنك الباب ما أوحى مناداك |
أما الشاعر ابراهيم بن عبدالله المرزوقي رحمه الله وهو صاحب القصيدة الحربية التي مطلعها:
|
يا سحاب من عنيزة تزلزل بالرعود |
مدلهم بالغضب والمنايا في سناه |
ناشي بمسطر الغوش ورهاف الحدود |
والسلايل والأصايل وبو تركي حداه |
فقد كان يجلس عنده بعض أصحابه كان ذلك في الثلاثينات الهجرية من القرن الماضي وكان هناك شخص يدعى (ريمان) قدم إلى (عنيزة) من البادية وقد أخفى (هويته) حيث يبدو وكأنه (سقيماً) وقد يكون لديه سبباً لذلك وهذا يحصل كثيراً خصوصاً في المدن حيث يفد إليها بعض من لديهم مشاكل خاصة بحيث (يجلي) عن قبيلته ويعيش في تلك المدن دون أن يكشف عن هويته وهناك من يأتي من خارج البلاد بتلك الصفة وهؤلاء يطلق عليهم اسم (دراويش) بحيث يعيشون على الهبات طيلة فترة وجودهم وهؤلاء إما أن يكونوا عابري سبيل انقطعت بهم السبل وإما أن يكونوا لهم مهمة خاصة يختفون ويرحلون بعد انتهائها. يقول الشاعر ابن دويرج:
|
لقيت الصبح درويش يطق الباب عقله يوخ |
وهو لا تاهم انه يوم طق الباب محتاجي |
أنا واياه عريانٍ شكى حاله على مصلوخ |
ولا ينلام مسكينٍ فجاه من الدهر فاجي |
نعود لصاحبنا (ريمان) والذي كان يحضر للمجلس ولا يشارك بالحديث بل يستمع ويأكل من (التمر) ويشرب (القهوة) ويغادر حيث كان للتمر والقهوة شأن في ذلك الزمن. وفي أحد الأيام وبعد أن هم أحد الضيوف بالدخول لمح (ريمان) قادماً فدخل وأقفل الباب فسأله المضيف لماذا أقفلت الباب؟ فأجاب أنه لمح ذلك السقيم قادماً فأقفل الباب لعله يذهب إذا رأى الباب مقفلاً ولكن (ريمان) وقف وطرق الباب وأخذ يهمهم ويقول:
|
براهيم يا تال الصديق |
افتح لي آكل تمرتي |
اللي غدا ما له رفيق |
والباب هيض عبرتي |
عندها قال المرزوقي لأصحابه هذا الشخص ليس (سقيماً) وقال لأحد الجالسين: سأفتح له وحينما يجلس قل له هذين البيتين
|
هني قلب داله مثل ريمان |
متبختر ما همه إلا الدوادي |
ما همه إلا تمرة عند نسوان |
مثل البعير اللي برك بالسنادي |
وبعد دخوله بادره الشخص بالبيتين فرد ريمان على الفور قائلاً:
|
يالعن ابو ذا العين عين الكروان |
قامت ترقرق شاف طير الهدادي |
أنا ترى من قوم ذربين الأيمان |
اللي قلايعهم نهار الطرادي |
فلقد استفزته تلك الأبيات ولم يستطع الاستمرار في التنكر حيث كشف عن هويته.
|
الشاعر (عبدالعزيز البادي) رحمه الله شاعر مقل في شعر النظم ولكنه ذو حضور قوي من خلال شعر المحاورة وله باع طويل في هذا المجال قارع الكثير من عمالقة هذا الفن أمثال أحمد الناصر وشليويح بن شلاح وخلف بن هذال وغيرهم. مارس الكثير من الأعمال وفي إحدى فترات حياته عمل في الزراعة حيث كان (فلاحاً) في إحدى المزارع شرق مدينة (عنيزة) وهذه المزرعة يملكها أحد رجال المال والأعمال المرموقين في المملكة. وفي أحد الأيام حضر صاحب المزرعة مطالباً بالإيجار السنوي ولكن في تلك السنة لم تكن الأمور على ما يرام حيث هلك الزرع وهو المحصول الرئيسي للمزرعة ولم يكن أمام (ابن بادي) إلا أن يقدم اعتذاره ويشرح ظروفه حتى تتحسن الأحوال ولكن يبدو أن المالك ألح عليه بالتسديد. هنا استعان ابن بادي بقريحته وقال: ليس عندي ما أعطيك سوى بعض الأبيات إن أردت سماعها, فقال له المالك: ما دام الأمر كذلك فلنسمع القصيدة على الأقل فقال:
|
سلام للي ما قبل من معذار |
لزّم وأنا ما عندي إلا معاذير |
وأظن ما عندك خبر بالذي صار |
كساد منتوجٍ بعد حسن تدبير |
الزرع به هيفي وسيمور وصفار |
والدار به بقٍ وفار وعصافير |
أبيك تصبر لين الأفلاك تندار |
وإن ساعفت لي ما يجي من تقصير |
يالله عساهن لك حجابٍ عن النار |
اصبر علينا مثل صبرك على الغير |
وكان يرافق صاحب المزرعة شقيقه والذي التفت نحو ابن بادي وقال له بطريقة استفزازية: (خوش وفاء)، ويقصد أننا لم نقبض منك سوى الكلام ويبدو أنه انطبقت عليه مقولة (كم كلمة قالت لصاحبها دعني)، حيث التفت ابن بادي نحوه قائلاً:
|
يا صعيب يا مال شق الجيب |
ثاريك يا صعيب والخيبة |
لعل بطنك لناب الذيب |
يفراه ويطلع اللي به |
وقبل أن يأتي بالبيت الثالث قال صاحب المزرعة كفى كفى وغادروا المكان.
|
صالح عبدالكريم المرزوقي |
|