من اللافت عند التعامل مع بعض الأمهات في تربية أبنائهن ضيق الأفق واقتصارهن على أمور شكلية أكثر منها جوهرية، فيركزن على أمورٍ قد تلحق الأضرار بالأبناء من حيث لا يشعرنّ ولا سيما مع عدم المتابعة اللازمة كتوفير ملهيات الحياة الحديثة كالألعاب الالكترونية -والتي تكون مطلوبة بقدر!- أو من تقنيات حديثة (الإنترنت) إلى غير ذلك من وسائل ترفيه يكاد يعيشها كل بيت، دون الاهتمام بالأمور التربوية ذات التأثير العميق في نفس وشخصية الطفل التي من شأنها تكوين شخصيات قوية متكاملة من جميع النواحي الفكرية والاجتماعية والنفسية, ومن الأمور التي يقع فيها كثير من الأمهات إغفال الدور التربوي في إنشاء حوارات مهمة تُعنى برفع مستوى التفكير وتقوي صلة الأبناء بالأحداث التي تدور حولهم واستشعارهم بأن لهم أدواراً مهمة في حياة أسرهم ومجتمعهم ووطنهم.
الأم الذكية يجب أن تستثمر المواقف التي تدور من حولها -وإن كانت محزنة- كالحرب الدائرة في جنوب المملكة لاقتلاع المتسللين -أزالَ اللهُ شرَّهم- فتحدثهم على نحو يلفت نظرهم للأهداف الإيجابية التي تقوم بها المملكة من هذه الواقعة بهدف أن تكون لها بصمة مؤثرة وقوية نحو تغيير إيجابي لجيل صالح -بإذن الله- واعٍ بواجباته وحقوقه الوطنية, فالوطنية مبدأ يلتزم به المواطن، لا شعارات تُردد، ولا خُطب تُلقى فقط في حينها.
إنَّ ما حرَّك قلمي هنا هو سماع ومشاهدة أخبار حرب المملكة لصد المتسللين وما يقوم به جنودنا البواسل في صدهم وردعهم ودفاعهم عن أرض الوطن، ومنهم من قُتل في سبيل الدفاع عن أرض هذا الوطن الغالي, عندها استوقفتني عدة عبر من تلك الحادثة، وقبل أن أذكرها أحب أن أبين أنَّ هناك سببين دعياني لذكرها وتوضيحها لأخواتي الأمهات ولكل مهتمة أو مهتم بشأن الوطنية، وهما: السبب الأول رغبة في تأصيل وتجذير معاني الوطنية في نفوس أبنائنا وأجيالنا اللاحقة.. والسبب الآخر كوني أُماً منوطاً بي رعاية أبنائي وأحب لأخواتي الأمهات ما أحب لنفسي فأردتُ تمرير الفائدة لهن بحكم تخصصي في التربية والطفولة.
إنَّ من نِعم الله تعالى على هذا البلد الطيب نعمة الأمن التي نعيشها منذ أن ترعرعنا على أرضه، وما زلنا بحمد الله كذلك -أدامها الله علينا من نعمة-, لذا مسألة الحروب وما تتبعها من قصص ومن تجهيزات عسكرية تكون مغيَّبة -تقريباً- في ذهن أبنائنا وبخاصة الصغار من أطفالنا فلذات أكبادنا -الذين لم يدركوا حرب الخليج الثانية-, ونحن دائماً نردد لهم حب الوطن ويتعلمون بمدارسهم عن الوطن وأهمية الوطن وحب الوطن... إلخ, لذا رأيت من الواجب المنصب على كل أمّ تعيش على هذه الأرض الطيبة أن تجسد حب الوطن والانتماء إليه بصوره حسية واقعية من خلال الأحداث الدائرة الآن في جنوب المملكة, فتستثمر القصص والأحداث لتعزيز تلك القضية الهامة. فالحديث مع الأطفال بأسلوب مبسط بعيد كل البعد عن التخويف وبشكل واضح وموجز عن تلك الأحداث التي تدور على الحدود, من شأنه أن يصل بالأم إلى مرادها في ترسيخ مثل هذه المفهوم الإيجابي، وهو الدور الذي يقوم به جنود الوطن الذين قيَّضوا أرواحهم للدفاع عن وطنهم, فتخبر أطفالها أن الوطن لا بد له من جيش يحميه بعد الله سبحانه وتعالى, فكلمة (الجيش) من المفردات اللغوية التي لا تحضر في ذهن أطفالنا كثيراً إلا بصورة الشرطي وبالمعنى العامي للأطفال (اللي يمسك الحرامي) أو مفردة (رجل المرور), لكن لو نسأل بعض الأطفال ما معنى كلمة جيش؟ ومن هم؟ وما هو دورهم؟ نجدهم في غالب الأمر حائرين صامتين عيونهم تظهر عليها عدم المعرفة إلا من شاء ربي منهم.. ومن هنا كان لزاماً إيضاح معنى كلمة (الجيش) معنى وواقعاً لا لذات الكلمة، وإنما للمعاني الإيجابية التي يمكن أن تستثمر من ورائها, فعند قيام الأم بتلمُّس الحاجات الأساسية للإنسان والحديث عنها مع الأطفال وهي (الأكل والنوم والملبس والجو العائلي) لأنها تشكل المنافذ الرئيسة في نفوس الأطفال تستطيع الأم أن تصل بهم للفكرة المنشودة من خلالها، ألا وهي دور الجيش في توفير أجواء الحماية والرعاية, فتخبرهم أنكم تنامون هانئين وتأكلون دون تنغيص وبأي مكان ترغبون وتلبسون ما يدفئ أجسادكم الصغيرة وتقضون أوقاتاً ممتعة مع أفراد أسرتكم المجتمعة دون أن تفقد أحداً, بينما الجندي في هذا الجيش العظيم هو من يسهر على راحتكم ويوفر الأمان بعد الله في أي مكان يُراد الذهاب إليه دون خوف من عدو خائن فيتناوبون على الحراسة لحراستنا, وربما يشعرون بوخزات الشتاء القارص ونحن الآن على أبوابه, ويتشوقون لأسرهم لأنهم بعيدون عنهم, وذلك كله في سبيل الله، ثم الوطن الغالي، ثم راحةً لإخوانهم المواطنين. إن الحديث مع الصغار عن تلك الأمور التي تحيط بهم من شأنها أن تعزز صور الانتماء الحقيقي للوطن.. وأن ترفع من الصورة الذهنية لديه عن (العسكري) والالتحاق ب (الجيش).. وأن تحيي أمثلةً واقعية لصور مشرفة يطمح أن يكون مثلها في يوم من الأيام، فليست (الأمثلة العليا) فقط في (التأريخ) أو في (الخارج).. بل لدينا (أمثلتنا) التي نفخر ونعتز بها.