الأمانة فضيلة من الفضائل التي لا يستغني عنها الإنسان في معركة الحياة مع نفسه أو مع الناس، ولا تستطيع الجماعة الاستغناء عنها، ومن هنا دعا الإسلام إليها وحبب فيها، بل أمر بها.
قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (58) سورة النساء.
والأمانة كلمة واسعة المدلول، تتسع لجميع العلاقات، ولا تشمل الودائع فقط، وإنما تشمل العقائد والفرائض، فهي في جملتها إعطاء كل ذي حق حقه، لذا جعلها الله تعالى ركيزة الإيمان. وعلى هذا فإن كل الأمانات ثلاث: أمانة الله وهي الاعتراف بوحدانيته، وأسرار الناس عندنا أمانة ما لم يكن فيها ضرر على الصالح العام، فإذا أفشيناها ونشرناها فقد خنُا الأمانة، وجوارحنا أمانة يجب علينا ألا نستعملها إلا فيما خلقت له. فالعقل الذي يعتبر أكبر أمانة أكرمنا الله بها، لنتفكر في خلق السماوات والأرض، فإذا فكرنا فيما يضر المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية، فقد خنٌا الأمانة. والعين أمانة، فإذا نظرنا بها إلى الحرام فقد خنٌا أمانتها، وكذلك الأذن أمانة فإذا سمعنا ما حرم الله من غيبة ونميمة والأصوات الماجنة للمغنين والمغنيات فقد خنا الأمانة.
ومن معاني الأمانة وضع كل شيء في المكان الجدير به، فلا يستند منصب إلا للشخص الذي يستحقه، حتى لا تضيع القيم، وتختلط الأمور، ويهمل أهل المثل الرفيعة والكفاءة، فالإسلام اعتبر المنصب أمانة. (عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي وقال: يا أبا ذر، إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليها فيها). وهذا نبي الله يوسف –عليه السلام - لم يرشح نفسه لإدارة شؤون المال بنبوته وتقواه فحسب، بل بحفظه وأمانته. قال الله تعالى في سورة يوسف (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم). والمسلم الواعي القائم لدينه الذي يعمل لصالح أمته ومجتمعه لا يأخذ إلا حقه، ولا يسعى لأخذ ما ليس له فيه حق، وقد أرق رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، ولم يذق طعم النوم، فسألته عائشة عن سبب هذا فقال لها (لقد أخذت تمرة من تمر في البيت وأخشى أن تكون تمرة الصدقة). شك رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في مصدر تمرة واحدة، فلم ينم ليلة كاملة، لأنه يخاف ربه، فما أحوجنا إلى ترسيخ معاني الأمانة ونبذ الخيانة وأهلها من مجتمعنا.
وروت كتب السنّة عن أنس (رضي الله عنه) قال: (ما خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا قال لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له).
إضافة إلى ذلك فهي تعد من أهم دعائم الإسلام، وفي التمسك بها علاج لكثير من المشكلات الاجتماعية والسلوكية التي نشاهدها في كثير من الأحيان. كما أن المجتمع لو طبق أبناؤه ما جاء في الحديث السابق لما وجدنا هذا الكم من القضايا المتعلقة بسلب الأموال ونهبها من أصحابها دون وجه حق، فالإسلام دين يسر فما أجمل الإسلام في فضائله ورسالته، وما أجمل التمسك بهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وحتى تكون صورة المسلم أمام ربه وأمام الناس جميعا وضاءة ومشرقة وعنوانا لجوهر دينه الإسلام الذي من أهم مبادئه «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».