Al Jazirah NewsPaper Monday  12/04/2010 G Issue 13710
الأثنين 27 ربيع الثاني 1431   العدد  13710
 
دفق قلم
إنها طيبة الطيبة
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

من الذي يَمُنُّ الله سبحانه وتعالى عليه بزيارة المدينة المنورة فلا يشعر بالراحة والهدوء والاطمئنان؟ من الذي تلامس قدماه ثراها الطهور فلا يشعر بأنه يمشي فوق ثوب حريري من السعادة والصفاء؟

إنها طيبةُ الطيبة، إنِّها طابة المستطابة، إنها بلد الهجرة المباركة التي احتضنت بحبها، وحنانها، وصدقها وإيمانها، وعقلها وجَنانها، أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام ومئاتٍ من أصحابه المهاجرين بدينهم من مكة المكرمة.

إنها مدينة المحبة الإيمانية، والإخاء الإسلامي الذي لم يشهد تاريخ البشرية له نظيراً، إنها طيبة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم الذي هاجر إليها فاراً بدينه من قسوة وجبروت وعناد وعداء كفّار قريش، فكانت له حصناً حصيناً، وحضنا دافئاً، وسكناً مستقراً آمنا.

إنها طيبة الأنصار الأخيار الأبرار الذين وصفهم حبيبهم وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: الأنصار شعار والناس دثار، وما أروعه من وصفٍ وما أبدعه، وما أعظمه من مقام وما أرفعه.

الشعار هو الثوب الذي يلي جسد الإنسان مباشرة، والأصل فيه أنه ثوب ناعم نظيف قريب إلى النفس حبيب إلى القلب، والدِّثار هو الثوب الذي يلْبس فوق الشعار، فما أبلغ وأفصح سيّد الأبرار.

إنها طَيبة الأنصار الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فيما روي عنه: إنكم لتكثرون عند الفزع وتَقِلُّون عند الطمع، ويا لَه من وصف استوعب أجمل الصفات وجَمَعْ.

إنها طيبة أحُدٍ بشموخه وثباته وامتداده، وبروحه الرقيقة، وقلبه الطيب، وحسّه المرهف، ومشاعره الفيَّاضة، وحبّه الكبير، وكيف لا يكون جبل أحدٍ رقيقاً محباً، مُرهفَ الحسِّ، وقد اهتز ذات يوم وعليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، فخاطبه الحبيب المصطفى بقوله: اثبت أحُد، فإنما عليك نبيّ وصديِّق وشهيدان؟

كيف لا يكون جبل أُحُد محبّاً صادق الحبِّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي قال عنه: أُحُدٌ جبلٌ يحبُّنا ونحبّه؟

إنها طيبةُ قُبَاء، وما أدراك ما قُباء، مسجدٌ مبارك كان يتعهده بالزيارة للصلاة فيه خير الأنبياء، ويقول: إنّ صلاة فيه تعدل أجر عُمْرةٍ إلى البيت الحرام.

إنها طيبة المسجد النبوي المبارك شقيق المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، وأحد المساجد الثلاثة التي إليها تُشدُّ الرِّحال دون سواها، وفيها تتضاعف حسنات المحسنين، وتزيد أجور الطائعين.

إنها طيبة الروضة المباركة التي هي روضة من رياض الجنة، وترعةٌ من تُرَعِها المباركة عند منبره عليه الصلاة والسلام.

إنها طيبة الإيمان، والجهاد، والدعوة إلى الله، وتطبيق أحكام شرعه، ومنطلق الجيوش الإسلامية الأولى التي شرَّقت وغرَّبت لتنقذ العباد من عبادة العباد، إلى عبادة ربِّ العباد، ولتخرج الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

إنها طيبة الخندق الذي أسهم في حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم حماية للمدينة من الأحزاب الذين تحزَّبوا عليها من كفار العرب واليهود، والذي كان نافذةً مضيئة لخطوات الفتح الإسلامي الكبير، فهو الخندق الذي ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم بالمعول صخرته العاتية فخرج من ضربته نور أضاء الشام، وأضاء العراق بأضواء الأمل المشرق، فبشر الرسول عليه الصلاة والسلام بفتح بلاد فارس وبلاد الروم، وكان الفتح كما بشَّر.

إنها طيبة المجد والشموخ والشَّمَمْ.

إنها طيبة الطيِّبة، لا تكاد ترى عينا زائرها مسجدها النبوي الطاهر، وقباءَها، وأُحُدَها، وحَرَّتها السَّوداء، وعقيقها، وبُطحانها، وسقيفتَها، وبقيعها، إلا والشعور بالراحة يكتنف نفسَه المكدودة فيُريحُها وقلبَه الحزين فيسعده، وذهنَه المشغولَ فَيَغْسِلُه بالراحة والهدوء والصفاء.

هنيئاً لساكنيها، وزائريها، وصلى الله وسلم على مَنْ يحتضن ثراها الطهورُ جَسَدَه الطاهر، ورضي الله عن الصحابة الكرام الذين درجوا فيها رجالاً أفذاذاً مؤمنين بربهم، وسكنوا ثراها أمواتاً شهداءَ صدّيقين، وعن أمهات المؤمنين الطاهرات، وآل بيت النبي الأخيار الأطهار.

إنها طيبة الطيبة -وكفى-.

إشارة:

إيهِ يا طيبةَ ماضٍ يشرح الصدر وحاضر.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد