Al Jazirah NewsPaper Sunday  18/04/2010 G Issue 13716
الأحد 04 جمادى الأول 1431   العدد  13716
 

شعر معالي الشَّيخ راشد بن صالح بن خنين.. وثائق تاريخية من ماضي وحاضر الدِّلم
بقلم: عبدالعزيز بن صالح العسكر(*)

 

في عام 1320هـ دخل الملك عبدالعزيز الدلم فاتحاً ومبشراً بعهد جديد، ليس للدلم وحدها وإنما للمملكة عامَّة. وكان عبدالله بن ناصر الحقباني أميراً للدلم، فأبقاه الملك عبدالعزيز أميراً للدلم حتى توفي سنة 1327هـ - رحمه الله. وبعده اختير عبدالرحمن بن محمد بن عرفج أميراً للدلم(1).

وفي عام 1357هـ عيَّن الملك عبدالعزيز الشيخ عبدالعزيز بن باز قاضياً للخرج، وكان مَقَرُّه في الدلم، حيث كانت هي عاصمة الخرج بعامة وقاعدتها الرئيسة، فكان الشيخ قاضياً ومفتياً ومصلحاً ومعلماً، بل كان جامعة توافد عليها طلاب العلم، ليس من أنحاء الجزيرة العربية فقط، وإنما جاءه كذلك طلاب من العراق وفلسطين وغيرهما، وكان عمر الشيخ وقت توليه قضاء الدلم ستاً وعشرين سنة فقط.

وكان الشيخ راشد بن صالح بن محمد بن عبدالعزيز بن خنين قد ولد عام 1344هـ، فكان عمره حينما قدم ابن باز الدلم ثلاثة عشر عاماً, ففرح الشيخ ابن خنين بقدوم ابن باز للدلم، ولازمه طالباً للعلم على يديه، ثم كاتباً له. وكان فترة بقاء ابن باز في الدلم لمدة أربعة عشر عاماً ملازماً له، أخذ منه العلم والفقه والخبرة في الحياة.. ولذلك كان خبر انتقال الشيخ عن الدلم مفزعاً مؤلماً ليس للشيخ راشد فقط بل لأهل الدلم بعامة.. وملازمة الشيخ راشد لشيخه ابن باز وتتلمذه على يديه حقيقة أشار إليها شيخنا عبدالرحمن بن عثمان الجاسر بقوله:

يا راشد عرفت بالرشد سيرتُهُ

وأصبحت مثلاً يجري بها المثلُ

معين نهر الهدى بالعلم مَيَّزَهُ

فضل ابن باز لكم طبع وممتثل

بالعلم والفضل والأخلاق قدوتكم

شيخ جليل لنا من نهره نَهَلُ

كان التواضع من أسمى فضائله

وفي تواضعكم من شيخكم مثل(2)

وإذا رجعنا إلى شعر الشيخ راشد نجد أنّه قد خص الدلم بعدد من القصائد، منها قصيدة رائية بعنوان (يا حبذا دلم)، نظمها عام 1373هـ، حيث رجع إلى الدلم بعد طول غياب - كما ذكر في مقدمتها - ومنها:

هبَّ النسيم من الأوطان فانتعشت

مني المشاعر والأعضاء والفكر

أعظم بها ليلة نلقى صبيحتها

جُلَّ الأقارب والأصحاب قد حضروا

يا حبذا دلم والساكنون بها

وحبذا أرضها بالعشب تزدهر

سَهْلٌ خصيبٌ به نخلٌ وفاكهةٌ

والخرج من قِدَمٍ بالقمح تشتهر

الرَّمل شرقيها من زخرف كسيت

حباته الصُّفر لا شوك ولا حجر

طويق في غربها تزهو عُليَّتُهُ

فيها الهضاب التي يحلو بها السَّمَرُ

أما السُّيول فمن غرب الجنوب بدت

وفي النِّهاية (للسهباء) تنحدرُ

هذي بلادي التي عشت الشباب بها

نعم البلاد ونعم الأهل والأُسَرُ(3)

وثيقة جغرافية تحملها هذه الأبيات، فالشيخ هنا يُسَمِّي الدلم الخرج لأنَّها أصلها وقاعدتها.. ثم يُحَدِّدُ الدلم، فيذكر أن غربها جبال طويق وفيها جبال (عُلَيَّة) وشرقها رمال الضاحي وهي رمال تكونت على مسافة تزيد على عشرة كيلومترات مشكلة سواراً للدلم من جهة الشرق.. أما سيول الدلم فمصدرها الأودية الكثيرة التي تنحدر من جبال طويق المذكورة غرباً وتشق الدلم من جنوبها إلى شمالها ثم تواصل مسيرها إلى أن تصل إلى سهل أقيم عليه مشروع حكومي يُسَمَّى (السَّهباء) وتمر في طريقها بأرض مستوية تسمى السَّيح لأنه كان يسيح فيها السَّيل وأقيمت عليه المدينة المعروفة الآن والتي أصبحت قاعدة الخرج ومقر إدارته.

وفي قصيدة أخرى لشيخنا الشيخ راشد يتذكر شيخه ومُعَلِّمه ابن باز ورياض العلم في مسجده ويذرف عليها دمعة صادقة فيقول من قصيدة ميمية رائعة:

بالمسجد الأوسط المعروف بالدلم

صلبت فانبعثت ذكرى مع الألم

قد كان ذا المسجد المحبوب مزدهراً

بالوعظ والدرس والتذكير بالحكم

إنَّ التذكر للأحباب أحصرني

والدَّمع منهمرٌ قد ناب عن كلمي

عهد الصبا وعهود الأنس قد رحلت

ولن تعود بنيل المال والحشم

عهد الطفولة ما أحلى تذكره

فيه البراءة من حقد ومن ألم

وفي القصيدة يشير الشيخ إلى أن الدلم أصبحت أحياء متباعدة، ويتمنى أن ترتبط ويلم شعثها.. ثم يتفاءل باكتشاف النفط في الدلم بمستقبل مشرق فيقول:

إن البيوت التي قد كنت أعهدها

حل الخراب بها والبعض كالعدم

وصار عمرانها قطعاً مفرقة

شرقاً وغرباً بشكل غير منتظم

أرجو لبلدتنا عمران خاربها

وربط أجزائها والسَّد للثلم

هذي بلادي وأعني الخرج أجمعه

المنتج القمح والأصناف من نعم

حقول غاز وبترول قد اكتشفت

في أرض بلدتنا بالخرج في الدلم(4)

وهذه القصيدة نظمت عام 1400هـ ثم ألحقها بأبيات بمناسبة اكتشاف البترول في الدلم عام 1413هـ.

وفي يوم 9-6-1412هـ نشرت قصيدة بعنوان (ترسانة الجود) للأستاذ عبدالعزيز بن عبدالرحمن العتي شاعر الدلم المعروف.. فلما قرأها شيخنا علق عليها بسبعة أبيات أرسلها للعتي وفيها يقول:

فخر العتي ويا صناجة الدِّلم

أهلاً وسهلاً لقد أغنيت عن كلمي

أثلجت صدري وكل القاطنين بها

حب المغاني من طبعي ومن شيمي

لا فض فوك ولا ضيَّعت مِقْوَلَهُ

واصل نشيدك مشكوراً بلا سأم

لقد شررت بما قد ضمَّ شعركم

من الإشارة والإبرار للقيم

وواصفاً بلدة عشنا بتربتها

والناس تقصدها للعلم والحكم

إذ كان بحر علوم الدين يسكنها

شيخي ابن باز الذي في الناس كالعلم

الخرج منطقة كبرى ومخصبةٌ

والأم إن رمتها فاسأل عن الدلم(5)

وفي هذه القصيدة (المقطوعة) تأكيد على معانٍ يكررها الشيخ في شعره، مكانة الدلم في الخرج، ودور الشيخ ابن باز فيها ومكانته في قلوب أهلها - وقد كان طلابه يسكنون في غرف بناها لهم في الدلم بجوار المسجد وهم من كل مكان ومنهم عدد من مدن الخرج اليمامة ونعجان وغيرهما - رحم الله من مات منهم وبارك في الأحياء.

وقصيدة الأستاذ العتي التي أجاب عليها الشيخ ابن خنيف قصيدة قيمية أشبه ما تكون بالمعلقة، حيث بلغت أبياتها اثنين وأربعين بيتاً كما سمعتها من أخي أبي عبدالمجيد -حفظه الله.. ولروعة القصيدة وجمالها نقتبس منها هذه الأبيات:

سفر من العز والأمجاد والقيم

تزهى به صفحة الماضي عن الدلم

ترسانة الجود والخيرات يا بلدي

يا معقل الصيد والأحرار من قدم

لا المدح قصدي ولا التعريف يا دلمي

فأنت اشهر من نارٍ على علم

لكنني عاشق يحلو الحديث له

عمن يحبّ وعفواً إن نبا قلمي

وفي آخرها يقول الأستاذ العتي:

يا منبر الرأي يا درع الفضيلة يا

نجمٌ سما في سماء الخرج كالعلم

ما أنت في الخرج إلا زهرةٌ نفحت

من حولها بشذا الأخلاق والحكم

ما أنت في الخرج إلا شمعة نشرت

نوراً يضيء لأهل الخرج في العتم

كليَّةٌ أنت للأمجاد ما فتئت

تُزَوِّد الجيل بعد الجيل بالقيم

إني لأرفع رأسي بالفخار متى

سُئلت عن بلدي أني من الدلم

ولي مع هذه القصيدة وقصائد أخرى لأبي عبدالمجيد وقفات في مقال آخر إن شاء الله تعالى.

وآخر نص شعري لشيخنا الخنين نعرض له هنا هو قصيدة بعنوان (حبيبتي دلم)، نظمها الشيخ في وقت مبكر ثم زاد عليها حتى اكتملت تسعة عشر بيتاً.. وهي بحق وثيقة تاريخية نفيسة.. يشير في بدايتها إلى أمر ذكره في قصيدة سابقة وهو تفرق أحياء الدلم وتباعدها وأمنيته أن يلتئم شملها وأن تتقارب الأحياء وتترابط ليسهل التواصل والخدمات، ثم يشير في أبيات - أظنها مما ألحقه بالقصيدة فيما بعد - إلى موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد -رحمه الله- على إنشاء مستشفى الدلم.. فيقول الشيخ راشد:

حبيبتي دلماً قولي لأبناك

بالرفق كي يعدلوا عن فصل أحياك

قد شيدوا حللاً يبغونها بدلا

وحاولوا الفصل حتَّى عن مسماك

لو أنهم وفدوا من خارج عذروا

لكنهم منك قد عاشوا بمغناك

العز مرتبط حقاً بوحدتهم

كي يبذلوا سعيهم في رفع مبناك

وإلى موضوع المستشفى يقول الشيخ:

إنَّ المليك سخيُّ الكف قائدنا

فهدٌ سينشئ مستشفى لمرضاك

فالله يجزيه في الأخرى بجنّته

كما تفضل في الدنيا وواساك

ويشير إلى موقف سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير الرياض -حفظه الله- حينما وجّه بأن يكون مستشفى الدلم في وسيطها فيقول الشيخ:

أميرنا الشَّهم قد أبدى تَفَهُّمه

سلمان مقتنعٌ في صدق شكواك

فجاء توجيهه الله يحفظه

بمنع تفرقةٍ الأحيا فأرضاك

ويبث شيخنا شجونه بصدق، ويخطاب إخوانه وأبناءه من المواطنين بحديث لا تنقصه الصراحة والوضوح فيقول:

تمدَّدت مدنٌ أضعاف بلدتنا

والاسم متَّحدٌ ما بال أبناك

لو مرفقاً وضعوا في وسط بلدتهم

وفتَّحوا طرقاً ما بين أرجاك

لي دعوةٌ لإله العرش أرفعها

بجمع شملٍ وأن أحظى برؤياك

في طيب عيشٍ مع الأحباب في دعةٍ

وسط الحقول وفي ظلٍّ لأفياك

أو في فلاةٍ سقاها الوسم قد ضحكت

فيها الزهور فما أبهى خزاماك

فيك الربوع التي عشت الشباب بها

مع الأحبة إني لست أنساك(6)

ومستشفى الدلم المشار إليه وضع حجر أساسه في 23-1-1417هـ في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد -رحمه الله وغفر له.

وقصيدة الشيخ الأخيرة نظمت في 15-5-1402هـ ثم أكملت في عام 1417هـ.

وشيخنا - أجزل الله أجره - يعد من أعلام الدلم، فقد تولى التدريس في المعهد العلمي في الأحساء عام 1374هـ تقريباً، ثم في معهد شقراء العلمي سنتين وهو لا يزال طالباً في كلية الشريعة.

وبعد تخرجه من كلية الشريعة - وكان في أول دفعة تخرجت فيها- عين قاضياً في المحكمة الكبرى في الرياض، ثم في الرياض في رئاسة القضاء، ثم عين وكيلاً لوزارة العدل.. وفي عام 1391هـ عين عضواً في هيئة كبار العلماء، ثم عين في عام 1397هـ رئيساً عاماً لتعليم البنات، وفي عام 1403هـ عين مستشاراً بالديوان الملكي. هذا السجل الذهبي من الأعمال التعليمية والقضائية أكسبت شيخنا ثقافة وخبرة، وفتحت له مجالاً رحباً لخدمة بلاده ونفع أمته.. وسجل كل ذلك بشعره وهو كما وصفه الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري: «والغالب في هذا السفر النظم الشعري ولكنه ضروري النشر، وضروري القراءة لعدد من الأمور:

أولها: أن أكثر من عانى الشعر والنظم يعد مؤرخ عصره، ولهذا كان في نظم ابن سحمان -رحمه الله تعالى- ما يحتاجه المؤرخ لنجد.. وفي ترجمة سماحة الشيخ راشد، وفي بعض مناسبات شعره ما يحتاجه المؤرخ.. ثم يقول:

ورابعها: الصورة الأمينة لحال مشايخنا في أسفارهم وحلِّم، ومدى ما يَتَمَتَّعون به من تقوى ومن مزاح ربما كان دون اللمم، فيزداد القارئ - ولا سيما إن كان شاعراً- تورعاً وغيرة على دينه»(7).

هذه هي القيمة التاريخية لمثل نظم شيخنا ابن خنين، أجزل الله له الأجر وغفر لنا وله ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا إنه جواد كريم.

ما أشرت إليه هنا من شجون الشيخ لبلدته وما ذكرته من أقوال غيره كانت دافعاً لي -وهم أساتذتي ومشايخي- لأن أقول:

دلمٌ وضجَّت بالمفاخر أرضها

وتَضَوَّعت مسكاً وفاحت عنبرا

فيها تألق بالهدى علاَّمة

باتت فضائله دليلاً للورى

ذاك ابن باز عالم نهضت به

نفسٌ لها قد باع دنيا واشترى

وإذا سألت عن الشهامة والنَّدى

فالجود في معشوقتي قد عسكرا

قالت لها الأفلاك أنت جميلة

والبدر غار فدمعه بلَّ الثَّرى

قالت لها الأيام أنت أصيلة

والحق ما قال الزَّمان وسَطَّرا

قالت لها الأمطار أنت كريمة

فالعشب فيك بَوَاكرا قد نوَّرا

قالت لها الألحان أنت شجيَّة

فالشوق فيك أسال دمعاً قد جرى

قالت لها البلدان أنت وفيَّة

صدقاً، لمن شاد البناء وعَمَّرا

في السابقين كتبت أروع صفحة

وبنيت مجداً للمعالي أكبر

في ظل من حكموا البلاد وأهلها

بالعدل يخفق في ذرا أم القرى

***

الهوامش:

(1) كتاب: الدلم تأليف: د. محمد بن زيد العسكر ط1 سنة 1418هـ ص 124 - 125.

(2) كتاب: عبدالرحمن بن عثمان الجاسر سيرته وخطبه وشعره، تأليف: د. عبدالرحمن بن ناصر الداغري ص515.

(3) ديوان راشد بن صالح بن خنين. ط1 عام 1430هـ ص92.

(4) المصدر نفسه ص 92 - 94.

(5) المصدر نفسه ص 98.

(6) المصدر نفسه ص 95 - 96.

(7) المصدر نفسه ص 11 - 12.

(*) عضو الجمعية السعودية للغة العربية ص.ب 190 الدلم 11992


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد