يعلم الجميع أن حُكْم صلاة الاستسقاء سُنّة مؤكدة، وأنها تشرع عند حصول الجدب وحاجة البلاد والعباد إلى الإمطار؛ فالسُّنَّة أن الإمام يأمر بإقامتها، وتلبية لذلك يهب الناس طلبا للخير. وولي الأمر خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - يأمر بإقامتها تماشياً مع السنة آملا بنزول الغيث. والملاحظ في السنوات الأخيرة عدم إقبال الناس وتأديتهم لهذه الشعيرة، وقلة الساعين لها، والسبب في ذلك يعود إلى إقامتها في الصباح الباكر بعد طلوع الشمس وقت ذهاب الناس إلى مدارسهم وأعمالهم وانشغالهم وعدم قدرتهم وتفرغهم لذلك، وعند المراجعة والبحث وجدتُ أن وقتها ليس محصوراً في وقت معين؛ قال ابن قدامة - رحمه الله - في المغني (337-3) «وليس لصلاة الاستسقاء وقت معين، إلا أنها لا تفعل في وقت النهي بغير خلاف؛ لأن وقتها متسع؛ فلا حاجة إلى فعلها في وقت النهي، والأولى فعلها وقت العيد لماروت عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج حين بدأ حاجب الشمس. رواه أبو داود. ولأنها تشبهها في الموضوع والصفة وكذلك في الوقت، إلا أن وقتها لا يفوت بزوال الشمس؛ لأنها ليس لها يوم معين؛ فلا يكون لها وقت معين» انتهى.
وقال النووي - رحمه الله - في المجموع (77-5): «في وقت صلاة الاستسقاء ثلاثة أوجه: أحدها وقتها وقت صلاة العيد. الوجه الثاني: أول وقت صلاة العيد، ويمتد إلى أن يُصلَّى العصر. والثالث - وهو الصحيح بل الصواب - أنها لا تختص بوقت؛ بل تجوز وتصح في كل وقت من ليل ونهار إلا أوقات الكراهية على أحد الوجهين، وهذا هو المنصوص للشافعي، وبه قطع الجمهور وصححه المحققون» انتهى باختصار. قال الحافظ بن رجب: «وقت صلاة الاستسقاء وقت صلاة العيد، ولا يفوت وقتها بفوات وقت العيد؛ بل تُصلَّى في جميع النهار» فتح الباري (292-6). فإذا كان الاستسقاء بالدعاء فلا خلاف في أنه يكون في أي وقت، وإذا كان بالصلاة والدعاء فالكل مجمع على منع أدائها في أوقات الكراهة، وذهب الجمهور إلى أنها تجوز في أي وقت عدا أوقات الكراهة، والخلاف بينهم إنما هو في الوقت الأفضل ما عدا المالكية فقالوا: وقتها من وقت الضحى إلى الزوال؛ فلا تصلى قبله ولا بعده. وبهذا يُعلم أنه يجوز أن يُصلَّى الاستسقاء بعد الظهر أو المغرب أو العشاء.
وبالنسبة إلى تمديد صلاة الاستسقاء بيوم فقد جاء في سنن أبي داود بسند لا باس به من حديث السيدة عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعد الناس يوماً يخرجون فيه قالت السيدة عائشة: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بدأ حاجب الشمس.. الحديث، ودلالته ظاهرة على تحديد يوم للخروج إلى صلاة الاستسقاء، غير أنه لم يثبت تسمية هذا اليوم، وقد استحب غير واحد من أهل العلم تحديد يومي الاثنين والخميس؛ لأن الأعمال تعرض فيها على الله تعالى، ولأنهما وقت فضيلة الصيام فيجمع المسلمون بين الصيام والاستسقاء؛ فيكون الدعاء حينئذٍ أقرب للإجابة.
ويحتمل عدم مشروعية نقض هذين اليومين دون بقية الأيام؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصحابة، وهذا هو الصواب؛ فلا يشرع وقت يوم دون آخر بدون نص؛ فالمشروع هو تمديد يوم للخروج فيه؛ فقد يوافق يوم الاثنين، وقد يوافق يوماً آخر مراعاة لمصالح الناس وحاجاتهم.
مما تقدم يتضح أنه لم يتم تحديد وقت معين لتأدية الصلاة فيه ما عدا أوقات النهار.
لذا أرى مراعاة مصالح الناس لكي يؤديها الجميع، وآمل أن يتم نظر ذلك من قبل علمائنا الأفاضل، وفقهم الله لما فيه الخير والسداد. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. والسلام عليكم.