Al Jazirah NewsPaper Wednesday  21/04/2010 G Issue 13719
الاربعاء 07 جمادى الأول 1431   العدد  13719
 
بلديات المملكة وصناعة القرار في إدارة المدن
السفير م. أحمد بن حمد اليحيى

 

خطوة جريئة وبناءة فعلتها أمانة بلديات الرياض ممثلة في وكالة الأمانة لشؤون بلديات المنطقة، عندما حشدت رجالها مسؤولي البلديات التابعين لها في لقاء علمي تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن متعب وزير البلديات والشؤون القروية خلال الفترة ما بين 21 إلى 23 - 1431هـ وذلك في مدينة المجمعة،

من أجل مناقشة الوضع الحالي والمستقبلي لإدارة المدن السعودية وكيفية تطوير صناعة القرار المحلي في إدارة المدن المتوسطة والصغيرة بمفهوم الإدارة المحلية وذلك سعياً لتطوير العمل البلدي وتحسين إدارة المدن ورفع مستوى الخدمات العامة والمساهمة في إيجاد صيغ جديدة لمواجهة التحديات الإدارية التي تواجهه مسيرة التنمية المستدامة.

لقد كانت حقا تظاهرة علمية مكثفة سعدت بها محافظة المجمعة واستر لها أناسها إذ شارك في نقاشاتها وحواراتها نخبة رفيعة العلم والخبرة من أبناء محافظة المجمعة وبعض مثقفي المنطقة ومسؤولي وزارة البلديات من ذوي الكفاءة والعلم، ممن تسنموا مناصب حكومية تنفيذية وعلمية وكان لي شرف المشاركة في بعض نقاشاته، حيث طرحوا خلالها أفكارا ورؤى قمينة بالدراسة والتأمل تصلح أن تكون بمثابة إضاءات مستقبلية تستفيد منها وزارة البلديات على مستوى المملكة، وتوج هذا اللقاء المفيد مشاركة أمين مدينة الرياض سمو الأمير الدكتور عبدالعزيز بن محمد العياف الذي أثرى حوارات اللقاء بمداخلات علمية عملية تنم عن فهم وإدراك عميق منه لدور البلديات في خدمة المجتمع وإدراك منه بطبيعة مهامها.

في ظني أن هذا المستوى الرفيع من الإعداد والتنظيم، والحشد النخبوي العلمي له الذي جهزت له بلدية محافظة المجمعة بقيادة المهندس الشاب أحمد بن عبدالله التويجري وكيل الأمين لشؤون بلديات المنطقة وبجهود مخلصة من قبل المهندس الشاب بدر الحمدان رئيس بلدية محافظة المجمعة وبمعاونة زملائهما الكرام يصلح أن يكون أنموذجا يتكرر عمله على مستوى المملكة، لا سيما وأننا ندرك حرص وزير البلديات والشؤون البلدية صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن متعب على الارتقاء بالبلديات إلى مصاف بلديات الأمم الراقية وبما يتناغم مع إستراتيجية حكومة خادم الحرمين الشريفين لتطوير المجتمعات البلدية والقروية خدمة للمواطنين أنى كانوا.

وكانت وزارة البلديات وما برحت مشكورة تؤدي رسالتها المرسومة بجهود قيادتها ورجالها، بيد أننا نحن المستفيدين من خدماتها لا نتوقف عن طلب المزيد والمزيد شأننا في ذلك شأننا مع قطاعات الخدمات الحكومية الأخرى، لا سيما وأن البلديات في مدننا وقرانا تعتبر من الجهات الحكومية الأكثر التصاقا بحاجيات السكان والتعامل اليومي مع أكثر من شرائح المجتمع ومن ثم فهي الأكثر إدراكا لهمومهم اليومية، فعلى سبيل المثال الحضور اليومي الفاعل من قبل البلديات في الإشراف على جاهزية الشوارع ونظافة الطرق وسلامة المباني ونظافة أماكن بيع الأطعمة وسلامتها هو مصدر إحساس المواطنين بالأمان في تجمعاتهم الحضارية في وطنهم. لذا نتأمل من وزارة البلديات أن تسارع قدما في إيقاعاتها التطويرية وتكرار لقاءات شاملة لبلديات المملكة من مثل تلكم تعقد على الأكثر كل عامين، سعيا لدراسة توسيع صلاحيات بلديات المدن والقرى ومنحها المزيد من الأدوار في مجالات خدمة المجتمع المحلي في حدود الأنظمة واللوائح المرعية، وأن تمنحها حق اتخاذ القرار في الحدود التي تمليه عليها متطلبات المجتمع وأناسه وطبيعة بيئتهم.

في الوقت الذي نشد فيه اليد على منح فروع البلديات مرونة في اتخاذ القرار في مجالات الإدارة المحلية ننبه إلى أنه لا يخلو واقع الحال من معانات يواجهها بعض المواطنين من مراجعي البلديات عند قضاء أمورهم لا سيما أمام فروع أمانات البلديات في المدن الكبيرة حيال أنواع من المراجعات لا يملك صلاحية البت فيها سوى الأمانة، فيبقى المراجع في حالة ذهاب وإياب وكر وفر بين مقر الأمانة وبين البلدية الفرعية داخل المدن الكبرى قد تطول مدته أو تضيع أوراقه، قد لا يكون المقصود من هذا الترتيب القائم التعقيد بقدر ما يرجع إلى عدم تخلص بعض الموظفين من روتين مقيت يعيقهم عن اتخاذ قرار فوري يريح المراجع في قضاء مشغلته.

وعروجاً إلى مسائل آليات تنظيم وتخطيط المدن نلحظ تكدس الدكاكين والمحلات في العمائر السكنية التجارية ليس قلب المدن الكبرى بل وفي كل شارع عرضه (30 متراً) وأكثر في مدننا الكبيرة والصغيرة، وما يترتب عليه من منح مستأجري محلات ودكاكين هذه العمائر رخصا مهنية بحكم الأنظمة، ذلكم بات مدعاة لأصحاب تراخيص المهن لاستقدام عمالة خارجية لا يستطيع رفضها مكتب العمل بموجب أنظمته هو الآخر، عمالة أقل ما توصف بأنها (ترفية) ليست بلادنا في حاجة ملحة لها، إذ قد يعمل في المحل المصرح له العمال الوافدون من أجله لبعض الوقت، إذ الملاحظ أن معظم هذه المحلات عمرها قصير، لفشل قد تواجهه أو خسارة بسبب المنافسة إلخ.. فينتهي الأمر بعمالتها إما الهروب أو التسيب في أسواق البلاد. وبتراكم الحالات وتعددها كان من ذلك أن امتلأت بلادنا بعمالة سائبة تزيد عن الحاجة قد يصح أن يطلق عليها مسمى (بطالة مقنعة) لا تجني منها البلاد سوى المضار الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

وثمة مسألة أخرى.. لا يخفى على مخططي المدن أن تقليل عدد أدوار المباني على الشوارع الرئيسة (وإن كان لهم أسبابهم) معناه توسع رقاع المدن مما يشكل لا محالة عبئاً مالياً إضافياً على ميزانية الدولة من أجل توصيل الخدمات للسكان من زفلتة شوارع، ومد خطوط كهرباء، وأنابيب مياه، وصرف صحي، وتنظيف شوارع، وزيادة في عدد مرافق الدولة من مدارس ومستشفيات ومكاتب ومراكز مرور وشرطة الخ.. ناهيك عن تسبيب تضخم أعداد السيارات في المدن للتنقل بين المناطق المتباعدة، وزيادة في استهلاك الوقود ينجم عنه تلوث بيئات المدن.

عشمنا كبير أن تسعى البلديات إلى وضع ترتيبات وتنظيمات لتراخيص العمائر الجديدة، تكون متوازنة في الأهداف وفي التطبيق، تراعى حاجات المواطنين وتحمي المصلحة العامة، وتقطع الطريق على أصحاب النفوس الضعيفة والجشعة من استغلال الصالح العام.

وعليه فإني أشعر بأن طموح سمو وزير البلديات والشؤون القروية شديد في تلمس مواطن الخلل لإزالة مثل هذه الشوائب التي تخلفت من إفرازات مدخلات العصر وأبانتها مخلفات التنمية، وحرصه أعانه الله على الاستفادة من مدخلات التقنية واستخداماتها فيما بات حديثا يسمى بالإدارة الإلكترونية، ومما دخل على عالم تخطيط المدن من تطور عالمي مما يبشر بأداء واعد سيدخل البلديات عاجلاً في عهد جديد متميز. نسأل الله لهم ولنا العون والتوفيق.

وكيل وزارة العمل سابقاً وعضو مجلس الشورى سابقا- لإبداء الرأي


www.ahnyanya@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد