Al Jazirah NewsPaper Wednesday  21/04/2010 G Issue 13719
الاربعاء 07 جمادى الأول 1431   العدد  13719
 
مجداف
وصية ملك
فضل بن سعد البوعينين

 

لم تكن مدينة الجبيل الصناعية قد أنشئت حين التقى رئيس شركة بكتل العالمية- المسؤولة عن إنجاز مشروع المدينة الصناعية- بالملك خالد- رحمه الله- في نهاية تسعينات القرن الهجري الماضي. تحدث مدير المشروع الذي حضر ذلك اللقاء لأحد المقاولين السعوديين، ونقل له بعض ما جاء فيه من توصيات ملكية غلفتها الرحمة وحب العطاء وإسعاد المواطنين وإشراكهم في ثمرات مشروع إنشاء المدينة الصناعية الذي لم يستشرف غالبية المواطنين، آن ذاك، ما سوف تؤول له المدينة من خير وتطور، وما ستجنيه من ثروات طائلة نتيجة الطفرة التنموية الضخمة التي انعكست على اقتصاديات المدينة والوطن.

يقول «كنت أعتقد، وأنا ذاهب ضمن وفد الشركة، أننا سنواجه الكثير من النقاط الأمنية، والتعقيدات البروتوكولية قبل أن ندلف إلى ديوان الملك، وقد ذُهلت وأنا أرى الملك خالد ضمن عدد قليل من جلسائه في موقع صحراوي بسيط، مُجرداً من مظاهر الترف.

لم تكن الإجراءات الأمنية ظاهرة، أو يبدو أنها كانت ضمن الحد الأدنى غير الملاحظ.

أكثر ما لفت انتباهي، إصرار الملك خالد- رحمه الله- على إشراك المواطن، وسكان المدينة الحاضنة للمشروع في العوائد المالية المتوقعة، والتنمية التي يمكن أن تجعل الإنسان جزءا منها»... كانت «وصية الملك» جلية لا لبس فيها، تدفع نحو التنمية الشاملة، وإن كانت تركز في بادئ الأمر على الاستفادة المباشرة المتأتية من عمليات تنفيذ المشروع.

انشغل السكان بطلب الرزق، والاستزادة من خيرات المشروع حين الإنشاء، ونسي الكثير منهم، كما نسي المسؤولون أيضا، أهمية استفادة مدينة الجبيل من خيرات ونمو مدينة الجبيل الصناعية. تساهل الناس في حفظ حقوقهم المشروعة وحقوق مدينتهم، وانشغل المسؤولون عنهم بما كانوا يعتقدون أنه الأهم!!.

من وجهة نظر خاصة، أعتقد أن الخطأ الإستراتيجي الأكبر في إنشاء مدينة الجبيل الصناعية كان على علاقة باستبعاد مدينة الجبيل عن الخطة التطويرية الشاملة ما جعلها خارج محيط الاهتمام.

كانت مساحة مدينة الجبيل لا تتجاوز مليون متر مربع، ما يعني إمكانية ضمها تلقائيا إلى مدينة الجبيل الصناعية، وجعلها ضمن المشروع الرئيس، إلا أن الخطة الإستراتيجية لم تُضَّمَن «مدينة الجبيل» فسقطت المدينة (سهوا) من أضخم مشروع تنموي شهدته المملكة!!.

سهو الإستراتيجية كلف سكان المدينة، والوطن، الكثير، وما زال، طالما أن التباعد بين المدينتين المتلاصقتين في ازدياد مطرد.

تنمية المدينة الصناعية أحدثت هوة كبيرة بين المدينتين المتلاصقتين؛ وأضرت، من دون قصد، بمجتمع مدينة الجبيل، وأضعفت قدرة المدينة على التطوير الذاتي خاصة وأنها أصبحت (مدينة إيواء) لعمال مشروعات المدينة الصناعية الذين أرهقوا السكان بمشكلاتهم الاجتماعية، وأسهموا في الضغط على الخدمات وتدميرها ما حرم سكان المدينة منها!!.

الفصل التنظيمي، الخدمي والإشرافي بين المدينتين أدى إلى رسم إستراتيجية تنموية شاملة للجبيل الصناعية، واستبعد في الوقت نفسه مدينة الجبيل.

تمخض عن ذلك الفصل حدوث فجوة تنموية كبيرة، خاصة في قطاع الخدمات البلدية، الطرق، التعليم، الصحة، المياه والصرف، الترفيه، الحياة الاجتماعية، و التخطيط الحضري.

تلك الفجوة خلفت أيضا فجوة اجتماعية لا يمكن تجاهل تأثيرها على المدى البعيد.

كان من المفترض أن تنضم مدينة الجبيل إلى الجبيل الصناعية عند إنشائها وتصبح تحت إدارة الهيئة الملكية للجبيل وينبع.

لأسباب متفرقة لم يحدث الضم، ولم يتحقق التعاون والتكامل بين المدينتين ما أدى إلى حدوث الفارق التنموي الكبير.

سبق السيف العذل، ولكن ألا توجد خطط بديلة يمكن أن ندرأ بها أخطاء الماضي!.

أجزم بأن خطط التنمية الإستراتيجية قادرة على ربط الجبيل بالجبيل الصناعية، تحقيق التوأمة والاندماج، وردم الهوة التنموية، وإعادة تأهيل المدينة بما يضمن العدالة والمساواة بين سكان المدينتين.

الإرادة تصنع المعجزات، والجبيل لا تحتاج إلى معجزات بل إلى خطة تنموية شاملة تقوم بوضعها شركة بكتل العالمية، الشريك الإستراتيجي، للهيئة الملكية، وأن تتبنى الحكومة تمويل تنفيذ المشروعات المقترحة وضمان إنجازها.

نحن لا نشتكي شح التمويل الحكومي، بل ربما شُح الإرادة الجامحة للتطوير والبناء ومعالجة الأخطاء.

وصية الملك خالد- رحمه الله- هي وصية جميع ملوك المملكة، منذ تأسيسها وحتى اليوم، بل إن المواطن بات محور التنمية في خطط الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسمو نائبه والنائب الثاني، وعلى ذلك تنفق مئات المليارات بسخاء لا يُرى في كثير من الدول الأخرى، وكل ما يأمله ولي الأمر ومواطنوه هو سرعة الإنجاز، كفاءة التنفيذ، وتحقيق العدالة في توزيع المشروعات وخطط التنمية.

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد