Al Jazirah NewsPaper Wednesday  21/04/2010 G Issue 13719
الاربعاء 07 جمادى الأول 1431   العدد  13719
 

خادم الحرمين الشريفين يتقلد السيف الأجرب بعد أطول غيبة ود في تاريخ الولاء للتقاليد
بقلم: عبدالرحمن بن سليمان الرويشد

 

دهشت دهشة لا توازيها دهشة في تاريخ الولاء للتقاليد، بعودة (السيف الأجرب) إلى موطنه الأصلي، بعد فترة طويلة تقدر بمائة وأربعين عاماً. وإذاً، فلنا العذر كل العذر عندما نفرح بعودة ذلك الرمز، الذي حقق في رحلته أروع وأدوم سجل في تاريخ العلاقات بين بيتين كريمين وبين شعبين عربيين مسلمين؛ شعبي المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين الشقيقة.

فقد زودني هذا الحدث بإحساس عميق وجدت نفسي معه مدفوعاً للحديث عن هذا السيف البتار.. سيف عرف في تاريخ السيوف في الجزيرة العربية، إنه أحد شراكها ومغرياتها، بعد أن أثبت ذلك الصمصام أيام العنت المفرط التي أمضاها صاحبه (الإمام تركي) حتى خلّده في أبيات شعر ما زال الناس في هذا البلد وعلى طول بلدان الخليج يتمثلونها ويتغنون بها:

طار الكرى عن موق عيني وفرّا

وفزّيت من نومي طرا لي طواري

سِرْ يا قلم واكتب على ما تورّا

أزكى سلام لابن عمي مشاري

يا حيف يا خطو الشجاع المضرا

في مصر مملوك لحمر العتاري!

واسلم وسلم لي على من تورا

واذكر لهم حالي وما كان جاري

إن سايلوا عني فحالي تسرّا

قبقب اشراع العز لو كنت داري

واليا كلٍ من عميله تبرّا

وحطيت الأجرب لي عميل امباري

ومن غاص غبات البحر جاب درّا

ويحمد مصابيح السرى كل ساري

فما السر الذي جعل هذا السيف يتربع على عرش العتاد الحربي العتيق حتى بلغ ذلك الشأو من الشهرة؟!

وللإجابة عن ذلك لن أجد أصدق ولا أوفى مما تحدث به فخر من حمل السيوف، وأعظم من جمعها وحافظ عليها، وجعل منها الهدايا الثمينة.. الملك عبدالعزيز.

ففي حفل أقامه في قصره بجدة عام 1345ه 1925م قدم له الشيخ محمد نصيف، أحد وجهاء جدة سيفاً من صنع يمني هدية تقبلها منه.. ثم أخذ الملك يتحدث بعد ذلك والسيف في يده يهزه بيمينه قائلاً: إن السيف اليمني يأتي في المرتبة الثالثة بعد السيف العجمي والفارسي. وهما سيفان يصنع أحدهما في خراسان يدعى (خريسان)، والآخر يدعى (دابان).. أما أفضل السيوف -والكلام للملك عبدالعزيز- فهو السيف الهندي المصنوع من الفولاذ الأبيض. وكانت سيوف آل سعود القدماء، وهي محفوظة لديّ، وزعتها بين أبنائي الكبار، فيما عدا سيفين لم أتملكهما؛ الأول: (الأجرب) سيف جدي الإمام تركي، الذي أهداه عمي الإمام عبدالله بن فيصل لآل خليفة، حكام البحرين.. وسيف آخر يعرف ب(الزحيف) اختفى منذ سنين، ولم أعد أعرف عنه شيئاً.. بهذا ختم الملك عبدالعزيز حديثه.

ولآل سعود ولعٌ باقتناء السيوف منذ القدم، ومن بينها سيف الإمام سعود بن عبدالعزيز الذي آلت ملكيته إلى الإمام عبدالرحمن بن فيصل، والد الملك عبدالعزيز، آخر حكام الدولة السعودية الثانية. ذلك السيف الذي أهداه الإمام عبدالرحمن لابنه الملك عبدالعزيز، وفي اجتماع عام في المسجد الجامع، الذي حضره علماء الرياض ووجهاؤها بعد صلاة الجمعة بالرياض، وأعلن فيه الإمام نزوله عما له من حقوق في الإمارة لكبير أبنائه عبدالعزيز، وقد وصف ذلك السيف أن نصله دمشقي، وقبضته محلاة بالذهب، وقرابه مطعم بالفضة.

ومن الجدير بالذكر أن السيوف نوعان: طويل منحنٍ قليلاً، وآخر قصير معتدل يدعى (القردة).. ومع أنهما صنعا من مادة واحدة وهي الفولاذ إلا أن لكل منهما ميزته في الأداء؛ فالسيف (القردة) يفيد صاحبه عند المقارعة مع الخصم، أما النوع الآخر فهو الأقوى ضربة، ويمكن أن يستخدم للطعن عند اللزوم.

أما السيف المعروف ب(الأجرب) -سيف الإمام تركي- فقد كان ضمن عدة سيوف مشهورة يملكها آل سعود. وتقول روايات كثيرة، لا أعرف مصدرها: إنها من سيوف الصحابة. وقال بعضهم: إن الإمام سعود الكبير استولى عليها عندما اجتاح جنوبي العراق. ويعددون أسماء تلك السيوف، ويسمونها (الأجرب) و(صويلح) و(القصاب) و(رحيان) و(رقبان) و(مرجانة من نوع القردة) و(بشيمان) و(شعيرن) و(سيف السيد) و(البسام).

ويظهر لي أن القول بأن الإمام سعود استولى على تلك السيوف عند اجتياح جنوبي العراق، قول يأتي في سياق قصة غزو كربلاء، التي ضخمت الدعاية البريطانية من شأنها، دفاعاً عن مصالحها في الشاطئ الإيراني والبحرين.. كما ضخّم تلك القصة شاه العجم، الذي أظهر اهتمامه بالشاطئ العربي أكثر من اهتمامه بالروس والإنجليز، الذين يلتهمون أجزاء من بلاده.. ومما زاد الطين بلة، أن المؤرخين العرب والأجانب زادوا في الحواشي والهوامش، ما أسعفهم الخيال.

والحقيقة التاريخية أن تلك الوقعة ليست طائفية، ولا موجهة ضد طائفة معينة، بدليل أن ذلك لو كان صحيحاً، لوجدناه في أهم تاريخ وأقدمه كتب عن الدولة السعودية الأولى.. تاريخ العلامة ابن بشر (عنوان المجد).

وكان عى المؤرخين المنصفين، أن يقتلعوا الأعشاب الضارة من حقلنا التاريخي، وألا يعيدوا نثر بذورها مرة ثانية.

والذي أعتقده جازماً، أن هذه السيوف كانت أقدم وجوداً لدى آل سعود، من ذلك العهد؛ لأن آل سعود زعماء يماميون حنفيون، وكانت السيوف اليمامية أكثر شهرة عند العرب من أي سيوف أخرى.. وكان للنبي صلى الله عليه وسلم سيف حنفي منسوب إلى بني حنيفة، وقد وصفت السيوف اليمامية بدقة الصياغة.

فحوض اليمامة وإقليمها الحضاري، هو قلب بلادنا، وموطن قبيلة بني حنيفة وواديها، وقد اشتهرت فيها قديماً بعض الحرف التي يحتاجها الإنسان، كصناعة العتاد الحربي، يصنع من الحديد المستخرج من أرضها.. أو المستورد من الهند وفارس، كما ذكر ذلك الأصفهاني، والحموي، وابن حوقل في كتابه (صورة الأرض).

وجاء في الأخبار فيما ذكره الطبري في (تاريخ الأمم) أن بني حنيفة قد استخدموا في حروبهم المتعددة السيوف الهنداونية والحنفية. وقال صاحب الأغاني الأصفهاني: إن السيوف الهنداونية منسوبة إلى الحديد، الذي يجلب من الهند، ويتقن صناعته حدادو اليمامة.

لذلك أؤكد أن من قال إن تلك السيوف كانت قد اكتسبت من الغنائم الحربية، لا يعرف شيئاً عن صناعة السيوف في بلدان آل سعود (اليمامة)، حتى وإن كانت تلك السيوف قد كسبت في حرب مشروعة.

وكان الملك عبدالعزيز يملك عدة سيوف، ويعنى بها عناية فائقة، وله خبرة واسعة في أجناسها وتاريخها، لاسيما السيوف القديمة منها التي اشتهرت في العائلة، وقد حرص على جمع ما تفرق منها فتم له ذلك!!

ومعظم تلك السيوف القديمة في العائلة السعودية المالكة هي من نوع (دابان) وكان الملك عبدالعزيز يمتلك أربعة سيوف مشهورة هي: (رقبان) وهو أحب السيوف إليه، والثاني السيف (صويلح)، والثالث (ثويني)، والرابع (ياقوت) من نوع القردة.

وقد أعطى الملك عبدالعزيز السيف (صويلح) والسيف (رقبان) لابنه الأمير محمد، وقد أعطى الأمير محمد بن عبدالعزيز السيف (صويلح) للأمير سعود بن جلوي. وبعد وفاة الأمير سعود بن جلوي، آلت ملكية هذا السيف إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-. وقد أهداه الملك فهد إلى متحف الملك عبدالعزيز.

كما أهدى الأمير محمد بن عبدالعزيز السيف (رقبان) إلى أخيه الملك فيصل بن عبدالعزيز، وبعد وفاة الملك فيصل، حصل الملك فهد على هذا السيف وضمه لمتحف الملك عبدالعزيز.

وبهذه المناسبة.. أتذكر أن خير من يطلعنا على تاريخ سيوف آل سعود القديمة وقيمتها الرمزية، هو أحد أبناء الأسرة الأمير الجليل الصالح (فهد بن محمد بن عبدالعزيز) الذي يعد مرجعاً حياً في التعريف بهذه السيوف وأنواعها وتاريخها.

وعلى الرغم من أننا نقلنا عن فيلبي، قول الملك عبدالعزيز: إن السيف الأجرب انتقل من عمه الإمام عبدالله بن فيصل، إلى آل خليفة في البحرين، إلا أن هناك روايات أخرى تقول: إن الأجرب وصل ليد محمد بن سعود بن فيصل بن تركي الملقب (غزالان)، عندما زار البحرين في عهد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، وكان محمد بن سعود يتقلد السيف الأجرب، فأعجب به الشيخ عيسى. فما كان من الأمير محمد بن سعود إلا أن قدمه للشيخ عيسى قائلاً: تفضل هذا السيف هدية مني لك. ولما كان الشيخ عيسى يعرف قيمة هذا السيف عند آل سعود، فقد رفض قبوله، فأقسم الأمير محمد بن سعود ألا يحمله بعد قائلاً: نحن آل سعود وأنتم آل خليفة أسرة واحدة فاضطر عيسى لقبول السيف.

وهناك قول ثالث.. وهو الذي ورد على لسان جلالة ملك البحرين: إنه وصل إلى أجداده عن طريق الإمام سعود بن فيصل -رحمه الله-.

وعلى أي من حقيقة تنسيب هذه الأقوال، فإنه في عام 1358هـ 1938م جدد الملك عبدالعزيز ما قاله أعمامه لعيسى، وذلك عندما زاره الشيخ (حمد بن خليفة) في المنطقة الشرقية، فأحس أن أعيناً من أبناء عبدالعزيز الصغار السن ترنو إلى ذلك السيف، فجعل الشيخ حمد يعتدل في جلسته؛ ليتخلى عن ذلك السيف لذلك الأمير. ففطن الملك عبدالعزيز لتلك الحركة فقال له: لا.. لا تفعل. فرد الشيخ حمد قائلاً: هذا السيف أمانة، وهو لكم. وكرر الملك عبدالعزيز قوله: هو لنا، وهو عندكم.. فنحن وإياكم أسرة واحدة.

وقد ظل الملك عبدالعزيز متقيداً بالوفاء للتقاليد العتيدة لمناسبات التكريم أو الاستحقاق، بإهداء السيوف والخناجر لكبار ضيوفه، من الملوك ورؤساء الدول حتى وافته المنية.. مع علمه بما تسير عليه الدول من إصدار أوسمة وميداليات في مناسبات التكريم؛ بل إنه هو نفسه مُنح العديد من الأوسمة الراقية من: بريطانيا وفرنسا والعراق ومصر.. كما مُنح الرتب الوزارية والباشوية من الدولة العثمانية.

والغريب في الأمر، أنه قد شعر بما تفرضه الضرورة من صدور مرسوم ملكي ينظم صدور الأوسمة والميداليات. وذلك أنه في عام 1358هـ 1938م أمر بصناعة نجمة فضية تحتوي على الشعار السعودي، تمنح للقوات السعودية في المناسبات الخاصة.

كما أمر بوضع نظام للأوسمة العسكرية، خلال الحرب العالمية الثانية، وأوسمة خاصة بالحرب في فلسطين وفقاً لما أفاد به بعض المهتمين بتاريخ تدوين الأوسمة والميداليات.

ومعروف أن هدايا الملك عبدالعزيز التي يقدمها لكبار ضيوفه، كانت في الغالب: سيوفاً فاخرة، مطعمة بالذهب، ومرصعة بالأحجار الكريمة. وخناجر مرصعة بالأحجار الكريمة. وسيوفاً تاريخية، غمدها مكسو بالذهب الخالص وخناجر ثمينة، مكسوة بالذهب، ومرصعة بالجواهر.. وربما بنادق ثمينة مكسوة بالذهب.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد