Al Jazirah NewsPaper Monday  26/04/2010 G Issue 13724
الأثنين 12 جمادى الأول 1431   العدد  13724
 
رحلة إلى عنيزة رفقة إذاعة القرآن
د. عبد الله الصالح العثيمين

 

مع بداية إجازة الأسبوع التي نعم بها الطلاب والأساتذة والطالبات والمعلمات شددت راحلتي الكورية الصنع الصغيرة، وانطلقت - صباح يوم الخميس - من الرياض.. قاعدة الوطن العزيز.. ....

.... متجهاً إلى عنيزة.. مرتع الطفولة وملعب أيام الصبا السعيدة. ومن حسن الحظ أن المسافرين عبر الطريق في ذلك الصباح كان عددهم قليلاً. وكان ذلك أمراً متوقعاً؛ إذ إن الكثيرين غادروا الرياض مساء يوم الأربعاء. ومن حسن الحظ، أيضاً، أن الجو كان غائماً مما زاد في المتعة والراحة.

انطلقت من الرياض متكلاً على من لا تضيع ودائعه. وكنت وحدي في السيارة، إذ إن أسرتي سبقتني إلى عنيزة مع ابني الدكتور صالح مساء يوم الأربعاء. وما إن تجاوزت الطرق والشوارع التي هي في نطاق مدينة الرياض، وخفّت حركة السيارات بحيث لم يبق منها سوى من كان أصحابها متجهين إلى بلدان أخرى، حتى فتحت المذياع على إذاعة القرآن الكريم. ولهذه الإذاعة في نفسي المكانة الأولى بين فروع إذاعة الوطن العزيز. ذلك أن الفائدة المكتسبة منها لا تضاهيها فائدة مكتسبة من الفروع الأخرى، لا بالنسبة لعامة الناس أمثالي من المواطنين، ولا بالنسبة لكثير من المسلمين خارج الوطن. والأثر الطيب، الذي لمسته أينما ذهبت شرقاً وغرباً، في أقطار أمتنا العربية لهذه الإذاعة المباركة. أكبر دليل - في نظري - على مكانتها الرفيعة المقدَّرة ودورها الإيجابي الذي تقوم به. زاد الله القائمين عليها توفيقاً وسداداً.

كان في مقدِّمة ما سمعته من رفيقة الدرب الناطقة بما يفيد من حق - بطبيعة الحال - تلاوة للقرآن الكريم من قراء كرام أفاضل. على إن مما رأيته بعيداً عن الصواب تعقيباً من أستاذ كريم على تلاوة آيات مباركة من القرآن الكريم. فقد راح يورد بإسهاب كل ما ورد من قراءات لتلك الآيات. وإني لأميل إلى أن إيراد تلك القراءات إن استحسن إيراده على متخصصين متمسِّكين كل التمسك بتخصصهم فإنه يحدث بلبلة عند كثير من المستمعين غيرهم من أمثالي بحيث قد يخطر ببال هؤلاء - وليسمِّهم من شاءوا بما يطيب لهم من تسمية - سؤال عما إذا كان القرآن كما هو مطبوع في المصاحف المطبوعة من جهات رسمية علمية، كمجمع الملك فهد، كافياً للاعتماد عليه. ومن درس شيئاً من تاريخ الإسلام لا بد أن يكون في ذاكرته ما قام به الخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بتأييد من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - بجمع الناس على نص مصحف واحد لئلا يحدث بينهم اضطراب وتفرق. ولذلك فإني آمل، وأرجو كل الرجاء، أن يتأمل أولو الشأن، وبخاصة علماء الشريعة الأفاضل في هذا الأمر تأملاً دقيقاً، ويقارنوا بين إيجابياته وسلبياته، فيقرروا ما فيه صلاح للأمة بمجموعها لا لفئة نادرة من المتخصصين.

ويلي ما استمعت إليه، وأفدت منه، من تلاوة القرآن الكريم استماع إلى ما ورد في الإذاعة المباركة من كلام عن حديث المصطفى، صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك الاستماع إلى البرنامج العظيم الذي يقدمه الشيخ أبو شهبة - تغمده الله برحمته - وهو قراءة في صحيح البخاري مع شرحها. وبرنامج، مثل هذا البرنامج، لا يفيد منه المختصون من أساتذة الشريعة وطلابها فحسب، بل يفيد منه كثير من المستمعين من المثقفين ثقافة عامة.

وإضافة إلى قراءة العالم الشيخ أبي شهبة في صحيح البخاري وشرحه ما أورده من أحاديث كان هناك برنامج جميل للشيخ عمر المقبل تحدث فيه عن وسائل التغلب على هموم الحياة ومشكلاتها. وحديثه كان شيقاً مفيداً كل الإفادة. ومما جمّله وحسّنه أنه استشهد بشيء من كلام الشيخ الجليل عبد الرحمن بن ناصر السعدي، الذي كان علماً بارزاً بين علماء الشريعة من النجديين. بل إن بعض آرائه السديدة توضح أنه رائداً فذاً منفتحاً على كثير من أمور الحياة المستجدة متبنياً منها ما لا يتعارض مع أسس الدين ويفيد المجتمع. ومن يقرأ ما ألّفه - تغمده الله برحمته ورضوانه - يجد أن ما قيل عن عظمة ريادته صحيح، وعناوين بعض مؤلفاته - بحد ذاتها - تدل على مضمونها الجميل. ومن هذه كتابه: الدلائل القرآنية في أن العلوم والأعمال النافعة العصرية داخلة في الدين الإسلامي، وكتابه: الدين الصحيح يحل جميع المشاكل، وكتابه: الوسائل المفيدة للحياة السعيدة. ولهذا الكتاب الأخير بالذات قصة جديرة بالإشارة، لأن عقلية الشيخ عبد الرحمن - رحمه الله - كانت فذّة في انفتاحها على ما هو جديد من نتاج علمي، قرأ كتاب دع القلق وابدأ الحياة للكاتب الأمريكي كاريخي، فأعجبه مضمونه وفكرته على العموم.

وأوحى له ذلك أن يعالج الموضوع الذي عالجه ذلك الكتاب في ضوء ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وألّف الكتاب الصغير في حجمه الكبير في مضمونه ومحتواه.

وكان حديث الشيخ المقبل المقتبس جزء منه من كتاب الشيخ عبد الرحمن جميلاً في لغته وإلقائه وطريقة عرضه. ومن الوسائل التي أوضح ذلك العالم الجليل أنها مفيدة في التغلّب على الشقاوة وجلب السعادة الإيمان والعمل الصالح. ومن هذه الوسائل الإكثار من ذكر الله، فبذكره تطمئن القلوب.

ومنها السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم، وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور؛ وذلك بنسيان ما مضى على الإنسان من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفة أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال. ومنها أن يسعى في تخفيف النكبات بأن يقدر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر، ويوطن نفسه على ذلك. ومن أجمل ما ذكره الشيخ عبد الرحمن - رحمه الله - من الوسائل المفيدة للحياة السعيدة أن يعلم العاقل أن حياته الصحيحة هي حياة السعادة والطمأنينة، وأنها قصيرة جداً، فلا ينبغي له أن يقصِّرها بالهم والاسترسال مع الأكدار، فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة، فيشح بحياته أن يذهب كثير منها نهباً للهموم والأكدار.

رحم الله ذلك الشيخ الجليل، وجزى الشيخ المقبل خير الجزاء، وسدّد خطى الجميع.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد