Al Jazirah NewsPaper Monday  26/04/2010 G Issue 13724
الأثنين 12 جمادى الأول 1431   العدد  13724
 
مناقشة القائلين بتناقضات المحافظين !
محمد بن عيسى الكنعان

 

استعرضت في مقالٍ سابق عبر هذه الصحيفة العريقة التناقضات الاجتماعية، التي يقول بواقعها بعض مثقفينا من كتّاب رأي وإعلاميين وأساتذة وروائيين وغيرهم، مستندين في تقريرهم على أربع

.. مسائل، الأولى تتعلّق ب(التماثل) بين مجتمعنا السعودي وبقية المجتمعات العربية والإسلامية في كل أنماط حياتنا اليومية بتفاصيلها المتعدّدة، لذا ف(الخصوصية) لم تمنع حدوث مشكلات وجرائم اجتماعية في مجتمعنا المحافظ!!، والمسألة الثانية هي (التبرير) بهذه الخصوصية من قِبل تيار اجتماعي معيّن لمواصلة وصايته على المجتمع، واستمرار فرض أفكاره وآرائه التي يراها، والثالثة هي (التشدُّد) بتكريس فكرة (المجتمع المحافظ)، التي تقود إلى رفض برامج التحديث التنموي، ما يؤدي إلى حدوث فجوات زمنية سلبية في المسيرة الشاملة للتنمية الوطنية، أما المسألة الرابعة والأخيرة فهي (التناقض) أي وجود تناقضات واضحة في هذا المجتمع المحافظ رغم خصوصيته.

ولأنّ المسائل الثلاث الأولى أنتجت حالات التناقضات التي تبرهن المسألة الرابعة، كقضية الاختلاط وقيادة المرأة للسيارة وعملها في المحال التجارية والسينما وغيرها، فإني هنا سأناقش وجهة نظر القائلين بتلك المسائل، التي تبدو المنطقية في ظاهرها ولكن عند الدخول في التفاصيل مع الاستشهاد بالواقع ربما تختلف الصورة بشكل كبير. خاصةً مسألة (التماثل) بين مجتمعنا السعودي وبقية المجتمعات العربية والإسلامية، وهي رؤية صحيحة فلدينا نفس القيم الاجتماعية والفضائل الأخلاقية المرتبطة بالمرجعية الدينية الواحدة، لكن هذا لا يمنع أن يمتاز كل مجتمع عن الآخر بصفة عامة أو فضيلة خاصة لها علاقة ب(العرف)، لا تلغي الأمور الإيجابية عن البقية، فالأسرة الواحدة قد يوجد فيها أكثر من فرد يتّسمون بصفات وقيم مشتركة لأنّ مرجعيتهم الأسرية واحدة، لكن التباين يكون في فرد دون الآخر، أما قضية أنّ خصوصية مجتمعنا لم تمنع حدوث المشكلات والجرائم فهذا صحيح، لكن الفارق في نسب هذه الجرائم على أرض الواقع، وأنّ الرادع لها يكمن في هذه الخصوصية إلى جانب القانون، فضلا ً عن أنّ القول بهذه الخصوصية يعزّزه موقف الأجانب القادمين أو المقيمين في المملكة الذين يلاحظونها مقارنة بمجتمعات عربية وإسلامية يمارسون فيها هامشاً أكبر من الحريات السلوكية، كما أنّ (الخصوصية) التي يحاول المحافظون اعتبارها قيمة فضلى هي (عامل وقائي) تمنع بإذن الله تلك الجرائم والمشكلات.

أما مسألة أنّ هذه (الخصوصية) يمتطيها تيار معيّن ل(تبرير) فرض أفكاره على بقية المجتمع، فهذه قد تبدو صحيحة لو كانت هذه الخصوصية معدومة أو مفتعلة، لكنها في الواقع ملموسة كما ذكرت في سطوري السابقة بشكل يلحظه حتى الأجانب غير المسلمين، كما أنّ الوضع يمكن أن يقال بجهةٍ أخرى إزاء التيار الرافض لفكرة الخصوصية، من أنه يريد أن يلغي أية حقيقة، أو أثر لوجود هذه الفكرة ل(تمرير) أفكاره غير المحافظة أو المتحرّرة.

وحول مسألة (التشدُّد) التي يقول بها بعض مثقفينا من كتّاب رأي وإعلاميين وأساتذة وغيرهم، المتمثل بتكريس فكرة (المجتمع المحافظ)، وأنّ هذا التشدُّد يعوق برامج التنمية، هو قول ينقضه الواقع بشواهد تنموية حية جعلت بلادنا من الدول الرائدة في كثير من الصناعات المهمة كالبتروكيماويات، فضلاً عن الإنجازات العالمية التي حققتها، والقفزات الحضارية التي خطتها بجامعات علمية ومدن اقتصادية ومعرفية ومراكز بحثية، مع مراعاة أنّ فكرة (المجتمع المحافظ) التي يتم تكريسها تتعلّق ب(رفض القيم التغريبية)، وليس ما يدخل في المشترك الإنساني من أوجه التنمية كالطب والتعليم والصناعة والنظم الإدارية وغير ذلك، وهنا الفارق الذي يتعامى عنه القوم.

تبقى مسألة التناقضات الاجتماعية كرفض الاختلاط بينما نختلط بالعاملات الأجنبيات، أو نرفض السينما بينما تنتشر محال الفيديو والفضائيات وما إلى ذلك، فهذا صحيح، لكنها ليست واقعاً عاماً، بل حالات واقعية ترتبط بحركة التطوُّر الاجتماعي، بمعنى قد تتلاشى أو قد تستمر، إلاّ أنّ المهم أنّ رفض (الاختلاط) مبدئي وأخطاء التطبيق من البعض لا يلغي سلامة المبدأ.



alhumoodmail@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد