Al Jazirah NewsPaper Wednesday  28/04/2010 G Issue 13726
الاربعاء 14 جمادى الأول 1431   العدد  13726
 

دفق قلم
شكراً أيّها الأعداء
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

شابٌ كثير القراءة، واسع الاطلاع، جاءني متأبِّطاً كتاباً جميل الإخراج، ذا عنوان مثير، يحمل اسم مؤلفٍ صديق عزيز، تربط بيني وبينه روابط ديننا العظيم التي تبقى وتدوم، وروابط مودّة خاصة، وإخاء راسخ، وعلاقة قلبية متميزة.. أما الكتاب فهو «شكراً أيها الأعداء»، وأما المؤلف فهو الشيخ د. سلمان بن فهد العودة، وأما الشاب فهو أحد طُلاب العلم، عشّاق الثقافة، متابع لمعظم ما تزدحم به ساحات النشر والتأليف من آلاف الكتب صغاراً وكباراً، وآلاف المقالات والتقارير التي تنشر هنا وهناك بصورة تثير الإعجاب، والاستغراب.

قال لي: هذا كتاب جديد للشيخ سلمان العودة، قرأته من الغلاف إلى الغلاف مرتين في أسبوع مع أنه يقع في ثلاثمائة وستين صفحة من القطع الكبير، ووجدت فيه من التجارب الثمينة، والعلم الوافر، والمواقف الممتازة ما سعدت به كلّ السعادة، كما وجدت فيه من حسن التسويغ لما حصل في مسيرة الشيخ سلمان الدعوية من التغيير مع استخدام الشواهد والأدلّة ما أشعرني أنني أمام كتاب مهم يستحق القراءة، ولكن.. وهنا ابتسمت للشاب وقلت: إنما الخشية من لكن، وأشباهها في مثل هذا المقام. فابتسم وقال: لولا لكنْ هذه لما سمعت في مجال الكتب والبحوث والدراسات الجامعية نقداً ولا توجيهاً، فلا بد من «لكنْ» حتى يستقر الميزان.

قلت له: صدقت فيما قلت، إلا إذا تحوّلت لكن إلى بوّابة للنقد الجارح، والعبارات القاسية، وتفريغ ما تحمله بعض النفوس من حقد، أو حسد أو بغضاء، فقال الشاب: لست فيما تخشى منه في قبيل ولا تدبير، قلت للشاب: اترك لي فرصة أن أقرأ بعض صفحات كتاب أبي معاذ، ثم أستمع إلى حديثك استماع من يعرف شيئاً عن موضوع الحديث، فقال: بل استمع إليّ ثم اقرأ ما شئت متى شئت، قلت له: على بركة الله.

قال: الكتاب تناول تجارب كاتبه مع من أطلق عليهم أعداء، وهي تجارب يغلب عليها الصبر والاحتساب، والصمت عن المجادلة والاحتراب، ومقابلة الإساءة بالإحسان، والإعراض عن سوء الكلام إعراضاً يسلم به الصدر، ويهدأ به الغبار، وكل هذا جميل في جميل، لولا أن الشيخ سمّى المعارضين له أعداء، ولو كان عنوان كتابه «شكراً أيها المخالفون» أو ما شابه ذلك لكان أليق بما تضمنه الكتاب من التسامح، وإشاعة روح العفو، وعدم الوقوع في أوحال الجدل العميق، والتعايش الذي أصبح يتكرر على لسان الشيخ كثيراً، وحظي بعدد من الصفحات في هذا الكتاب أصبح بها التعايش منهجاً محموداً مع القريب والبعيد، والعدو والصديق، والمؤمن والمنافق، والمسلم والكافر.

قلت للشاب: أما تشعر الآن أنك بدأت تبالغ في تصوير موقف الشيخ من هذه الموضوعات؟ والمبالغة -بارك الله فيك- مظنة الزلل ومدعاةُ الخللْ؟ فنظر إليّ بعين مبحلقة ذكّرتني بتصوير الأصمعي لنظرة ذلك الأعرابي الذي فاجأهم على الطعام وسابقهم في الأكل وسبقهم في الالتهام، حيث حاوره الأصمعي شعراً، وقال عنه «فنظر إليّ بعين مُبحلِقْة» ثم قال.

قال لي الشاب: أنا قرأت الكتاب يا دكتور مرتين، وأنت لم تقرأه فكيف تحكم علي بعدم الموضوعية؟ فابتسمت له قائلاً: أنت السبب في هذا، ألم أطلب منك ترك الحديث حول الكتاب حتى أقرأه، فيكون حديثنا عنه حديث المعرفة بما فيه، ويكون الحكم صائباً حينئذٍ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.

قال الشاب عن الكتاب أشياء كثيرة، فهو معجب به، ولكنه يرى أن الشيخ سلمان قد أكد في كتابه هذا مدى التغيير الكبير الذي حصل في أسلوب طرحه ودعوته وعلمه، وقال: ليت الشيخ سلمان يتوقف عن الكتابة فترة من الزمن يخصّصها لقراءة ما كتب سابقاً، والاستماع إلى محاضراته القديمة التي لم نكن نجد فيها كلمة التعايش مكاناً، وهنا سيعذرنا نحن الشباب فيما نبثّه من اللوم والعتاب.

وأقول أنا: قرأت جزءاً كبيراً من كتاب الشيخ -بعد هذا الحوار مع الشاب- فوجدته كتاباً بديعاً جديراً بالقراءة، جَمَّ الفائدة، ويبقى لهذا الشاب وأمثاله حق على الشيخ وعلينا جميعاً أن نوضح لهم أن الاختلاف في الأسلوب والطرح بين وقت وآخر مع بقاء الثوابت راسية كالجبال الراسخات، من الأمور المقبولة في حياة العالم والمفكر والأديب، والعبرة بالحق، فالحق أولى أن يُتّبع.

إشارة:

هذي هي الأمراض قد فتكتْ بنا

في عصرنا، ودواؤها الإسلامُ


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد