Al Jazirah NewsPaper Wednesday  28/04/2010 G Issue 13726
الاربعاء 14 جمادى الأول 1431   العدد  13726
 
الضوابط والقيود في وجه الفوضى واللا حدود
ماجد بن بنش

 

يشهد العالم خصوصاً الجزء الغربي من الكرة الأرضية تسارعاً رهيباً في نمط الحياة، وتزايداً مذهلاً في الاكتشافات الجديدة، وتقدماً تقنياً غير محدود في وسائل الاتصالات والمواصلات، وعثوراً على بوابات علمية جديدة تنذر بفتوحات هائلة وغير مسبوقة في شتّى المجالات، فمن النانو إلى أبحاث الجينات والجينوم البشري ومصادر الطاقة المتجددة والبانغ والبيوتكنولوجيا.

صحيح أن إيقاع هذه الخطوات يأتي بصورة أقل في أجزاء كثيرة من العالم، لكن صوتها القوي مسموع بوضوح في معظم بقاع المعمورة، وصحيح أن خيرات هذا التقدم عمّت البشرية وأن منافعها لا حصر لها فقد سهلت الحياة ويسرت التواصل بين الشعوب ونشطت الاقتصاد وحاربت الجهل وعالجت الكثير من الأمراض إلا أن وجهها الآخر السلبي حاضر وبقوة.

والغرب مع كل هذا التقدم قد بدأ يلمس الآثار السلبية الخطيرة لهذه الظواهر خصوصاً أنها تحدث في ثقافة تعظّم التحرر من القيود وتمجّد القفز على كل الحدود، وتنادي بحرية البحث غير المقيدة بقيود وعصر العلم غير المنضبط بضوابط الذي يتقدم في كل اتجاه طالما كان هناك مجالٌ للتقدم بغض النظر عن الأخلاقيات والتأثيرات المحتملة على البيئة والكائنات الحية.

هذه النار المادية البحتة المتمثلة في انفصال العلم عن الأخلاق، وانفلات البحوث من سائر القيود قد أخذ شررها في التطاير، فاقتصاد السوق الذي لا يحكمه أحدٌ وتترك فيه الأمور لقوى العرض والطلب انتكس وانقلب رأساً على عقب، والرأسمالية المنطلقة كقطار بدون عجلات وصلت إلى نقطة اللا عودة وأدت نظرياتها ومبادئها إلى انهيار مالي كبير في الأسواق العالمية وأصبح دعاتها ومنظروها يتبرؤون منها وينادون بضبطها وإصلاحها، والبحث العلمي الذي لا سقف له وصل في بعض أفكاره وتطبيقاته التي لا يحكمها شيء سوى الرغبات المهووسة بتعظيم المكاسب المادية، أو تحقيق الشهرة أو البحث عن القوة والسيطرة، أو العبث المرضي بمخلوقات الله سبحانه وتعالى وبتنظيمه الدقيق للحياة على هذا الكوكب، وصل إلى التدخل في التنوع البيئي والإحيائي بدعوى الترميم البيئي، والتعديل الجيني للنبات، والاستنساخ الحيواني والإنساني والعبث بالجينات البشرية وأبحاث ما يسمى بالتطوير البشري لإنتاج بشر يتمتعون بكفاءات جسدية وفكرية مطورة، والإنسان الآلة، ناهيك عن الأبحاث العسكرية لإنتاج فيروسات قاتلة وأسلحة دمار تستهدف عرقاً معيناً والتقدم الطبي الذي استغلته شركات الأدوية في عدة انتهاكات للأخلاق والأعراف ليس آخرها إنتاج ونشر فيروسات وأمراض معينة لغرض بيع الأدوية الخاصة بها.

إضافة إلى الأخطار المحدقة بالجنس البشري والتنوع الإحيائي والبيئة فإن التقدم المادي المحموم بمساندة العلوم والأبحاث أسهم في شيوع عدة أمراض اجتماعية لا تقل في خطرها وضررها عن المهددات الأخرى للبشر مثل انتشار ثقافة الفردانية البحتة والأنانية المطلقة والاستغلال المقيت والتعظيم الجامح للذات والتنافسية المحمومة مع الجميع مما ولّد عزلة ذاتية قاتلة وشعور عدائي تجاه الغير وأدى إلى اختفاء المشاعر من الأنفس البشرية وانهيار العلاقة بين الجسد والروح، كما تفاقمت الفجوة بين الأجيال، وضعف التركيز وكثرة الأمراض.

العلم والبحث سبيل التقدم والرخاء وطريق التطور والنماء حثت عليه الشرائع والأديان وأمر به الكريم المنان، ولكن منافعه قد تنقلب أضراراً ومحاسنه مساوئ إذا انفصلت عن الأخلاق وارتبطت بالهوس المادي، وإذا خلعت عباءة الأديان ولبست ثياب نزوات الإنسان، وإذا انفلتت من عقال المنطق والعقل والحكمة وركبت مطية السعي وراء الأموال والقوة والشهرة، إنها سلاح ذو حدين فنفس الكمية من الحديد والمعادن قد تنتج سلاحاً يسهم في قتل إنسان كما قد تصنع مبضعاً أو مشرطاً يسهم في إنقاذ حياة إنسان، وذات المعمل يمكن أن يخرج منه فيروساً يقتل الملايين، كما يمكن أن ينتج عنه عقاراً يسهم في علاج الملايين.

أكاديمي وباحث في الإدارة والتنمية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد