Al Jazirah NewsPaper Wednesday  28/04/2010 G Issue 13726
الاربعاء 14 جمادى الأول 1431   العدد  13726
 

الاعتذار
نورا العلي

 

«كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوّابين»

في حياتنا اليومية مواقف.. وأحداث.. وإشكاليات تدفع بنا في معظم الأحيان للوقوع في خطأ بحق الآخرين... بعضنا يشعر بأنه أخطأ في لحظتها.. يحس بغصة.. البعض الآخر... يصر على صواب ماقام به وينافح عنه وينزع صفة الخطأ عما قام به... الناس أجناس كما قيل. لكننا تبقى في أنفسنا ملامح إنسانية تتجلى بشيء من الندم... عتب على النفس.. وتحسس مما أقدمنا عليه.. لكن هناك سؤال يبحث عن إجابة.. هو... عندما تُخطئ، هل تبادر بالاعتذار؟

هل يعتريك شعور بالذنب تجاه من أسأت إليه؟

إن كنت كذلك فاعلم بأنك إنسان...

الحمد لله أن جعل بعد الذنب توبة، وبعد التوبة صفح ومغفرة، وبعد المغفرة راحة وطمأنينة، نعتصم بها من شؤم الذنب وكذلك الخطأ نحمد الله أن ثمة مخرج، يجبر كسر الخاطر، وجرح المشاعر، ذلك هو الاعتذار الذي نلجأ إليه في حال وقوعنا في خطأ يمس أحد إخواننا من بني البشر. الاعتذار يجعلنا نشعر بإنسانيتنا، فلا نخوض ونخطئ، ثم نسلوا سلو البهائم، بل ثمة ضمير يحاسبنا، وأحاسيس تعترينا، وعند الخطأ تحيك في صدورنا، تكدر صفو أوقات خلوتنا مع أنفسنا، لشعورنا بالتقصير والخطأ في شأن من نتعامل معهم، أيا كانت صلتهم بنا.

الاعتذار ينم عن إحساس بالمسؤولية، حيث أن الإنسان يتحمل تبعات تصرفاته، ومن الطبيعي أن يحصل خطأ أو لبس أو سوء فهم، جراء احتكاك الناس بعضهم ببعض في العمل والشارع والمنزل أيضا.

ما أجمل قول الشاعر:

وكن بلبلا تحلو الحياة بشدوه

ولا تك مثل البوم ينعق بالردى

الإنسان السوي الحصيف هو من يحاول ترك أثر جميل في كل مكان يتواجد فيه، ولا يجد في نفسه غضاضة أن يعتذر عن خطأ، بل وأكثر من ذلك، وجدت في الناس نموذجا حيا رائعا للصفاء والسعة، وجدت من يسعد لسعادة الآخرين ويشقى لشقائهم، بل ويعتذر عن خطأ غيره ويبادر بتطيّب وتطبيب النفوس المجروحة، أولئك أشبه بالزهور التي ينتشر عبيرها ليشمل كل من حولها، تذكرني هذه الفئة النادرة من الناس بقول الشاعر إيليا أبو ماضي (أي الجزاء الغيث يبغي إن هما) هذه الفئة الراقية المتسامحة، مزاياها تلك تفضح رزايا الآخرين، وتكشف عن تشوهاتهم النفسية، فما أقسى بعض النفوس البشرية، فقد يصل بالبعض الأمر أن يحرم نفسه من قلب يوده، ويتمنى قربه، وينبض صباح مساء بحبه.

يا لجبروتها، حينما تغامر بإزهاق صداقة أو علاقة قائمة كقيام الساق على القدم من أجل أن لا تتنازل للحظات لتقديم اعتذار يسوّر ويحيط هذه العلاقة بالحب والمسؤولية، لظنها أن فيه منقصة لكبريائها الخادع. ولأنها تجد في نفسها حرجا وشعورا بالضيق وذلك هو الضلال بعينه، قال تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ).

معنى أن تعتذر عن خطأ اقترفته، أنك إنسان متصالح مع نفسك، سليم القلب، نقي السريرة، ولا تركن للاستخفاف بمشاعر الآخرين، ولا بد أن تريح نفسك من هم الضغينة التي تفسد عليك أوقاتك، ولن يتسنى لك ذلك إلا بالاعتذار لمن أسأت إليه، ولو كانت الإساءة حتى بالنظرة.

صدق من قال:

لما عفوت ولم أحقد على أحد

أرحت نفسي من هم العداوات

ليس ثمة متسع في الحياة لضغائن، تضيّق علينا أوقاتنا، وتحجم بالخير تفكيرنا.

عندما يلامس الاعتذار الشفاه، يلمع بريق الحب في العينين، فتتهيأ لنظرات أخّاذة، مكسوّة بالإنسانية، ممزوجة بالفضيلة والصفاء وطلب التجاوز، وتجديد دماء الحياة بصفاء ونقاء.

من أجمل ما قيل في شعر الاعتذار قول النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر.

أتاني أبيت اللعن أنك لمتني

وتلك التي أهتم منها وأنصب

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

وليس وراء الله للمرء مذهب

لئن كنت قد بلغت عني خيانة

لمبلغك الواشي أغش وأكذب

ويقول في قصيدة أخرى:

مهلا فداء لك الأقوام كلهم

وما أثمر من مال ومن ولد

فلا لعمر الذي مسحت كعبته

وما هريق على الأنصاب من جسد

ما أن بدأت بشيء أنت تكرهه

إذا فلا رفعت سوطي إلي يدي

هذا لأبرأ من قول قذفت به

طارت نوافذه حرّى على كبدي

القريات


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد