Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/04/2010 G Issue 13727
الخميس 15 جمادى الأول 1431   العدد  13727
 
قراءة في التجربة الحوثية
إيران بين تصدير الثورة والشرق الأوسط الكبير !
فهد العجلان

 

ساد اعتقاد بين كثير من الباحثين في الشأن الإيراني أن إيران المذهبية تنازلت عن حلم تصدير الثورة وأن المدرسة الخمينية التقليدية التي يمثل المحافظون جانبها الأحمر والتي

راهنت على ثورات الشعوب آمنت بعد لأي بأن إيران ليست كل الأرض وأن تجربة بني فارس لا يمكن لها أن تتكرر خارج الحدود... والحقيقة أن الثورة التي خبا صوتها الهادر الذي ملأ الدنيا في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات لم تغير جلدها بقدر ما غيرت اللون ليصبح أكثر انسجاما مع تشابكات المصالح في المنطقة وصداماتها. لم يجد الإيرانيون صعوبة في تغيير رؤيتهم التي تقوم على استعجال الثورة ودعمها إلى النفاذ من ثغرات الاقتصاد وتحقيق الثورات الداخلية بين مسامها، فالجمهورية الإسلامية التي تقوم على أساس ديني أو تتدثر بعباءته لا تشعر بمحاصرة الزمن لها، فروايات نهاية الزمان والإرث التاريخي الحتمي الذي يبشر بنهاية سعيدة للفكرة الشيعية يمنح مجالاً أرحب للصبر على إخفاقاتها المرحلية...

ولذا فإن الثورة التي فشلت من بوابة السياسة نفذت من ثقوب الاقتصاد وضعف البرامج التنموية في العالم العربي والإسلامي وتغلغلت داخل ذلك الجسد من خلال زعامات نفعية وطبقة من المستفيدين المجيدين على العزف الجراحي اللطمي... الحوثيون الذين ملأوا السمع والبصر مؤخرا لم يكونوا أكثر من نبت نما ونضج وطرح ثماره العلقمية على حين غفلة وغياب من الرؤية الإستراتيجية العربية... صحوة متأخرة أن نسأل اليوم كم جرح حوثي غرسته الحربة الإيرانية؟ ليس فقط في الجسد العربي بل والإسلامي مع جيوب من المناصرين بالكلمة أو الفعل أو القلب في أصقاع الدنيا...

جراح لم تنكأ بعد لتكشف عن شخصيات كثيرة تشابه بدر الدين الحوثي وحسين وعبد الملك لكنها بأسماء مختلفة وفي مناطق جغرافية متعددة...

مواجهة الإستراتيجية الإيرانية في النفوذ والتأثير لا يمكن مواجهتها بالسلاح بل من خلال مراجعة البرامج التنموية الشمولية التي تقضي على الجيوب المختفية عن مسارح الاهتمام والتي تبذر إيران فيها الشرور وتنثر على جراحها الملح حين تحين الفرص...

القتال الضاري الذي يستهدف أجساد المتسللين بأجسادهم إلى حدودنا الجنوبية ينبغي أن لا يقف عن حدود التصدي المادي فثمة خطط وبرامج تسللية حاضرة بقوة في كثير من الدول العربية تستهدف ملء الفراغات المهملة! والجامعة العربية التي حكم عليها بالموت ولم تأتها رصاصة الرحمة بعد قد جاءها بلسم البعث اليوم فالفرصة سانحة ليحمي العرب حوزتهم من هذا التغلغل الفارسي ببرامج تنموية شمولية وواضحة وفعالة تتجاوز الخلاف السياسي المتأصل.

التغلغل الاقتصادي الإيراني ومحاولة خلق كيانات ذات إمداد مالي لوجستي لم يعد أمرا خافيا فالدول التي تفتقد إلى برامج وقوانين مكتملة تصبح مناخا خصبا لزرع ولاءات وواجهات يمكن أن تخلق مجتمعا نائما وليس فقط مجرد خلايا نائمة، ما حدث في الإمارات من ترحيل مستثمرين لبنانيين لهم ارتباطات بحزب الله وما صاحب ذلك من جدل وما أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية حول المجموعة التي تملك ناطحة سحاب في أمريكا أكبر دليل على ملاءة مالية استخبارية، من المؤسف حقا في ظل هذا العمل والإعداد الإيراني لاختراق المجتمعات العربية أن يتحدث بالمقابل أمين الجامعة العربية عمرو موسى يائساً أن لا حاجة لقمة عربية ثانية ما دامت لم تفعل قرارات القمة الأولى في الكويت في إشارة واضحة إلى فشل القمة وتبدد أحلامها!

لقد خدم إيران كثيرا تضخيم القاعدة وخطر الإسلام السني المتشدد داخل الدوائر الغربية وتقديم نفسها كنموذج قوي قابل للتحاور والالتزام بقواعد الصراع ونجحت في الاقتراب أكثر من الاتحاد الأوروبي الذي يسعى لاعتراف أمريكي بدور ما له في قضايا المنطقة وحلولها المستقبلية.

أما القاعدة فاستنادا إلى دور هذه الشرذمة والتي نبتت نتيجة ظروف تاريخية وساهمت في دعم هذه الفئة والحرب عليها في ذات الوقت بل وتعميق الهوة بين الدول العربية المعتدلة والمجتمع الدولي واستغلال بيئة التطرف التي يعززها الإسرائيليون والمحافظون والمتحالفون الصغار معهم ولو إعلاميا لتحقيق حلم الشرق الأوسط الكبير وإشغال الدول الإقليمية الكبرى بصراعات داخلية مثل باكستان وقد يكون الاعتقاد بنهاية حلم الشرق الأوسط الكبير كما يعتقد البعض ليس بأفضل حال بالاعتقاد بنهاية منطق تصدير الثورة الإيراني، فاليوم هو مراهنة على المستقبل ولذا فإن إيران ستظل في مأمن من أي هجوم ما دامت ستستمر في سياسات وأطماع قد تعجل بتحقق مشروع حلم الشرق الأوسط الكبير.. فالرهان الغير معلن الآن يبدو بأنه رهان على أن تحقق العمامة الفارسية ما فشلت فيه قبعة الكابوي...

ظلال العداء المعلن للغرب أحد أهم وسائل الجذب والاستقطاب الإيراني لقلوب المسلمين في أنحاء العالم، لكن دوائر صناعة القرار السياسي الغربي تدرك بشكل لا يقبل الشك أن إيران تلعب دورا وواقعاً سياسياً برجماتياً أكثر منه أيديولوجياً والتصريحات التي تفلت من أروقة الداخل الفارسي بين الحين والآخر تجاه إسرائيل وأمريكا والغرب والتسامح تجاهها ليست سوى دلائل على ذلك الواقع المستور فاللعب الإيراني على الواقع الفلسطيني هو لعب بمعايير المصالح الإيرانية لا العربية والإسلامية ولا الفلسطينية.

صراع الولايات المتحدة وإيران ومراهنة الأمريكيين على جيوب شيعية ترسم ملامح الشرق الأوسط الكبير يتقاطع بوضوح مع الوهم الإيراني بتمدد النفوذ عبر تحالف سري غير معلن.

إيران نفسها تدرك هذا الواقع وتعرف الدور الذي يراد منها ولذا فإنها تمارسه بكل احترافية ودهاء، ولكنها في الوقت نفسه تستعد لمرحلة قادمة قد تبتعد فيها الخطوط المتقاطعة في الأهداف والمصالح ولذا فإن إيران تحاول الالتفاف وتعزيز الاقتراب من القوى الصاعدة وتلك التي تبحث عن أدوار جديدة لحماية نفسها من الأعداء، لكن الإيرانيين ورغم تحقيق تقدم جيد في العلاقات مع هذه الدول إلا أن إيران تملك في قراراتها القناعة بأن أمنها ينبع من قوتها الإقليمية وتغلغلها داخل خريطة المنطقة التي تضم مركز الطاقة الإستراتيجي والحقيقة أن إيران مارست ببراعة تطبيق إستراتيجيات المساومة والتصلب مع أعدائها والمحايدين والعمل على رفع كلفة المواجهة مع العدو «الشيطان الأكبر» والتي ذكرها الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني حسن روحاني في تحليله لإستراتيجية إيران في مواجهة التهديدات الأمريكية ولذا فإن الأزمة الحوثية جزء من مخطط ضخم جدا لم تظهر بعد أكثر ملامحه قبحاً.

الذكاء الإيراني في نسج هذه الخطط تجاهل أن ما نادى به النواب الإصلاحيون فيما اعتبروه درس الكارثة العراقية وهو تخلي الشعب عن الحاكم والمساهمة في إسقاطه وهو ما تعيشه إيران التي تقوي نفسها في الخارج وتتهالك في علاقاتها مع شعبها في الداخل!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد