Al Jazirah NewsPaper Friday  30/04/2010 G Issue 13728
الجمعة 16 جمادى الأول 1431   العدد  13728
 
أمة اقرأ ، هل تقرأ ؟
خالد الخضري

 

جدال كبير حدث بين الفلاسفة حول النسبي والمطلق، وعلاقة ذلك بكثير في حياة الإنسان اليومية، وهل ما يمكن أن يكون مطلقاً بحتاً لدى فئة أو فئات من البشر يمكن أن يكون نسبياً لدى آخرين، ومن ذلك الحقيقة ذاتها، وربما الأخلاق التي تناولها البعض على أنها ميتافيزيقية،

لكونها خارجة عن مدركات الحواس الخمسة، حتى وإن لم تكن من الغيبيات التي كثيراً ما يحسن للفلاسفة الذين يتناولون الميتافيزيقا عبرها، الأخلاق عموماً لا يمكن أن تعرف بتعريف واحد، ولا يمكن أن نلمس أو نحس بمكوناتها في أطر محددة، لذا نجد واحداً من كبار الجدليين المعاصرين من الفلاسفة العرب أمثال المفكر الكبير زكي نجيب محمود اعتبر الأخلاق مما يمكن أن ندرجه ضمن المسائل الميتافيزيقية، وهو واحد من أهم من ناقشوا هذه الجوانب بإسهاب عبر كتبه الشهيرة التي كان أبرزها « خرافة الميتافيزيقا، وموقف من الميتافيزيقا « وغيرها.

ونحن في حديثنا عندما نتناول قضية مهمة عوداً على بدء وهي قضية الحقيقة، نجد أنه من المنطق أن نؤكد ما ذهب إليه كثير من الفلاسفة التي اعتبرت مسألة نسبية، فما يمكن أن يكون حقيقة لدى البعض يمكن أن لا يكون كذلك لدى آخرين، والمتأمل لتاريخ الشعوب، والاختلافات الأيديولوجية التي تعيشها عبر التاريخ يكتشف أن هذه المسألة واقعة، وواضحة وضوح الشمس، فالحقيقة في الأساس ترتبط في كثير من الأوقات بمصالح الأفراد أو الجماعات، فعندما تكون تلك القضية ترتبط بمصالحهم تتحول إلى حقيقية مطلقة ينافحون عنها، ويبذلون كل ما في وسعهم من أجل الدفاع عنها، بينما تجد أن نفس القضية أو الفلسفة أو حتى المبادئ التي يؤمنون بها ستتحول فجأة إلى عكس ذلك، وتصبح مناهضة للحقيقة التي كانت مسلمة بالنسبة لهم، المسألة أذن مرتبطة بالمبادئ والقناعات الشخصية وطريقة التفكير لدى تلك الفئة، من أفراد أو جماعات.

والأخلاق ذاتها على علاقة بهذا الأمر، فهي التي تدعو إلى أهمية احترام الآخر، وأهمية احترام تفكيره، والإيمان بالحوار معه، لهذا كان من الأهمية بمكان أن نربط بين الحقيقة التي يراها البعض أنها مطلقة في كل الأوقات بينما هي كواقع ملموس نسبية وبين من يرفضون الرأي الآخر، أولئك الذين يتشدقون دوماً بمعرفتهم للحقيقة وأنهم وحدهم من يملكونها، وفي رأيي أن مثل هؤلاء الأشخاص، أو حتى الجماعات يمتلكون قدراً من التزمت والانغلاق الذي أدى بهم إلى عدم القدرة على استيعاب الآخر، وقبوله، وقبول الرأي الآخر، وهذا التزمت أو الانغلاق يعود من وجهة نظري إلى عدم إيمانهم بأن الحقيقة نسبية، وأنها ترتبط كما ذكرنا بظروف نشأة من يؤمنون بها، وطريقة تفكيرهم، ومصلحتهم من وراء ذلك الطرح، وهذا ما دعا عالماً جليلاً من علماء الإسلام وهو الإمام الشافعي يقول « رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب « هذه المقولة الشائعة من الأمثلة الجلية على الإيمان بالرأي الآخر، وبالأقوال المتعددة حول المسألة الواحدة، وبالقراءات المختلفة للنص الواحد، والتي كانت هي السبب الرئيس للخلافات والانشقاقات التي حصلت بين أتباع كثير من الأديان وعلى رأسها الأديان الإبراهيمية، التي يجمع بينها خط واحد، وهو خط الوحدانية في العبادة، ثم الإسلام كدعوة صادقة للسلام، نحن بحاجة لأن نقرأ المزيد عن تاريخنا، وفي تراثنا حتى نتعرف على الكثير من الحقائق التي تعتبر غائبة عنا، ما دام بعض منا يناقش دون أن يقرأ، يجادل دون أن يكون لديه الإدراك الكافي للقضية التي تم الاختلاف حولها، أمة اقرأ هل تقرأ؟!



Kald_2345@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد