Al Jazirah NewsPaper Friday  30/04/2010 G Issue 13728
الجمعة 16 جمادى الأول 1431   العدد  13728
 

الفيصلي يتبوأ مكانه الطبيعي

 

في البدء لا يعدو ما أرمي إليه في هذه المقالة أن يكون بخواطر متواضعة أعبر بها عما يخالجني من فرح وحبور... وما يجيش في نفسي من ذكريات وأمل ورجاء... وما يعمر قلبي من المحبة والولاء لمسقط الرأس ووكر الصبا (حرمة الشماء)، لكنني أعترف بأنني لا أعرف من أين أبدأ؛ فالخواطر تنهمر عليَّ من كل جانب والقلم قاصر عنها لا يطولها كلها؛ فما إن يمسك بواحدة منها حتى تلح عليه شقيقاتها فإذا بالأولى قد أفلتت، وهكذا دواليك..إن ربوع بلدتي حرمة الوفية.. الدافئة كخيوط الشمس والوادعة كالأطفال والقوية كجذوع النخيل تقف اليوم وعلى شفاه أهلها بسمة وفي عيونهم فرحة.. ربى حرمة اليوم منزرعة بالحب والعطاء... مفروشة دروبها بالنور والأمل.. فرحتها جذلى وهي ترى عمل أبنائها الدؤوب وعطاءاتهم الدائمة قد أثمرت بصعود النادي الفيصلي للمرة الثانية إلى مصاف دوري زين للمحترفين.. فغردي يا حرمة المجد بالأناشيد العذاب.. وغني للفجر الطالع أغنية حب وفرح.. فرحة بفارس الرياضية السعودية المنتظر (النادي الفيصلي بحرمة).

إن الوقائع الماثلة على الأرض تجعلني أقول بكل ثقة إنه ليس بمستغرب أن يتبوأ هذا النادي العملاق مكانه الطبيعي بين أندية دوري زين للمحترفين لكن وجه الغرابة أن يبقى الفيصلي في أندية الظل؛ لأنه ينطلق في مساراته من خبرات رياضية متراكمة ومتجددة تولدت من خلال تاريخه الطويل المتفرد.. والذي يفوق غالبية الأندية الكبار في بلادنا.. والمحلل لشخصية العقل الجمعي لشباب حرمة (منذ تاريخه حتى اليوم) يدرك سر نجاحه وتحقيق أهدافه؛ لأنهم ينفردون بمواصفات قل نظيرها وصفات يصعب على غيرهم تحقيقها؛ فهم أولاً: يملكون مهارات العمل بروح الفريق الواحد الذي حول النادي إلى كل لا يتجزأ، وإن تجزأ بخصوصية مجالاته المختلفة؛ فسرعان ما يتفاعل، ويتحد حتى يعود إلى كليته، وهم ثانياً: يتحلون دائماً بالصبر والإخلاص وتحمل المسؤولية لأن اكتساب رضا الآخرين مطلب صعب ممهور بكل غال ونفيس من البذل والعطاء والتسامح.. وطدوا أنفسهم على الكفاح المستميت والعمل المستديم مستلهمين مضامين عقيدتنا الإسلامية السمحة في صياغة تربية رياضية راقية آتت أكلها أضعافاً مضاعفة، وهم ثالثاً: يؤمنون برسالة النادي التربوية والاجتماعية والثقافية ويعملون على تحقيق الأهداف المخططة.. شعارهم الذي يجسدونه منذ القدم (النادي شركة تربوية واجتماعية بين الإدارة والأهالي رأس مالها الشباب).إن خلف هذا النجاح - أيضاً - منظومة إدارية متسقة وجهد فريق عمل متآلف الإيقاع واضح الأهداف تدفعه حالة انتماء حقيقية لعمله وبلدته، ناهيك عن التخطيط الاستراتيجي السليم وحسن الاستثمار للظروف والموارد القليلة والتكاتف والتعاضد بين أهالي حرمة بمختلف شرائحهم العمرية، إضافة إلى قيادة إدارية فذة قائمة على الشورى والحوار والمشاركة في الرأي والعمل بروح الفريق.. كان ذلك كله الخطوة الأولى على طريق عمل طويل ومتواصل استمتع فيه أبناء حرمة أخيراً برؤية ثمار نتاج عملهم... فلله در إدارة هذا نهجها، وقيادة هذا مسلكها، وتوجه هذا مساره.

وإذا رأيت جماعة منقادة

فقل القيادة هكذا في الأندية

فشكراً لكل من ساهم في هذا الإنجاز الكبير.. شكراً لأعضاء الشرف الذين بذلوا المال والجهد والوقت، وأخص رئيس مجلس أعضاء الشرف الشيخ حمد بن محمد الدريس، وأبناء المربي الفاضل وأستاذي الجليل في مدرسة الحلل بالرياض (القادسية حالياً) المرحوم عبدالرحمن بن ناصر العقيل.. شكراً للاعبي النادي الذين عزفوا أعذب سيمفونية كروية على المستطيل الأخضر رقصت على أنغامها الجماهير.. شكراً لأهالي حرمة الكرام الذين ساندوا النادي بالمال والتشجيع.

وفي ظل نشوة الفرح نتذكر رجالاً أفذاذاً أعطوا الكثير وقدموا الغالي والنفيس من أجل رقي هذا النادي على مدى تاريخه، وأقترح على القائمين على النادي تسمية الملاعب والصالات في النادي بأسمائهم، ومن هؤلاء (على سبيل المثال) لا الحصر:

* المرحوم راشد بن محمد الفهد وابناه إبراهيم وناصر الذين حولوا منزلهم في حي البطيحاء بالرياض في فترة التسعينيات الهجرية إلى مقر للنادي يرتاده اللاعبون في كل وقت وحين، وأتذكر أثناء كنت لاعباً في النادي أن جاءتني عروض مغرية من أندية النصر والهلال والشباب؛ فحال بيني وبينها الجد راشد، وأقسم ألا أبرح من النادي ما دمت قادراً على العطاء (إنه مثال حي للتعلق بالأرض والحب الكبير لبلدته حرمة الذي تجذر في دواخله).

* الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن الماضي، والذي كان مثالاً للعطاء والسخاء؛ فكان من مخرجات عمله وجهده بناء مقر النادي النموذجي بحرمة بأمواله الخاصة وبمشاركة بعض الميسورين من أهالي حرمة.* الشيخ إبراهيم بن ناصر المدلج (أستاذ جيل حرمة الذهبي وعضو فريق العمل المؤسس لنادي شباب حرمة) كان بحراً من العلم بل كان العلم حشو ثيابه والأدب ملء إهابه، هو شخص الأدب ماثلاً ولسان العلم قائلاً، شجرةٌ فضل عودها أدب، وأغصانها علم، وثمرتها عقل.. أتذكر أنه كان أثناء تدريسه لنا في المدرسة السعودية في حرمة يطبق أساليب وطرائق تربوية غريبة علينا كنا نعدها من باب اللعب واللهو، لكن عرفنا أخيراً أنها نظريات تربوية حديثة لم يستمدها منهم، لكنها كانت من عندياته وإبداعاته؛ فجاءت من باب توارد الخواطر.

* الأستاذ محمد الخريف الناشي (شفاه الله)، والذي يحتاج الحديث عنه إلى سفر ضخم لا إلى إشارة في مقالة مقتضبة.. بذل ذوب عقله وجهده ووقته بل رحيق عمره على مدى سنين طويلة من أجل خدمة النادي ورعايته.

* الأستاذ محمد بن عبدالله الضاوي: خدم النادي منذ أن كان يافعاً حتى اليوم (مشجعاً وإدارياً ورئيساً وعضو شرف داعماً)، وفي مرحلة تسنمه الرئاسة قاد النادي للصعود لأول مرة في تاريخه إلى مصاف أندية الدرجة الأولى.

* المرحوم عبدالمحسن بن حمد العميم: ذلك الشاب الديناميكي الذي تميز بقدرته الفائقة على تجاوز الصعاب وكسر طوق المستحيل ضحى بوقته وماله وجهده من أجل رقي النادي الذي استمر سكرتيراً له فترة زمنية طويلة.. وفاه الأجل في ربيع عمره إثر حادث أليم وهو مدان من أجل النادي بمبالغ طائلة.

ختاماً.. أتذكر في هذا المقام أبياتاً شعرية جادت بها قريحة الشاعر المربي إبراهيم بن ناصر المدلج قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً؛ لعلها تصور مشاعر أهالي حرمة تجاه هذا المنجز الكبير حيث يقول:

الله أكبر كم للنشء من عيدي

وكم لنا في لقاء اليوم من فرح

ومن هو دوح البساتين ازدهى وزهت

فغرد الورق في أجواء حرمتنا

وكم يطيب مع الأفراح تغريدي

به شذا الورد عم صفحة البيدي

خمائل أثقلت من كل عنقودي

والفيصلي سما بالأخوة الصيدي

محمد بن عبدالعزيز الفهد -(لاعب سابق)


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد