Al Jazirah NewsPaper Sunday  02/05/2010 G Issue 13730
الأحد 18 جمادى الأول 1431   العدد  13730
 
قِلة (دُور).. وجَور (أجُور).. وأراضٍ (بور)..؟ 2/2
حمّاد بن حامد السالمي

 

نواصل الكلام على (قلة الدور، وجور الأجور، والأراضي البور)، فقد وقفنا في الجزء الأول من هذا المقال، عند إشارات رقمية مهمة، فهناك إحصاءات تقول بأن ما نسبته (78%) من السعوديين، لا يملكون مساكن خاصة بهم، فهم إذن

من الذين يكتوون بنار أجور المساكن، هذا إذا وجدوا من يسكنهم بطيب خاطر، وبتكاليف عادلة مقارنة بغيرهم من المستأجرين من غير السعوديين، وذلك راجع لأسباب جوهرية، تمس أحياناً سمعة السعوديين المستأجرين، من أولئك الذين لا يحترمون نصوص العقود مع المالكين، فتتعقد علاقتهم مع هذا الطرف أو ذاك بشكل يصل بهم جميعاً إلى الجهات الرسمية، في ظل عدم وجود أنظمة صريحة وواضحة، تضبط علاقة المستأجر بالمالك.

* ومن هذه الإحصاءات، ما يقول بأن قيمة الأراضي البور في الرياض وحدها، يناهز (ترليوني ريال.. ألفي مليار ريال)، وهذه الأراضي لو أخضعت لنظام بلدي صارم، يستوفي منها زكاة سنوية؛ لحصلنا على (50 مليار ريال سنوياً) من الرياض وحدها، فكيف لو طبق هذا النظام على بقية مدن المملكة؟! الهدف بطبيعة الحال، هو استثمار هذه الأراضي البور المجمدة بشكل جيد، فإما دخل سنوي يوازي بقاءها في حيازة أصحابها هكذا إلى الأبد، أو أن تدخل في عجلة الاستثمار الذي يوفر مساكن لطالبيها.

* والحديث متصل مع الأرقام كذلك، فقد جاء في تقرير منشور عن وزارة الشؤون البلدية والقروية عام 1429هـ، ما يفيد أن (4.2 مليون هكتار) من الأراضي في المدن - الهكتار يساوي 10 آلاف متر - هي أراض بيضاء غير مستعملة، في مقابل (3.5 مليون هكتار) فقط هي الأراضي المستعملة، والمخططة منها (2.6 مليون هكتار) فقط. ولمزيد من التفصيل، يشير تقرير البلديات، إلى أن ما هو غير مخطط في الرياض (261 ألف هكتار)، وفي مكة المكرمة (1.5 مليون هكتار)، وفي المدينة المنورة (507 آلاف هكتار)، وفي القصيم (583 ألف هكتار)، وفي الشرقية (323 ألف هكتار).

* هناك تقارير أخرى تتحدث عن أن (40%) من السعوديين المتقاعدين، يسكنون بالإيجار..! هذا بعد عمر عملي ووظيفي وصل بهم إلى ستة عقود متواصلة، فماذا بقي في عمر مثل هؤلاء لكي يستمتعوا بمساكن خاصة بهم..؟! فالنسبة الأقل للتملك السكني بين دول الخليج، هي للسعوديين بين نظرائهم في المنظومة الخليجية، والمملكة تحتاج إلى (2.9 مليون وحدة سكنية) خلال العشرين عاماً القادمة. ماذا أعددنا لتوفير هذا الاحتياج الملح..؟

* ما لفت نظري في التقرير المنشور، هو أن الأزمة لا تقتصر على الإسكان والمساكن، ولكنها تمتد إلى العديد من وزارات الدولة ودوائرها الرسمية وقطاعاتها المختلفة، فكثير منها لا تتوفر على أراض لمقارها أو لإقامة مشاريع خاصة بها، وفي طليعة هذه الوزارات المتضررة من هذه الوضعية غير الصحية في المدن السعودية، وزارة البلديات نفسها، ووزارة التربية والتعليم.

* نحن فعلاً أمام معضلة كبيرة، تواجه الساكنة السعودية في كافة المدن. المشكلة تتمثل في قلة الوحدات السكنية التي تلبي حاجة طالبيها بالإيجار أو التملك، وكذلك في ارتفاع أجور السكن بشكل مضطرد، حيث يدفع السعوديون (40 مليار دولار) سنوياً إيجار سكن فقط. ومع أن هناك مساحات شاسعة من الأراضي البور تتوسط المدن، وتحف بها من كل جانب، إلا أنها تظل حيازات خاصة بأصحابها غير المبالين وغير المستعجلين، ما دام أن أسعارها تزيد وتتضاعف، وبقاؤها لا يكلفهم شيئاً يذكر على الإطلاق.

* مشكلتنا هذه سوف تزداد وتكبر مع مرور الوقت، ونسبة الذين لا يملكون مساكن خاصة سوف ترتفع، ونسبة غير القادرين على دفع أجور سكن كريم ومناسب سوف ترتفع أكثر، هذا إذا لم تتدخل الدولة بشكل سريع، فتضع الحلول المناسبة، بفرض غرامات أو زكاة سنوية على الأراضي البور، حتى تدفع ملاكها إلى استثمارها، أو التخلص منها لصالح من يحسن توجيهها في طريق الاستثمار الصحيح.

* أعتقد أننا أمام مشكلة حقيقية لا ينبغي السكوت عليها أو التقليل من خطرها، ولهذا ينبغي التفكير في تنشيط قروض الإسكان عن طريق صندوق التنمية العقارية، الذي جاء منقذاً قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، ولولا هذا الحل الرائع في تلك الفترة، لما تمكنت نسبة (22%) من السعوديين من تملك مساكن حتى اليوم. ولعل التفكير الجاد في هذا المعضل، يقودنا إلى إيجاد قنوات تمويل أخرى لبناء المساكن، وتشجيع الاستثمار في بناء الوحدات السكنية لذوي الدخل المحدود، وإنشاء وتشييد المدن السكنية الكبيرة، التي تشكل الواحدة منها حياً كبيراً، أو جزءاً نموذجياً وبارزاً من مدينة، وفرض رسوم زكاة سنوية على الأراضي البيضاء داخل المدن، وسن نظام إدارة التملك والسكن المشترك بين سكان وشركاء في وحدات متجاورة، كما هو معمول به في دول مثل مصر على سبيل المثال، وأخيراً وليس آخراً، التفكير في صرف (بدل سكن) شهري مع رواتب الموظفين، يعادل متوسط أجر شهري لسكن أسرة في وحدة سكنية مقبولة، لأن نسبة المقتطع من الراتب الشهري للموظفين لصالح الأجور السكنية، عالية جداً، وترتفع بشكل مستمر، وتؤثر على متطلبات حياة الأسر من دخلها الشهري بشكل كبير، ويأتي هذا على حساب متطلبات حياتية أخرى مهمة، تعليمية وصحية وترفيهية وغيرها.



assahm@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد