Al Jazirah NewsPaper Sunday  02/05/2010 G Issue 13730
الأحد 18 جمادى الأول 1431   العدد  13730
 
هذرلوجيا
وحشية الحضارة وسلام التخلف!
سليمان الفليح

 

نحن نعلم جميعاً أن الحرب يشعلها السفهاء، ويخوضها الشجعان، ويجني ثمارها الجبناء، وهي عادةً ما تبدأ لسبب تافه، ويكون ضحايا هذا السبب الكثير من الأرواح، وتكون النتيجة النهائية أقل تفاهةً من السبب، والدليل على ذلك أن حرب البسوس بدأت بسبب (ناقة)، وحصدت الكثير من أرواح مَن خاضوها من بكر وتغلب، وانتهت إلى غياب الاسمين معاً؛ فلا خلدت بكر، ولا بقيت تغلب، وانضوى الاسمان تحت عباءة قبيلة (عنزة)، اسمها كان ثانوياً في تلك الحرب، وكذلك نعرف أن حرب داحس والغبراء بدأت بسبب (فرس)، وحصدت الكثير من أرواح مَن خاضوها من عبس وذبيان، وانتهت إلى غياب الاسمين معاً؛ فلا خلدت عبس، ولا بقيت ذبيان، وانضوى كل اسم تحت قبيلة جديدة؛ فعبس انضوت تحت عباءة بني رشيد، وذبيان انضوت تحت عباءة جهينة وغيرها من القبائل. بالطبع كان ذلك في السابق أما في زمننا هذا فقد اشتعلت الحرب العراقية - الإيرانية بسبب تشدُّد الخميني وتعنّت صدام، وحصدت الألوف من أبناء الشعبين، وانتهت بأن كل شعب وقف عند حدوده، وكأن شيئاً لم يحدث، وبالطبع ذهب الخميني، وذهب صدام، وكان الورثة أسوأ من الموروثين، والنتيجة لا شيء.

كذلك نعرف أن بوش الابن اجتاح العراق، ومات من جنوده الكثير، ومات من شعب العراق الكثير، وذهب بوش، وأبقى الأسى والورطة للأمريكان حتى اليوم، وكان السبب والهدف والنتيجة لا شيء أيضاً.

وبالطبع هنا نحن لا نلوم القبائل (الجاهلية) التي كانت تفخر بالحرب، ولكننا نلوم الأمم التي تدّعي الحضارة والتحضر مثل أمريكا، وهي الوحيدة العالقة والمتورطة بالحروب في هذا العصر.

أما مدعاة كل ما قلته آنفاً فإنني اغتبطت ملء القلب وأنا أشاهد هذه الأيام على قناة الجزيرة الوثائقية أفراح السلام بين المسيحيين والمسلمين في نيجيريا بعد تلك الحرب العتيقة المدمرة (المجنونة) التي حدثت في (يلوشندام) بين قبيلتي الجراوا والغوماي، والتي سالت بها الدماء كالأنهار بين القبيلتين المختلفتي الديانة منذ عام 1992م إلى أن انتهت بأروع سلام إنساني على يدي الإمام المسلم (اشافا) والقس المسيحي (جيمس)؛ إذ فكر هذان الزعيمان بما تجره الحرب، واعترفا أمام الجماهير: (إننا نحن الدعاة نضللكم؛ فلا تستمعوا لنا بشأن الكراهية والاحتراب.. الإنسان أبقى من القس والإمام؛ فعانقوا بعضكم، وهيا احتفلوا بالسلام). وبالفعل تعانق أصحاب الديانتين، وشرعوا بالفرح والرقص والغناء والهتاف إلى نيجيريا الوطن فقط، فهل يتعظ العالم بهذه القبائل التي تعتبر متخلفة؟




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد