Al Jazirah NewsPaper Tuesday  04/05/2010 G Issue 13732
الثلاثاء 20 جمادى الأول 1431   العدد  13732
 
مراجعة مغايرة لمسيرة الغرفة مع الأمين العام حسين العذل:
ولادة طبيعية من رحم التاريخ لأول مؤسسة مجتمع مدني

 

الجزيرة - الرياض

الحديث مع الأمين العام لغرفة الرياض الأستاذ حسين بن عبدالرحمن العذل هو محاولة للاقتراب من الطرف الأقصى والأعمق لمعاني ودلالات مسيرة الغرفة خلال الخمسين عاماً الماضية.

ويميل هذا الحديث مع الأمين العام إلى مراجعة (مغايرة) لمراحل ومحطات مسيرة الغرفة، وبأضواء كاشفة على المحيط الاجتماعي؛ فالغرفة في رأيه هي مؤسسة المجتمع المدني الوحيدة التي ولدت ولادة طبيعية، بل حتى الآن لا توجد مؤسسة مجتمع مدني تشابه الغرفة في العمق والتجذر.. وقد رأينا في القطاع الخاص السعودي ما اعتبرناه ضيقاً في الرؤية التاريخية وميلاً إلى استفراد المصلحة القريبة قياساً بالمبادرات الحكومية التي تتكاثر بسببها في هذا العهد العناصر المفرحة والمحفزة لحركة المجتمع نحو الحداثة.

اعتبر العذل أن المقارنة ليست عادلة؛ فالقطاع الخاص لم يولد إلا مؤخرا، وهو لا يزال في مرحلة البناء. وفيما يأتي نبدأ حديثنا بما يراه العذل من دلالات لحصاد الغرفة خلال الخمسين عاماً الماضية:

- العذل: كل منشأة لها عادة مسار تاريخي وحقب متعاقبة، وتصاحب فترة التأسيس الكثير من الأمور المتعلقة بتحديد الهوية وإطار المسار، والغرفة باعتبارها منشأة تتبع للقطاع الخاص مرتبطة كذلك بوثاق من جانبين: جانب الحكومة باعتبارها مستوى التشريعات والسلطة، والجانب الاجتماعي باعتبار أن الأنشطة والقوانين الاجتماعية والأعراف غير المكتوبة ترتبط أيضاً بمسيرة مثل هذه المنشأة الخدمية.

وباعتبار الغرفة من مؤسسات المجتمع المدني فإن نموها مرتبط بشكل مباشر مع نمو المجتمع المدني، وعندما أقول نمو المجتمع المدني فلا أعني النمو الاقتصادي فقط، وإنما الرغبة والقدرة على المشاركة في صناعة القرار الاقتصادي والاجتماعي، واستعداد الدولة ممثلة في الحكومة لقبول هذه المشاركة بقناعة.

قامت الغرفة على ما كان موجوداً من أعمال ومجتمع تجاري مهما كان حجمه منذ 50 عاماً، لكن تلك المنشآت بمختلف مكوناتها العائلية والفردية لم تجد متسعاً لترمي بسهم في إحياء مثل هذه السنة الحميدة كما تفعل الغرفة الآن في احتفاليتها.. مع أنها لو فعلت لتمكنت من جعل جذوة النشاط حية في الأجيال اللاحقة..

- العذل: أنا أسميها مرحلة مراجعة وتقييم أكثر منها احتفالية، لكن بالطبع ليس هناك جانب سحري يشير إلى الخمسين أو العشرين سنة.. إلخ؛ فهناك عُرْف جرت عليه الأمور، والناس تميل إلى الأعداد العشرية دائماً في مثل هذه الأمور.. هي إذن مرحلة مراجعة والتفات وشكر وعرفان لمن قدم ما قدم.

وأوافقك على أن المؤسسات الاقتصادية لم تؤسس حتى الآن أعرافا تضع التنظيم على المحك والهاجس، أو تبعد شبح الفرد وإضفاء صفة الفرد على منشأة كاملة بسبب نجاح هذا الفرد وخلق كيان المؤسسة الذي يضمن لها البقاء، إضافة إلى الجوانب القانونية؛ فقد ظللنا دائماً نقول لماذا لا تحوَّل المؤسسات الفردية والعائلية إلى شركات مغلقة يملكها أفراد الأسرة لأجل أن تنتظم؟.. وهناك مبدأ أساسي يقول «أبعد العائلة عن الإدارة لخلق إدارة فاعلة»؛ فقد تنشأ إشكاليات اجتماعية بسبب الترابط الأسري والمسؤولية المباشرة للأب تجاه الأبناء والأحفاد.. وهناك مدارس متعددة في هذه الإشكاليات، لكن لإعلاء سلطة المهنية والاحتراف يقال: كلما ابتعدنا عن الجانب العائلي كان أفضل مع بقاء الملكية للعائلة من خلال مجلس إدارة أو أمناء أو أوصياء باختلاف المسميات، أما الإدارة اليومية التنفيذية فتبقى لدى المحترفين والمتخصصين.

وأتمنى أن توجد مثل هذه السنة فتبدأ الشركات أيضا في إعطاء التمايز بين الحقب في مسافات تطورها فتمنح الفرصة لتسليط المجهر على كل مرحلة من مراحل تطور المنشأة.

لو أوجدنا مثل هذه الثقافة ربما ساعدت في النظر بمنظار كلي للقطاع الخاص بأدوات نقدية وتقويمية..

- العذل: قد يكون من الأنسب إقامة ورشة عمل لهذا الأمر حول فوائد التوقف عند بعض المحطات والالتفات إلى كل الاتجاهات وتقييم الموقف وخطة الانطلاق للمرحلة القادمة.

في السياق ذاته، كيف تبدو فرضية وجود نوع من التضاد أو التمييز على أسس تقنية ورقمية بين أجيال رجال الأعمال؟ وهل نتوقع أن في يد من نسميهم الآن بشباب الأعمال مشروعا مغايرا بأدوات رقمية يتغلبون بها على الجيل ما قبل الرقمي بأسس تنافسية؟

- العذل: تاريخياً يوجد هناك شيء اسمه صراع الأجيال، ولا نقصد بالطبع المفهوم اللغوي للصراع، وإنما اختلاف وجهات نظر الأجيال، ويصعب على الإنسان من داخله أن يعتقد أن هناك من هو أفضل، ودائماً في هذا الجزء من العالم نتباكى على الماضي ونعتقد أن الماضي أجمل من الحاضر والمستقبل، والسبب البسيط هو أن الماضي مربوط بمرحلة عشناها كجيل، وهي عزيزة علينا، وجميع ما يتعلق بحياتك عزيزة عليك، والمقبل قد لا تكون شريكاً فيه لأن الأعمار بيد الله أولاً ثم إنك لا تملك أدواته وفلسفته؛ ولذلك دائماً رد فعل الإنسان البسيط جداً هو ليس العداء، ولكن السلبية تجاه الجديد.

ومع ذلك فإن دواعي الاستمرار والرغبة في النجاح والانجاز والكسب والعائد تجعل الإنسان يتنازل عن بعض الأمور للأجيال اللاحقة، فهي إذن مسألة شد وجذب، لكن في النهاية هذا المجتمع يراد له أن يكون مجتمعا شبابا بحكم تركيبته الديموغرافية؛ ولذلك فهي مسألة وقت قصير وليس مسألة اختيار، فالعلاقات والاقتصاد الرقمي والإدارة عن بُعد أصبحت تشكل ثقافة العصر.. اليوم مثلا اقرأ في إحدى الصحف موضوعا عن توظيف تقنية جي بي إس في الجوال لمعرفة مكان تواجد المدير.. وهي أمور بدأت ولا تنتهي.. ويقال إن ما توصل إليه الإنسان في السنوات الأخيرة عبر تقنية المعلومات يفوق ما توصل إليه الإنسان في كل عمره المكتوب.. بما في ذلك منجزات كل الحقب والحضارات الزمنية التي سبقت.. وهذا يفسر كيف يمكن للزمن أن يكون عاملاً تتحكم فيه.. بمعنى أن نتمكن من جعل اليوم أطول من مداه الزمني.. فهذا الإنجاز الهائل والكم الكبير من المعلومات التي تستطيع ترتيبها وتنظيمها وبرمجتها يجعلان اليوم أطول من اليوم بل والشهر أو السنة، وهذه المعطيات أدخلتنا في مفاهيم جديدة يصعب على الجيل الذي تجاوز الستين أن يكون منغمسا في أدوات هذه التقنيات مثل الشاب الذي يدير كل حياته اليومية بهذه المفاهيم؛ لأن هناك أيضاً نظام العادات المكتسبة والمتأصلة عند الإنسان، وما علينا كجيل هو أن نعطي ما لدينا إذا كانت لدينا حكمة تراكمت وتجارب اكتسبناها ونترك للجيل اللاحق أن ينتقي ويوظف ما شاء منها؛ فالوصاية مرفوضة ودائماً لها مردود سيئ ورد فعل غير طيب.. إلا في خطوطها الحمراء التي تمس العلاقات الأسرية أو الدِّين أو ثوابت المجتمع التي تتطلب ربما نوعاً من الإصرار على قرار معين طالما توافرت الثوابت التي تحكمه حتى لا يفقد المجتمع هويته.

أحيانا قد نميل إلى اختزال مسيرة الخمسين عاماً بكل محمولاتها عند (محطة التأسيس)، فهل نعتبر ما يتراءى لنا من تباين وجهات نظر عن تلك المحطة دليلاً على عافية مجمل المسيرة؟

- العذل: لا شك أن نقطة الانطلاق مهمة جداً وأساسية، وطبيعة هذا المجتمع هي طبيعة وفاء وعرفان، وعادة فإن الذي يبدأ مسيرة يُعتبر مبدعا وخلاقا، والذي يطور المسيرة يُعتبر أقل إبداعا؛ لأن العمل والكيان موجود، فأنت تضيف له لوناً من هنا ونافذة من هناك أو قاعدة أو قرارا على الرغم من أهميتها.. فإن كل مسيرة تبدأ دائما من نقطة الانطلاق.

وبهذا الفهم فإن المؤسسين، وفي حالتنا هذه قد نقول المؤسس، له أسرة لا تزال قائمة في وجدان النشاط الاقتصادي، وتشعر بأن هناك إرثا يجب أن تحميه، وتاريخا لأحد أفرادها أو عميدها أو مؤسسها تعتز به، لكنني أتمنى من الزملاء أيضا أن يفتحوا العين واسعة على المراحل التالية؛ فما الفائدة في حديث عن تأسيس وأنت تحمل معولاً لهدم كل ما تأسس وتقفله، وقد تكون مبدعاً بذلك ولكن بالطريقة السلبية؛ ولذلك نقول إن الذين أتوا لاحقا ليسوا فقط لا يقلون أهمية وإنما قد يكونون أبعد كثيراً من ذلك.. فالأم تلد الجنين، والطبيب - بعد رعاية الله - يرعاه عندما يواجه مشكلة، والتغذية تبقيه، والتعليم يصقله.. صحيح أن البداية كانت خروجه من الأمشاج ولذلك أعطى الله سبحانه وتعالى الأم هذا الحق السماوي {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} وقال صلى الله عليه وسلم (الجنة تحت أقدام الأمهات) وأوصى ثلاثاً بالبر بالأم ثم تلاها بالأب.. لكن هناك الكثير من الأجنة تموت الأم بسببها أثناء الولادة ويعيش الجنين، وقد يكون من العظماء.. فهل نقول إن مرحلة التأسيس هي التي أوجدت هذا الجنين وأعطته هذا البُعد؟ والجواب البديهي هو لا؛ فقد تكون الجدة التي حضنته أو الخالة التي تلقفته أو امرأة الأب التي حنت عليه أو الأب الذي تفرغ له.. أو كلهم مجتمعين.

من شرفة الأمانة العامة، وبما لديكم من ذخيرة وأدوات في التحليل والمقاربة، كيف تنظرون إلى مشاهد وإرث التلاقح بين (الاقتصادي والاجتماعي) في مسيرة غرفة الرياض؟.. وكيف انساب هذا الدور على الرصيد الكلي لحركة المجتمع في المنطقة وعلى مستوى الوطن؟

- العذل: أولا أود أن أشير إلى أهمية الغرفة بالنسبة لمدينة الرياض عندما بدأت، ولمنطقة الرياض حالياً، فالمتابع والقارئ لتاريخ المملكة أو تاريخ أي بلد يدرك دائماً أن المدن التي تقع على الثغور البحرية أو الموانئ هي الأقرب إلى الانفتاح واستقبال الثقافات والحضارات والامتزاج بحكم أن السفر لزيم لتاريخ الإنسان منذ أن وجد، ولذلك نجد على البحر الأحمر والخليج مدنا سعودية رائدة لم تكن - ولا تزال - بمعزل عن هذه الحقيقة؛ ولذلك ولدت فيها منشآت اجتماعية واقتصادية وإدارية وأدوات حكم متطورة، بينما منطقة الرياض (وهي منطقة نجد) التي تشتمل على أكثر من إقليم مثل حائل والقصيم وسدير والوشم والمحمل ووادي الدواسر.. وغيرها من المناطق التي لها سياق وولادة تاريخية، وبحكم البُعد الجغرافي للغرفة؛ لكونها قامت في مدينة الرياض قبل أن تتوسع أخيرا لفروع في منطقة الرياض، فهذه المنطقة بقيت - إن صح التعبير - (بكرا) لفترة طويلة، وخاصة في العقود الأخيرة الأربعمائة أو الخمسمائة سنة.. وحافظت على ما يسمى تقليداً بالهوية العربية الأصيلة، فمن أراد أن يستقصي حياة العرب القديمة وقيم العرب، وعندما أقول القيم لا يعني ذلك أن المدن السعودية والبلدان العربية الأخرى ليست فيها هذه القيم، وإنما أقصد من أرادها نصاً سيجدها في تاريخ هذه المنطقة؛ ولذلك بقيت بعيدة بحكم صعوبة المواصلات والاتصال وشظف الحياة في الصحراء.. عن الشد والجذب والنزاعات الإقليمية التي تتعلق بالحكم والاقتصاد وسبل العيش.. وبقيت فيها القبائل العربية تمتد جنوباً وشمالاً مع الرعي والظروف المناخية، وعندما ولدت الدولة السعودية الأولى قبل نحو 400 سنة كانت النواة الأولى بعد انقطاع طويل لدولة حديثه لها مفاهيم الدولة في هذه المنطقة، ونعرف أن الدولة السعودية الأولى هي أكبر الدول السعودية رقعة امتدت إلى الشاطئين، كما امتدت إلى أماكن أخرى ليس هذا مجال ذكرها، وولدت مؤسسات اجتماعية على استحياء، لكن استمر الضبط الاجتماعي يخضع لمؤسستين: الدين - ولا يزال - ممثلاً فيمن نسميهم بطلبة العلم، وهؤلاء ينصبهم المجتمع عادة، وقلما تجد أحدا يضع شهادة أو إجازة من شيخ أو قاض أو عالم معين، وإنما الناس تدرك علم الشخص وتنصبه تنصيباً اجتماعياً فيقوم على ما يؤتمن عليه إذا لم يكن موظفاً لدى الحكومة، وهناك المؤسسة الاجتماعية ممثلة فيمن نسميهم حكماء المجتمع سناً وثروة وجاهاً وحكمة وعلماً..

وأحيانا تجتمع أكثر من خصلة في الشخص، وأحيانا يتركز في خصلة.. وهؤلاء يساعدون الحاكم على تبيان حال المجتمع ونقل مطالب المجتمع والقيام على تنظيم الأمور بجانب مؤسسات الحكم المشروعة.. وهذا أيضا بين مد وجزر؛ لأنه عندما تأصلت الدولة السعودية كنواة لدولة تنشد الإسلام ليس فقط كعقيدة وإنما كأسلوب حياة، وتنجح فيما فشلت فيه كثير من الدول وانتهت بفصل الدين عن الدولة، وبدأ ذلك يثير حفيظة قوى خارجية.. وحدث مد وجزر، وهذا متاح في كتب التاريخ.. هذه العوامل قللت وأعاقت التطور الاجتماعي والإداري، فعندما تأصلت الدولة السعودية الثالثة مروراً بالثانية والمشاكل التي تعرضت لها، وكأن الله سبحانه وتعالى قد ألهم المؤسس بأن هذه دولة لها عوامل بقاء تختلف عما سبقتاها من حقبتين سعوديتين، فبدأ مشروعه الجبار، بتوطين البادية في عام 1337هـ إذا لم تخني الذاكرة.. بما نسميه (الهجر) فأصبح لكل قبيلة هجرة أو أكثر تتمحور نشاطها حولها، واستمرت بالرعي والمحافظة على ثروتها الحيوانية وإلى حد ما بمناوشات بسيطة هنا وهناك، لكنها ووجهت بالردع، وبان أن حقبة إغارة بعضنا على بعض قد انتهت وجاءت دولة مستعدة لتنظيم الحياة الاجتماعية وأرزاق الناس ومعاشهم، فولدت مؤسسات كبيرة، إلا أنه لضعف الحركة الاقتصادية لم تكن هناك حاجة ملحة لنشأة مؤسسات المجتمع المدني بمفهومها الحديث, وهنا تأتي أهمية تأسيس الغرفة عندما فكر عبدالعزيز المقيرن يرحمه الله في عام 1373هـ قبل أن يتولى الملك سعود الحكم في أواخر سنوات المؤسس - بحكم سفره إلى دول الجوار وخاصة لبنان - ورأى أنه عندما يقع خلاف يلجأ الناس إلى شيء اسمه الغرفة التجارية، وأتى بالفكرة وتبناها، ولم يكن يتبناها كأمنية وإنما بدا يعمل عليها فعارضه من عارض وتأجلت فكرته لعشر سنوات ليعاود طرحها مرة أخرى حتى قبلت وتأسست الغرفة.

وعندما نشأت كانت الغرفة هي المؤسسة الوحيدة من مؤسسات المجتمع المدني التي ولدت ولادة طبيعية وأحكمت بنظام وبإرادة من أعلى المستويات بأمر من الملك؛ ولذلك كتبت شهادة الميلاد كما لو أنك استوفيت جميع المتطلبات الصحية والدينية والاجتماعية من علاقة شرعية بين أب وأم وولادة بمستشفى وجنين سليم له كل المقومات ولم تكن به عيوب أو تشوهات، وبدأ يمارس حياته، وحتى الآن لا توجد مؤسسة مجتمع مدني شبيهة بالغرفة لها نفس العمق والتجذر؛ ما دعا الغرفة إلى أن تنوع نشاطها وتخرج عما هو مألوف للغرف بالغرب الآن، فهناك مدرستان (الانجلوساكسون والفرنكوفونية)، وكلتاهما تقع دون مهام الغرفة الآن.. مثل استقبال رؤساء الدول والحكومات والندوات والمؤتمرات ومخاطبة الدوائر والمراجع العليا وتشكيل اللجان في كل المناحي، وأخيرا فتح فروع في جميع المحافظات تقريباً التي ينطبق عليها الحد الأدنى لفتح الفروع.. بل إن الغرفة لها رسالة اجتماعية نحو تكريس المجتمع المدني، والمعادلة التي تحكمها هي أن من لا يسلك من خلال التعميم الحكومي أو من خلال المؤسسة الدينية أو الوعي الاجتماعي يسلك من خلال الغرف وعبر قنوات الأنشطة الاقتصادية، وقد حرصنا من خلال الفروع التي تشكل مصدر تكلفة للغرفة، لكنها مصدر سعادة؛ لأننا نتشارك في تطوير المجتمع المدني في تلك المحافظات بوحي من رغبة وتوجيه ومتابعة من سمو الأمير سلمان أمير منطقة الرياض - يحفظه الله -.

نشعر بأننا الآن في عهد أكثر خصوبة.. تتكاثر فيه بشكل مفرح العناصر المحفزة لتيسير حركة المجتمع، والأمثلة كثيرة كما تعلمون.. أين تكمن علل القطاع الخاص فيما يبدو من ضيق في الرؤية التاريخية؟

- العذل: القطاع الخاص لم يولد إلا مؤخراً.. فلا يعني وجود منشأتين أو ثلاث تاريخياً أن هناك قطاعا خاصا فاعلا؛ فالقطاع ولد مؤخراً، ولا أقول بحكم الحاجة وإنما بحكم الفرص التي أتيحت، فالدولة هي المالك الأساسي لكل الموارد والمسير لها، ومشاريع البنية التحتية في أي بلد بالعالم تسمى (المشاريع العملاقة) يحتاج تنفيذها إلى ماكينة متكاملة من النشاط الاقتصادي للوفاء بمتطلباتها، وأتيحت الفرصة للقطاع الخاص لينمو وليساهم في سد هذه الثغرة والمساعدة في إنشاء وتكوين البنية التحتية للبلد، ولا يمكن للقطاع الخاص أن يجاري الدولة لسببين:-

أولاً- حبا الله سبحانه وتعالى هذا البلد بعد فقر ومعاناة طويلة بنافذة نحو التنمية والنهضة تتمثل بالنفط.. وكانت القيمة المضافة للنفط صفراً في السابق عندما كان النفط يباع فقط كمادة خام ثم تطورت كمواد أساسية من مشتقات البترول؛ ما منحها قيمة مضافة جيدة وخلق قاعدة اقتصادية، لكن في حين أن الدولة قد خطت مائة خطوة مثلا فإن القطاع الخاص لا يزال في خطوته الخامسة.. وموضوع اللحاق سيستغرق وقتاً طويلاً إلى أن تكتمل البنية التحتية تماماً.. ولا أعني بالبنية مجرد بناء المباني والطرق والمطارات بل بناء الإنسان، وإذا كان لدينا شيء نفاخر به في هذه المرحلة فهو أننا تفوقنا على أي بلد في العالم فيما يصرف على الصحة والتعليم، ونعرف أن الثورات في العالم تقوم على المطالبة بلقمة العيش والتطبيب والتعليم، ونعتقد أن أي ثورة لم تحقق صرف ربع ما يصرف الآن بالمملكة على قطاعي التعليم والصحة، إضافة إلى أن ذلك تحقق من خلال نظام اجتماعي مقبول ومحبوب من العامة لأنه يلامس عندهم الجانب التاريخي والحس الديني وفوق هذا وذاك.. تقول لهم كم تريدون؟ تريدون عشرة؟ لا، سنعطيكم خمسين.. ووصلنا إلى مرحلة لا نستطيع فيها أن نستوعب ما يتاح، ولكن، وبما أننا جزء من هذا العالم، لا نستطيع أيضاً أن نحبس على بركان من الثروة ونقول لا نريد العالم أن يشاركنا، بل يجب أن يشاركنا ونتشارك من خلال هذه العلاقات الاقتصادية الواسعة والمشاريع الجبارة ومساهمة الدولة في الأمور التي تمس المجتمع الدولي من القضايا الإنسانية.

ولذلك أعتقد أن المقارنة غير عادلة؛ مثلاً الغرفة التجارية في مرسيليا بفرنسا نشأت قبل أكثر من 400 سنة، وعمر الدولة السعودية بحقبها الثلاث أقل من أربعمائة سنة، والدولة تضع نصب عينها بناء القطاع الخاص أولاً ثم بعدها تتوقع منه مشاركته في المهام المستقبلية التي ستناط به، ونحن في مرحلة بناء القطاع الخاص الآن وهو يؤدي ما عليه، ولا أتوقع ولا أقارن ولا أتمنى في هذه المرحلة أن يحدث تراجع عن الصرف من المال العام على هذه المشاريع الجبارة التي تقولبنا كبشر واقتصاد وكدولة.. وهناك جانب آخر يتمثل في أن المملكة هي في لب العالم الإسلامي ولا خيار في ذلك، {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، ولم يُحدَّد بلد عربي أو خليجي أو جنوب شرق آسيا أو أمريكا.. بل هم يأتون من كل فج عميق؛ ليشهدوا منافع لهم وليذكروا الله على ما أتاهم وليطوفوا بالبيت العتيق.. فهذا قدر وجد على زمن سيدنا إبراهيم أبي الأنبياء وأبي الحضارات المكتوبة.. قدر لا تضيف فيه جديد، ورثناه ونحمد الله أننا ورثناه.

والقدر الثاني الذي أيضا ليس لنا فيه شيء يقول (صلى الله عليه وسلم): «أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب»، بمعنى انه إذا اصطُفي لهذا الدين مكان فهي جزيرة العرب، وعندما يقول أخرجوا لا أظن أن القصد ناحية عرقية وإنما قوام هذا الدين وكيانه لكي لا تشوبه شائبة من أجل أن يشع، ولا يشع إلى العالم إلا إذا أصبح حضارة مكثفة بحد ذاته.

تجارة الرياض: غرفة الرياض توسعت رأسياً وأفقياً كما يعلم الجميع.. فهل نستطيع أن نصوب لبعض معالم المستقبل.. أو كما يشير البعض إلى إمكانية قيام اتحاد لغرف منطقة الرياض مع الفروع التي نشأت بالمحافظات؟

- العذل: في وضعنا الحالي بفروعنا الداخلية والخارجية نحن الآن أقرب ما نكون إلى غرفة المنطقة الوسطى أو غرفة منطقة الرياض بدلاً من غرفة مدينة الرياض.. فهذه الآن أصبحت حقيقة؛ ولذلك دائماً إذا وجد فراغ يجب أن يُملأ، وإذا لم تملأه قد يُملأ أحياناً من شيء خطأ أو شيء قد لا يكون الأمثل، والمبدأ العام هو أنه عندما تتوافر القدرة، وفي هذه الحالة نعني القدرة المادية فقط؛ لأن بقية القدرات موجودة، فعندما تتوافر القدرة ونشعر بوجود حاجة نسارع لملء هذه الحاجة، وعندما يشب فرع عن الطوق ويأنس في نفسه القدرة على الاستقلال لا نقول لهم (اذهب أنت وربك فقاتلاً إنا ها هنا قاعدون) بل نقول كما قالت الأنصار للرسول صلى الله عليه وسلم: «والله لو سلكت شعبا لسلكنا معك»، بمعنى أننا نؤازر ونساند حتى تقوم الغرفة الشقيقة على قدميها، ولدينا نموذجان من الغرف التي أنجزت سلفاً هذه الخطوة من الاستقلالية؛ فأصبحت غرفا مستقلة بعد أن كانت فروعا لغرفة الرياض.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد