Al Jazirah NewsPaper Thursday  06/05/2010 G Issue 13734
الخميس 22 جمادى الأول 1431   العدد  13734
 
الخروج عن النَّص!!
د. عبد المجيد بن محمد الجَّلال

 

يتفاعل الحراك الاجتماعي الداخلي لتأصيل مبادئ الحوار، وإشاعته، وتنمية مهاراته، والتعريف بآدابه، بهدف تعزيز التعايش السلمي بين مكونات المجتمع السعودي..

.. ونخبه وأطيافه، وبتنوعه الفكري والثقافي، بما يُجّسد مبادئ هذا الديِّن الحنيف وقِيَمه العليا الداعية إلى الخير والمحبة والسلام والحياة الطيبة. ويقود هذا الحراك في المرحلة الراهنة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني - والذي تمَّ إنشاؤه بتاريخ 24-5-1424هـ -؛ بغية إيجاد البيئة الملائمة الداعمة للحوار الوطني بين أفراد المجتمع، بما يحقق المصلحة العامة، ويحافظ على الوحدة الوطنية المبنية على العقيدة الإسلامية، وذلك من خلال الأهداف التالية كما جاءت في حيثيات إنشائه:

1. تكريس الوحدة الوطنية في إطار العقيدة الإسلامية وتعميقها عن طريق الحوار الفكري الهادف.

2. الإسهام في صياغة الخطاب الإسلامي الصحيح المبني على الوسطية والاعتدال داخل المملكة وخارجها من خلال الحوار البناء.

3. معالجة القضايا الوطنية من اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وتربوية وغيرها وطرحها من خلال قنوات الحوار الفكري وآلياته.

4. ترسيخ مفهوم الحوار وسلوكياته في المجتمع ليصبح أسلوبًا للحياة ومنهجاً للتعامل مع مختلف القضايا.

5. توسيع المشاركة لأفراد المجتمع وفئاته في الحوار الوطني وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني بما يحقق العدل والمساواة وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية.

6. تفعيل الحوار الوطني بالتنسيق مع المؤسسات ذات العلاقة.

7. تعزيز قنوات الاتصال والحوار الفكري مع المؤسسات والأفراد في الخارج.

8. بلورة رؤى إستراتيجية للحوار الوطني وضمان تفعيل مخرجاته.

ومنذ انطلاقة فعاليات المركز عقدت ثمانية لقاءات تحت عناوين متنوعة على التفصيل التالي:

« اللقاء الوطني الأول (الوحدة الوطنية والعلاقات والمواثيق الدولية) الرياض 15-18/ 5 / 1424هـ.

« اللقاء الوطني الثاني (الغلو والاعتدال.. رؤية منهجية شاملة) مكة المكرمة 4-8 /11 / 1424هـ.

« اللقاء الوطني الثالث (المرأة: حقوقها وواجباتها وعلاقة التعليم) المدينة المنورة 24-26 /4 / 1425هـ.

« اللقاء الوطني الرابع (قضايا الشباب: الواقع والتطلعات) الظهران 24-26 / 10 / 1425 هـ.

« اللقاء الوطني الخامس (نحن والآخر: رؤية وطنية للتعامل مع الثقافات العالمية) أبها 11-13 / 11 / 1426هـ.

« اللقاء الوطني السادس (التعليم.. وسبل التطوير) الجوف 7-9/ 11 / 1427 هـ.

« اللقاء الوطني السابع (مجالات العمل والتوظيف: حوار بين المجتمع ومؤسسات العمل) القصيم 16-17 / 4 / 1429هـ.

« اللقاء الوطني الثامن (الخدمات الصحية: حوار بين المجتمع والمؤسسات الصحية) نجران 23-25 / 4 /1431هـ.

وقد صاحبت هذه اللقاءات مناشط، وورش عمل، وإصدارات، ومشاركات داخلية وخارجية، لدعم الحوار وتأصيله.

ورغم إيجابية وثمرات جلسات الحوار العديدة في دوراته المنتظمة والمتنقلة بين مناطق المملكة المختلفة، وأهمية المبادئ والأسس التي يتبناها، فلا زالت تطبيقاته وبرامجه بحاجة إلى تفعيل من قبل النُّخب المجتمعية، والبرامج والندوات الحوارية، بما يخدم أهدافه وآدابه، ويثري الساحة المحلية بمزيد من الرؤى والأفكار النيِّرة، التي يمكن استثمارها في تعزيز بناء فكري يستوعب الجميع تحت سقفه، ويتسع لكل رأي ومقالة.

من إشكالات وقضايا الحوار الساخنة ما يتصل بالقدح والتجريح الشخصي، وهو بالقطع أسلوب غير حضاري، وسلوك انتهازي، وخروجٌ عن النَّص، وأحد معوقات تطوير الحوار نحو الأفضل، يلجأ إليه من كانت منطلقاته مضطربة، وبضاعته من الفقه والعلم محدودة، وثقافته بالقواعد الحوارية جدّ مشوشة. وهذا الأمر ممَّا يُضعف أو حتى يُعرقل عجلة الحوار، ويُقلِّل بالتالي من نتائجه وثمراته المستهدفة. فالحوارات على وجه العموم بمختلف أنماطها وموضوعاتها مبناها الرأي بالرأي، والحجة بالحجة، والدليل بالدليل، ولا مكان فيها لأي سلوك غير حضاري قد يدفع إلى التوتر والاحتقان، والاتهام والتوجس، بما يخالف المقصود من إجراء الفعاليات الحوارية.

هذا الأسلوب، أو الإشكالية غير الحضارية، ماثلة وملحوظة في نماذج من البرامج الحوارية المباشرة، وتستهدف فيما تستهدف استفزاز أحد أركان الحوار في شخصه وكرامته الإنسانية. والحجر على قوله ومقاله.

هذا الأمر يفرض على مُعدِّي هذه النوعية من البرامج ضرورة الاهتمام والعناية بتحديد قضايا الحوار المطروحة، والسير بها قدماً في مسارها الطبيعي، ووفق الغاية المستهدفة، وعدم السماح بالمطلق بما يُعكِّر الأجواء الحوارية، عبر حديثٍ أو مداخلة خارجة عن أدب الحوار، أياً كان مصدرها، ومرجعيتها الاجتماعية والوظيفية، والتعامل معها بحسمٍ بما يحفظ للحوار أدبياته وقواعده، وللمتحاورين حقوقهم الأدبية، وكرامتهم الإنسانية. فالمنهجية الضابطة لسير الحوار مطلوبة، وتتعين من خلال الالتزام بقواعد الاحترام المتبادل، وحماية المتحاورين من المداخلات المشينة في حقهم، إضافة إلى التعامل معهم بالموضوعية والعدل من حيث الاعتبار والنِّدية.

هذه الإشكالية تُعد كذلك حجر عثرة أمام أصحاب القلم والرأي ورؤاهم حيال قضايا مجتمعهم، وسواه. وقد تدفع بهم نحو القهقرى والانزواء الفكري، خشية أن يطالهم شيء من القدح والتجريح. وربما - وهذه إشكالية أكبر - يتجه فئام منهم دون قناعة أو اقتناع إلى الاصطفاف مع الآخرين، والتموضع بمكان لا يخدم مصداقية الكلمة والحرف، ويلزمهم بالتنازل تباعاً عن منطلقاتهم وقناعاتهم الفكرية، وتبني فكراً وأسلوباً مغايراً، يتماهى مع متطلبات هذه الحالة الاصطفافية غير المنطقية.

على أية حال التطبيقات الحوارية المباشرة، لا زالت حديثة العهد، وثقافة احترام الرأي والرأي الآخر، هي الأخرى متدنية المستوى، والطريق أمامنا لا يزال طويلاً لجعل ثقافة الحوار عملية جاذبة للبُنى الفكرية والاجتماعية الوطنية.

ونأمل أن تأخذ هذه الإشكالية وسواها من معوقات الحوار الوطني، ما تستحقه من اهتمام ونقاش ومعالجة، في إطار الحملة التثقيفية التوعوية التي يعتزم مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني إطلاقها لنشر ثقافة الحوار، بالتعاون مع عدد من المؤسسات الإعلامية والقنوات الفضائية، بهدف التعريف بثقافة الحوار وأهميته في المجتمع، ودوره في تطوير المجتمعات، ودعم وحدتها، وآثاره الإيجابية بين أبناء المجتمع الواحد بمختلف مستوياتهم العمرية والثقافية. ونأمل كذلك أن يتم من خلال هذه الحملة التي تستغرق فعالياتها نحو ثمانية أشهر تفعيل أهداف المركز، وخصوصاً هدف ترسيخ مفهوم الحوار وسلوكياته في المجتمع ليصبح أسلوبًا للحياة ومنهجاً للتعامل مع مختلف القضايا.

من مأثور الحِكم: إنَّ العواصف والثلوج تُفني الزهورَ ولكنّها لا تُميت بذورَها



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد