Al Jazirah NewsPaper Sunday  09/05/2010 G Issue 13737
الأحد 25 جمادى الأول 1431   العدد  13737
 
المجاميع (البريدية)..أهي (فتنة بديلة)..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

 

لم يترك التطرف وسيلة ممكنة؛ إلا اهتبلها، ولا موجة مواتية؛ إلا ركبها، ولا فرصة سانحة؛ إلا استغلها وسخرها لممارسة هوايته في التضييق على خلق الله، ومباشرة غوايته في تضليل الناس، وفي إقصاء الخصوم،

أو زندقتهم وتفسيقهم، ثم تكفيرهم في نهاية المطاف.

عجت الشبكة العنكبوتية منذ عدة سنوات، بمئات وآلاف المواقع والمنتديات المتشددة والمتطرفة، التي تطلق على نفسها (إسلامية)، وهي إسلامية فقط، على قياس ومقاس من يملكها ويديرها ويكتب فيها، وإلا.. فالإسلام دين البشرية جمعاء، فهو ليس ملكاً لأحد دون غيره، ولا حكراً على فئة أو مذهب أو عشيرة وقبيلة، خلاف غيرها من شعوب وأمم الأرض.

ما إن وقعت واقعة التفجير الآثم في نيويورك، في الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وما تلاها من تفجيرات شنيعة في مدن سعودية في مقدمتها الرياض، حتى ظهرت حقيقة (الإسلامية) هذه، فهي مجزأة الهوى والهوية، ومقسمة الولاء والطوية، بين طرفين نقيضين، يدعي كل منهما عداءه للآخر، القاعدة وأذنابها في المملكة وفي دول المنطقة من جهة، والقوى الأجنبية الموالية للصهيونية العالمية من جهة أخرى، وقد نجحت هذه المنتديات المتأسلمة، وعلى رأسها (الساحات) الفتنية، وما تفرع عنها بعد ذلك على وزن (آت.. آت) وأخواتهن وحفيداتهن، في استقطاب المتشددين والمتطرفين بشكل يكاد يكون تاماً، وفي استمالة كثير جداً من العوام، لأنها كانت تعزف على أوتار خلافية عقدية ومذهبية ومناطقية، وكانت تستغل بعض الظروف الحياتية والمعاشية، وحتى النفسية عند عوام الناس، وترفع شعار الدين، للإيهام بأنها تنطلق من منطلقات دينية بحتة.

الصفة الإسلامية التي كانت تدعيها هذه المواقع والمنتديات - وبعضها ما زال على هذا النهج القديم والعقيم - لم تمنعها من الكذب والتدليس عياناً بياناً، ولم توقفها عن السب والشتم والطعن في أعراض المخالفين بمناسبة وبدون مناسبة، ولم تردعها عن التستر والتخفي والتمويه، حيث يجبن كتابها من أنصاف المتعلمين، عن التوقيع بأسمائهم الصريحة، فيلجؤون إلى أسماء وهمية أو مستعارة، لأسباب نفسية ومرضية خاصة بهم، حتى إذا مارس أحدهم بعض إسقاطاته النفسية، وولغ في عرض هذا وذاك من عباد الله، شعر بالنشوة، وبأنه انتصر على عدو لدود..! فما كان الناس يعرفون مثل هؤلاء الغرباء على الشبكة، إلا أنهم خفافيش ظلامية.. خفافيش سود وحمر وصفر.. إلى آخر قائمة خفافيش الساحات المقيتة، التي انفرط عقدها ذات يوم، فتشرذمت وتهزمت وتفرقت وتقطعت إرباً، بين منتديات أخرى قريبة وشبيهة لتلك الساحات، التي كانت وكراً سمياً خبيثاً ضد هذه البلاد وأهلها على مختلف مذاهبهم وطوائفهم وشرائحهم.

إذا اختفى هذا المنتدى المتطرف، أو خُسف بذاك الموقع المتشدد، فلن تختف الأقلام المتطرفة، ولن تصمت الأصوات المتشددة، لأن البدائل عادة جاهزة، وخير دليل على هذا، ظهور (المجاميع البريدية)، فهي وإن فُهم منها أنها تعبر عن أصحابها فقط، وتعرض وجهات نظرهم، وتشكل وعاءات معرفية لنتاجهم، إلا أن البعض منها، أصبح يشكل مطايا تركبها أقلام المتطرفين، الذين لم يجدوا منفذاً سواها، يعبرون منه إلى الرأي العام، بسبب حجب مواقع أو منتديات كانوا ينطلقون منها في السابق.

زكام المجاميع البريدية، التي تتعاطف مع الأفكار المتطرفة، وتتبنى الطروحات المتشددة، أضحى ضاراً ومزعجاً إلى حد كبير، بل هو أشد ضرراً من زكام إنفلونزا الطيور والخنازير. هو زكام ينقل فايروسات التكريه والتكفير، ويبرر لأعمال التفجير، ويزكي أفعال الشغب والعدوان على الآمنين من عباد الله. ألم يبرر أحدهم عدوان شبان على دار رئيس هيئة مكة مؤخراً، فطارت بتبريره العجيب هذا، مجاميع بريدية فتنية، مؤيدة ومؤازرة..؟!

إن كثيراً من المجاميع البريدية اليوم، لم توجد إلا لتكون بديلة للساحات سيئة الذكر، وللجينيات كذلك، ولغيرها من قنوات التطرف والتشدد، التي تخترق البنية الثقافية والمعرفية للمجتمع، من منطلقات إسلامية وهمية، بحجة الغيرة على الدين، والدفاع عن الإسلام، بينما تبيح لنفسها كثيراً من المحظورات التي منها التشغيب والتأجيج، وخدمة أعداء المملكة، الذين يستهدفون وحدتها وأمنها، فتتبنى وتختلق من القضايا الجانبية، ما يغطي على ممارسات هؤلاء الأعداء، ويبعد الأنظار عن خططهم ومشاريعهم الخبيثة، فتركيز كثير من هذه المنتديات مؤخراً، وما تولت كبره مجاميع بريدية لكتاب معروفين محسوبين على تيارات صحوية وإخوانية، واستهدافهم لأشخاص مخالفين على شكل حملة شعواء، تزامناً مع حرب المخدرات الإرهابية ضد المملكة، لم يأت مصادفة بالطبع، ولا يمكن أن يفهم إلا من قبيل التعمية المقصودة لتهوين الأمر، والتقليل منه، وتمرير هذا كله بسهولة، في انتظار ما هو قادم من حرب إرهابية على هذه البلاد وأهلها.

ليس كل المجاميع البريدية على شبكة الإنترنت بطبيعة الحال سيئاً، ولكن توجد مجاميع تبدو وكأنها جاءت خصيصاً، لتوفر منابر بديلة لأقلام مستفزة، تتنقل بقبحها من موقع متشدد لآخر، ومن منتدى متطرف لآخر مثله، أما إذا تدخلت رقابة مدينة الملك عبدالعزيز، فحظرت وحجبت هذه المنافذ الضارة، عندها تكون المجموعة البريدية لفضيلة الشيخ الدكتور فلان بن علان، أو (المجاهد المتأرنت ABOAZIZ)، هي البديل الجاهز، الذي يحمل راية التطرف والتشدد في المجتمع، لأنه يدخل بدون حياء ولا استئذان، إلى آلاف العناوين البريدية على الشبكة.

ASSAHM@MAKTOOB.COM


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد