Al Jazirah NewsPaper Sunday  09/05/2010 G Issue 13737
الأحد 25 جمادى الأول 1431   العدد  13737
 
عمدة «إسرائيلي» لـ«الضفة» وآخر لـ«غزة» من أصول فلسطينية.. ليس أكثر؟!
د. عبد الله مناع

 

ما انتهت إليه «لجنة متابعة المبادرة العربية للسلام».. في ختام اجتماعاتها بالقاهرة مساء يوم السبت - ما قبل الماضي ، لا يعبر عن «الهوان» العربي فقط.. الذي اعتدناه طوال الثلاثين سنة الماضية، ولكنه يكشف عن حالة «تخبط» نادرة الوقوع

.. لم تعرفها شعوب الأرض ولا دوله قاطبة في مواجهة صراعاتها الكبرى، أدت فيما يبدو إلى ارتكاب مثل هذا النوع من «الفضائح» السياسية ذات العيار الثقيل.. ك «فضيحة» إعلان «لجنة المتابعة العربية» هذه - المعبرة افتراضاً عن إرادتنا العربية الجماعية - عن قبولها باستئناف «المفاوضات غير المباشرة» بين الفلسطينيين و»إسرائيل».. ودون أدنى اعتبار ل «البيان الختامي» الذي صدر عن القمة العربية الأخيرة في مدينة «سرت» الليبية، وتم التوقيع عليه في نهاية شهر مارس الماضي.. أي قبل أسابيع قليلة من انعقاد «لجنة المتابعة» هذه.. والذي شدد على أن (لا مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل إلا بعد إيقاف الاستيطان)!! بل وأكد أمين عام الجامعة العربية السيد عمرو موسى نفسه.. في مؤتمره الصحفي الختامي لأعمال تلك القمة على ذلك.. بقوله: (المسألة الآن لم تصبح مسألة تفاوض، وإذا كان هناك استعداد من جانب الطرف الإسرائيلي للتفاوض، فعليه أن يظهر أنه جاد.. وعليه أن يوقف الاستيطان)!! ولم يعلن الطرف الإسرائيلي عن جديته!! ولم يوقف الاستيطان لا في القدس الشرقية ولا في الضفة الغربية!! بل وأنذر سبعين ألف فلسطيني (غزاوي).. من المقيمين في الضفة الغربية كما يقيم ابن حلب في دمشق وابن الإسكندرية في القاهرة، وابن جدة في الرياض.. بترحيلهم إلى «غزة» بقوة السلاح إن لم يقوموا بذلك طواعية، ومع ذلك أصدرت «لجنة المتابعة» هذه قرارها ب «استئناف» المفاوضات غير المباشرة - التي لم تبدأ أساساً إلا من خلال زيارتي (جورج ميتشيل) الخجولتين لكل من «القدس الغربية» و»رام الله» - استجابة لدعوة راعي السلام الأمريكي المجددة.. أو على وجه الدقة بحجة «التعهدات الأمريكية الجديدة. وما جاء في الرسائل التي وجهها رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس»، والتي لا أظن أن أحداً من أعضاء لجنة المتابعة السباعية أو الخماسية هذه - فليس هناك من فرق - قد اطلع عليها، ولكن ربما سمعوا بها أو لُخصت لهم.. بدليل أن كبير المفاوضين الفلسطينيين (صائب عريقات) نفض يده من أمر هذه المفاوضات بشجاعة تحمد وتحسب له، عندما صرح صحفياً في أعقاب ذلك وكأن الأمر لا يعنيه (إن لجنة المتابعة العربية قررت التمسك ببيانها الصادر في مارس الماضي)..!! إلا (أن الفلسطينيين لن يذهبوا إلى هذه المفاوضات.. في حال تم بناء مستوطنة واحدة)!! بينما قال الرئيس الفلسطيني أبو مازن بهدوء وبرود عجيبين «إن المفاوضات غير المباشرة ستبدأ فور موافقة منظمة التحرير الفلسطينية على ذلك إثر مصادقة لجنة المتابعة العربية عليها»، وعليه.. ستوافق «منظمة التحرير» حتماً.. خاصة وأن لجنة المتابعة هذه.. قد صادقت عليها مقدماً، بل وهوَّن أحد أعضاء لجنة المتابعة (وزير الخارجية القطري) من وقع «فضيحة» التخبط هذه على العرب المتلقين لها.. قائلاً: (لقد مضى شهران والتقييم سيكون خلال شهرين).. وهو ما يعني أن الذهاب إلى تلك «المفاوضات غير المباشرة» قد أصبح في حكم المؤكد.. رغم بيان «قمة سرت» الذي أعلن «بعد» قبول لجنة المتابعة بفكرة المفاوضات غير المباشرة هذه لمدة أربعة أشهر، وليس «قبلها».. بأن لا مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل ما لم يتوقف الاستيطان. فكيف جرؤت «لجنة المتابعة العربية» على أن تواصل استمرارها - فضلاً عن تأييدها - بقبول فكرة «المفاوضات غير المباشرة» مع استمرار الاستيطان.. بعد أن أعلنت القمة العربية «قرارها» الصريح برفضها إن كانت «مباشرة» أو «غير مباشرة»..!!

إن فكرة المفاوضات «غير المباشرة» هذه ول «أربعة أشهر»، التي اقترحها الرئيس أوباما.. أو تفتقت عنها عبقرية أحد مستشاريه، فوجد فيها الرئيس أوباما أفضل مخرج سياسي له من أزمة تعهداته التي أطلقها للفلسطينيين - وللعرب جميعاً - بدعمه ل «حل الدولتين» مع استنكاره ل «الاحتلال الإسرائيلي» و»ذله» في خطابه الشهير والرنان في جامعة القاهرة في شهر يونيه الماضي فصفق له الفلسطينيون والعرب وشعوب العالم المحبة للسلام أجمع.. إنما ولدت - في الأصل - على يديه أو على يدي أحد مستشاريه.. في الغالب، بعد أن اصطدمت إرادته السياسية الواهنة أو «طوباويته» - إن أحسنا الظن - في تحقيق وعوده الفلسطينية - ب «القوة» الإسرائيلية الرافضة ل «السلام» ول «حل الدولتين».. في «داخل» إسرائيل، وب «اللوبي الصهيوني» الأمريكي المتمترس.. «خارجها»، وتأكد له عجز قدراته وإمكاناته عن تليين صخرة الرفض الإسرائيلية.. فأراد أن يحول من «مخرجه السياسي» بداية، إلى «طوق نجاة».. في النهاية، يمكن أن يسترضي به الإسرائيليين بعودة الفلسطينيين إلى المربع الأول، ويحمل العرب بضعفهم وهوانهم على الإمساك به باعتباره قادما من الرئيس الأمريكي نفسه.. إذا أُحسن تقديمه إليهم بشيء من الحبكة السياسية، والإيحاءات، وأجندة الاحتمالات و»بروبوجندا» الإعلام الأمريكي عموماً.

لكن «طوق النجاة» هذا المتمثل في «المفاوضات غير المباشرة».. أضحك العالم والعرب جميعاً، بل وربما بعض أعضاء «لجنة متابعة المبادرة العربية للسلام» أنفسهم، الذين أعلنوا تمسكهم بها.. رغم «إرادة» القمة العربية الأخيرة، فقد كان غارقاً في بحر من المفارقات «الكوميدية» الضاحكة التي لم يرق «شارلي شابلن» بعظمة سخرياته إليها، إلا أنه أُلقي للفلسطينيين في وقت متأخر جداً.. بعد سبعة عشر عاماً من المفاوضات المباشرة الساخنة والمكثفة مع أساطين الحكم الإسرائيلي: من «رابين» و»بيريز» إلى «باراك» إلى «شارون» و»أولمرت»، وبعد خمسة عشر شهراً من وجود الرئيس أوباما في «المكتب البيضاوي» بالبيت الأبيض..

ف «إسرائيل» ستتسلى بهذه المفاوضات غير المباشرة وهي «سعيدة» بها دون شك.. سواء أجراها معها مبعوث السلام الأمريكي «جون ميتشل» أو حبيبها والمدافع عنها «وليم أرينز» وكيل الخارجية الأمريكية العتيد: فهؤلاء هم الفلسطينيون الذين أرغى وأزبد إخوانهم العرب في «سرت» بأن لا مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة دون إيقاف الاستيطان.. يجلسون بعيداً الآن في هدوء ودعة ودون أن نراهم.. وهم يدخنون ويحتسون القهوة في إحدى قاعات الخارجية أو فندق الملك داود.. بينما تصلهم أصوات الجرارات والرافعات و»شواكيش» البناء الإسرائيلية وهي تعمل في بناء ال (1600) وحدة سكنية استيطانية جديدة في القدس الشرقية فلا تسمع لهم صوتاً..!

أما ممثلو السلطة الفلسطينية في هذه المحادثات.. فقد ينشغلون بأمرين: البحث في ملفاتهم وأوراقهم القديمة التي سيصطحبونها معهم.. عن «مكونات» المربع الأول من عناصر محادثاتهم التي أجروها في «مدريد» عام 1991م، وتلك التي أجروها في مبنى الخارجية الأمريكية بواشنطن عام 1992م.. بعد أن بَعُد بها العهد، ومن المؤكد أن الأكثرية منهم سيكونون منشغلين بالسؤال والبحث عن «التعهدات الأمريكية الجديدة وما جاء في الرسائل التي وجهها رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس».. فلا يجدون شيئاً غير ما كانوا يعرفونه وسئموه..!

وربما تتقدم «إسرائيل» في ختام شهر المحادثات الرابع والأخير (أي في نهاية شهر يونيو القادم) ب «اقتراح» للدراسة من قبل الوفد الفلسطيني: بتعيين «عمدة إسرائيلي».. للضفة الغربية، وآخر لقطاع غزة «من أصول فلسطينية».. بما يحقق الانسجام بين مكونات «الدولة»!! ويضمن عدالة توزيع خيرات «الوطن» على الجميع..!؟

إن تصوراً كهذا.. ليس خيالياً وليس مستبعداً، بعد أن قبلنا بقطع مفاوضات «الحل النهائي» بين رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس الوزراء الإسرائيلي.. التي كانت ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية، وقبلنا بتجاوز مقررات القمة العربية الأخيرة بعدم التفاوض دون وقف الاستيطان، وقبلنا بالذهاب إلى مفاوضات غير مباشرة بعد قرابة عشرين عاماً من التفاوض المباشر مع الإسرائيليين.. فإن كل شيء يصبح بعد ذلك محتملاً.. بل ومتوقعاً.

وليس من شك.. في أنها كانت مصادفة سياسية مدهشة أن تنشغل وسائل الإعلام.. طوال أسبوع الجدل السياسي حول «قبول» أو «رفض» «المحادثات غير المباشرة» التي لم تقوَ على غيرها إدارة الرئيس الأمريكي الجديد (باراك أوباما)، ب «خبر» آخر.. أكثر أهمية وقيمة، هو خبر أسطول «السفن التركية» الذي يستعد للتحرك من الموانئ التركية الجنوبية.. إلى الشواطئ الفلسطينية، وبرفقته سفن متعددة الجنسيات.. عليها آلاف المتطوعين الشرفاء، وهم يستعدون للذهاب بها في شهر يونيه - القادم - ل «قطاع غزة» وفك الحصار عنها وتعمير مينائها، وما هدمته آلة الحرب الإسرائيلية «مهما كلف الثمن».. كما قال السيد «بولنت يلدريم» رئيس الوفد التركي من فوق ظهر سفينته.. التي ستقود بقية سفن الأسطول فيما أسماه ب «انتفاضة السفن»..!!

إنه درس تركي جديد: جميل وعظيم.. ل «أمة» آثرت دعة العيش على تبعات النضال ومشقته في سبيل الحرية!؟.

***



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد