Al Jazirah NewsPaper Tuesday  11/05/2010 G Issue 13739
الثلاثاء 27 جمادى الأول 1431   العدد  13739
 
الحبر الأخضر
الحروب التشخيصية
د. عثمان بن صالح العامر

 

ولدت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م عدداً من المصطلحات والأسماء والصفات بل ظهر على الساحة العالمية محللون وكتاب، وعرفت أفكار ومخترعات، ونشأت مذاهب وتيارات، ونتج بين القادة والساسة على المستوى الفردي والرسمي مغازلات وسجالات ومراسلات يحتفظ بها التاريخ في صفحاته بعد أن دونها في قائمة أحداثه، وعقدت مؤتمرات وندوات، وظهرت رايات وشعارات، واهتزت عروش ومقامات، وأبيدت جماعات وهددت أخرى، وما زال الليل حالكاً والفجر كاذباً والصبح بعيداً ولكل أجل كتاب، ومن بين هذه المصطلحات التي ظهرت عشية الثلاثاء الأسود «الحروب التشخيصية» والذي سكه ووضح دلالاته العالم الهندي- الأمريكي الأستاذ الدكتور: «أرجون أبادوراي» أستاذ الدراسات الدولية في جامعة بيل الأمريكية، فهو ينظر إلى أن الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي عملية واسعة النطاق نفذها أشخاص مجهولون وغير منظورين، ولم يعلنوا انتماءهم إلى دولة معينة ذات هوية سياسية معروفة وحدود جغرافية معلومة، مفتتحين بهذه الضربة المذهلة «عصر الحروب اليتيمة»، حروب كهذه - في نظره - تجعل من غير الملائم النقاش حول وجود حروب عادلة على الساحة العالمية، وتدفعنا إلى التوجس من صراعات لا ترتبط بالحدود المرسومة على خرائطنا، والتي تحدد مدى السيادة والمصلحة الوطنية، إذ إن هذا الهجوم على عكس قصف هيروشيما وناغازاكي لم يهدف إلى قتل المدنيين الذين كانوا هناك بل كان القصد تدمير فكرة وجود مدنيين أصلاً على هذا الكوكب الأرضي، وهنا تكمن الخطورة. وهذا أدى إلى انزلاق الدول واندفاعها نحو أشكال عدة من عنف تشريح الأحياء وهو ما أسماه «ارجون» بالحروب التشخيصية والتي هي - في نظره - (تلك الحروب التي نلجأ فيها إلى العنف من أجل اكتشاف العدو ومن ثم القضاء عليه) أي إن هذا العنف لا يستهدف عدواً محدداً وإنما يعمل أولاً على تحديد العدو سواء على مستوى الأفراد أو المنظمات والهيئات أو الدول والتجمعات حتى ولو كانت أقلية معزولة وضعيفة، ولذا دخلت دول عدة في عمليات شاملة تنحو باتجاه توسيع غير محدد لمفهوم الأمن. واتخذ «ارجون» من تصنيف الناس من خلال سحنتهم أو لهجتهم أو أسمائهم والتدقيق البدني الذي يظهر في المنافذ الدولية وعند نقاط التفتيش وفي المناسبات مؤشراً على بدء مرحلة حروب التشخيص هذه، وهذه الحال التي عايشها ويعايشها إنسان القرن الجديد خاصة العربي المسلم وعلى وجه الخصوص السعودي في بلاد الغربة الغربية (تجعل الحرب هي التي تصنع العدو وليس العدو هو الذي يولد الحرب)، وفي اعتقاد هذا الأكاديمي المعروف بأن العالم يتهيأ لحروب تشخيصية جديدة ومستمرة وربما يطول مدها لأجيال، هدفها التفتيش عن العدو لضربه والقضاء عليه ثم عن العدالة - طبعاً بثوبها الغربي - لتطبيقها في هذه الدولة أو تلك!!. والقارئ لمعطيات الواقع يلحظ أن هذا اللون من الحروب «الحروب التشخيصية» ولدّت الكره في نفوس كثير من الشعوب خاصة المسلمة، وربما خلقت في المستقبل أعداء جدداً في الخارطة العالمية، ومتى ما بقيت هذه الحروب التشخيصية جاثمة على صدور الدول والشعوب فهي جزماً ستكون وقود الصراع وفتيل المعارك سواء أكانت معارك عسكرية أو فكرية وكلامية، وعلى افتراض التسليم بالأجندة الغربية لحقوق الإنسان فهي تتناقض - أي هذه الحرب التشخيصية - في بعض صورها مع عدد من البنود الرئيسة التي كثيراً ما افتخر بها الغرب وروج لها في بلاد العالم الثالث، وعلى افتراض - تجاوزاً - أن هذه الحروب التشخيصية استطاعت التوصل لمعرفة العدو وتم القضاء عليه، فهل من السهل وضع معالم العدالة التي تتلاءم وهذا الجزء من العالم أو ذاك؟، إن واقع دولة العراق العربية المسلمة خير شاهد وأعظم دليل على غياب معالم العدالة التي أرادها الغرب وادعى حمل مشعلها الوضاء الذي به سيرى هذا الجزء من العالم الثالث النور، ويعرف معالم الطريق لبناء حضاري واعد، ويعيد جسده المتهالك إلى سابق عزه بل إلى حال أفضل بكثير مما كان عليه، هذا هو الدرس ونحن مدعوون للتأمل فيه وقراءته من جديد والتعامل معه حسب المعطيات وبناء على الإرهاصات والتوجسات ومن خلال سبر الواقع السياسي الداخلي منه والخارجي، كما أن العالم العربي والإسلامي قادة وشعوباً مدعوون لقراءة تجربة المملكة العربية السعودية في منهجية تعاملها مع هذا اللون من ألوان الحروب الواسعة واحتوائها بسياسة متزنة وبعد نظر واع ومدرك للعواقب والنتائج الحالية والمستقبلية، وإلى لقاء والسلام.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد