Al Jazirah NewsPaper Tuesday  11/05/2010 G Issue 13739
الثلاثاء 27 جمادى الأول 1431   العدد  13739
 
لما هو آت
حكمة التضاد...!
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

في التضاد حكمة، ولأن للإنسان حواسه التي ترى وتشم وتسمع وتتذوق وتلمس، وله أن يتفكر ويتأمل، يدرك، ويستوعب، يعي ويفهم، فإن الطبيعة التي تحيط به كون، كل تكوين فيه خصب لتفكره وتأمله، وتذوقه، وشمه، ورؤيته، والإصغاء له ولمسه، واستيعابه، وفهمه والوقوف أمام ظواهره، ومعطياته، وتفاعله، وظواهره، ومواسمه، ومتغيراته.

وما أفتن ألوانه، وأجمل أشكاله، وأبهج روائحه، وما أقسى لهيبه، ونيرانه، وأغبرته، وأمواجه، وسيوله، وحفره وانشطاراته، وما أرحم أمطاره، وأنهاره، وثماره، وظلاله، وبرده، ونسائمه، وما أصعب حره، وخريفه، وريحه، وشتاءه،...

ما أبدع تضاده فالبركان الحارق المدمر، الممتد لسجف الفضاء لوحة مهيبة من الجمال وإبداع صنع الله.. والسحاب المخضل بالمطر ماء الرواء.., محرض الإحساس بندى النفوس ومشيع زخم الأريج، رسول البروق والصواعق على ما تثيره من الشعور بكمال الله تعالى في خلقه، ومنتهى القدرة في رسمه ووصفه، تعمم مخافة النفوس بكوارث الانهيارات والتصدعات والانفطارات.

تضاد مذهل.. في كون مفحم للإنسان.. حين يحسب أنه بعلمه ومنجزاته وفهمه وعقله قد بلغ شأوا.. تأتيه من حيث مأمنه وطمأنينته، وتمتعه بجمال ما يرى ويسمع ويشعر ويتفكر ويدرك ويعي، كل آية بوجهها الآخر.. فلا يقوى الريح، ولا يأمن السحاب، ولا يطهره المطر، ولا يهبه البركان خيرات الأرض وحدها.. يدكه الجمال في الآيات الإلهية، بتضاده.. حيث تنهمر دموعه، وترتعد أطرافه، ويولي هاربا لدار تأويه، أو نفق يحميه، أو ثوب يلم ضلوعه،.. أو سقف يصد عنه الماء، أو باب يصد عنه الريح...

يغرق في شبر من الماء، ويرتعش من نذير طارئ، عابر بليله أو مار بنهاره...

للتضاد حكمته العميقة تلك التي لم تفرغ لها خانة في حواس الإنسان، ولا ثانية من زمن تفكره، ولمحات تأمله.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد