«الجزيرة» - إبراهيم الروساء
(ذبح البيئة) كلمتان ثقيلتان في ميزان الحياة البرية، فلم يعد الرعي الجائر والاحتطاب العشوائي هما ما يهدد البيئة ويفت في عضدها؛ فقد ظهر على السطح اعتداء من نوع آخر، طريقته بشعة، وأسلوبه همجي، يهدف لهدم البيئة بذبحها بأيدي أبنائها دون مراعاة للأنظمة الصارمة التي تقضي بحماية الحياة الفطرية في الوقت الذي تشهد فيه صحاري المملكة انقراض العديد من الحيوانات وأخرى مهددة بالانقراض.
شاع مؤخراً في الموقع التفاعلي الشهير - فيس بوك - مقطع يظهر فيه أشخاص قاموا بمجزرة وحشية واصطياد العديد من حيوان المها العربي (الوضيحي) وعدد أكبر من الغزلان البرية في نفود الربع الخالي، ويظهر في المقطع أكوام اللحم المنتفخة وقد رصّت في سيارة جيب شاص. المقطع أثار حفيظة كثير من المهتمين مستهجنين هذا السلوك ومطالبين بوقوف المجتمع بجميع مؤسساته ضد هذه الممارسات التي تنتهك البيئة، وطالب العديد من المسئولين والمتخصصين على حد سواء بوضع التوعية بالبيئة والمحافظة عليها في سلم أولويات التربية والتعليم داخل البيت والمدرسة والمسجد. وطالب البعض هيئة كبار العلماء لإصدار فتوى تحرم انتهاك المحميات والعبث بالمكتسبات الطبيعية الفطرية التي صانتها الدولة وسعت إلى حمايتها من المعتدين.
حول هذا الموضوع التقت (الجزيرة) بسمو الأمين العام للهيئة السعودية للحياة الفطرية الأمير بندر بن سعود بن محمد آل سعود الذي أكد أن هذه الجريمة البشعة التي ارتكبت ضد الحياة الفطرية لن تمر هكذا من دون إنزال العقوبة على المعتدين، وسوف تقف الهيئة بكل ما أوتيت من قوة لردع مثل هؤلاء المعتدين على الحياة الفطرية وبيئاتها الطبيعية، وقال سموه (هذا هو موقف الهيئة وموقف الهيئة السعودية للحياة الفطرية).
وشدد سموه أن هذه السلوكيات الخارجة عن القانون لا تقف عند العبث بالبيئة فحسب بل تمتد إلى هدر المال والجهد والوقوف أمام تحقيق الهيئة لأهدافها وتطلعاتها ومهامها الوطنية الموكلة إليها وفقاً لنظامها الأساسي يقول سموه (ستعمل الهيئة جاهدة للتصدي لمثل هؤلاء سواء حدث ذلك داخل المنطقة المحمية أو خارجها) وأشار سموه إلى أن القضية برمتها الآن قيد البحث والتحقيق من قبل الجهات الأمنية.
ولفت سموه أن الحادثة لم تثبت إلى الآن أنها داخل أحد محميات الهيئة ولم ينف في ذات الوقت أن تكون قد حدثت خارج المحمية، وقال سموه في إجابة عن سؤال (الجزيرة) حول هذا الجانب لم يثبت حتى اليوم أن هذه المذبحة الشنيعة للمها العربي والظباء حدثت داخل محمية عروق بني معارض كما لم ننفي بالقطع أنها حدثت خارج المحمية.
وركز سموه أن هذه الاختراقات البيئية تجابه بالعديد من الإجراءات النظامية التي تتخذها الجهات الأمنية المعنية مضيفاً أن هناك لجانا خاصة بالمحاكمة مشكلة من قبل إمارات المناطق والهيئة، منوهاً أن هذه اللجان المشكلة مختصة بعمل إجراءات المحاكمة وإصدار العقوبة المناسبة، وقال سموه (إن ذلك يطبق وفقاً لنظام صيد الحيوانات والطيور البرية ونظام المناطق المحمية للحياة الفطرية).
وتطرق سموه إلى أن هذه القضية ومثيلاتها من الجرائم المركبة حيث إنها جريمة ينطوي عليها عدد من الجرائم، وقال (كما يرى بعض القضاة والمحامين أن مثل هذه الجريمة مركبة لأن المتهمين ارتكبوا عدة جرائم وهي مخالفة أنظمة المحافظة على الحياة الفطرية، ومخالفة نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية مقترحين تطبيق العقوبة على كل مصيد بغرامة منفصلة غير مجتمعة ومصادرة الأسلحة والأدوات والسيارات المستخدمة في الجريمة. ورأى سموه أن هذا التفسير هو ما تؤيده الهيئة بتطبيق العقوبات على كل جريمة.
وعن الخطوات الاحترازية التي اتخذتها الهيئة السعودية للحياة الفطرية داخل المحميات أجاب سموه أن الهيئة تركز على تدعيم وتكثيف المراقبة بزيادة عدد الجوالين والمراكز وتدريب الجوالين على التقنية الحديثة والتعاون والتنسيق مع أصحاب السمو أمراء المناطق والمحافظين ورؤساء الشرط والجهات الأمنية ذات العلاقة، بالإضافة إلى تكثيف برامج التوعية البيئية والتعاون مع شيوخ ووجهاء القبائل لدعم جهود المحافظة.
وبين سموه أن العمل يجري حثيثاً لتعديل الأنظمة والتشريعات الخاصة بحماية الحياة الفطرية ومنها: تشديد العقوبات على المخالفين وسرعة تطبيقها، وقال سموه (ضمن الخطوات التي تسعى الهيئة من خلالها لتطويرها، ومع ما يتواءم مع مهامها الجسيمة، فقد اقترحت الهيئة إنشاء جهاز عام متخصص بأمن البيئة وتوكل إليه متابعة وضبط مخالفي الأنظمة والتشريعات ذات العلاقة بالبيئة والحياة الفطرية خارج المناطق المحمية).
ولم يخفِ سموه أن الأنظمة بحاجة على مزيد من التعديل والتطوير لردع مثل هذه التجاوزات على البيئة والمحافظة على المكتسبات الحيوانية، وقال سموه (نحن بحاجة إلى تعديل الأنظمة والتشريعات ذات العلاقة بالإضافة إلى مزيد من التشديد في إيقاع العقوبات على المخالفين وسرعة محاكمة المخالفين وتطبيق العقوبات. وألمح سموه إلى أهمية التوعية البيئية المستمرة من خلال تعاون البيت والمدرسة منوهاً في هذا الجانب أهمية الأدوار التوعوية لدور العلم والعلماء والمشايخ ووسائل الإعلام كافة المقروءة والمسموعة والمرئية.
وعن معاناة الهيئة من الاختراقات ودخول المحميات والصيد فيها، قال سموه (كما تعلمون فإن اختراقات وانتهاكات كافة الأنظمة والتشريعات تحدث على مستوى دول العالم سواء في مجال الحياة الفطرية أو غيرها من المجالات الأخرى، وهي دائماً تحدث من قبل قلة ضعاف النفوس وغير مدركين لما يقومون به من تعديات سافرة على ثروات الوطن وعلى مكتسباته).
وأضاف سموه (ولأن الحياة الفطرية لا يقتصر وجودها على المناطق المحمية فقط فهي منتشرة على نطاق البلاد لذا تحدث مثل هذه الاختراقات). وزاد سموه (كما أن المناطق المحمية غير مسيجة ما عدا محمية محازة الصيد وتغطي هذه المحميات مساحات واسعة لذا تقوم قوة المراقبة الأرضية من الجوالين والمراقبة الجوية بجهود حثيثة لمراقبتها، مع ذلك فإن بسط مظلة الحماية والمراقبة يتطلب تعاون وتكاتف الهيئات والجهات الحكومية والأهلية والأفراد والأسرة للتوعية بأهمية المحافظة عليها من خلال تحكيم الضمير والمسؤولية الوطنية).
وفي سؤال لـ(الجزيرة) عن ما حدث مؤخراً في صحراء الربع الخالي من مجزرة بيئية تستدعي إعادة النظر مرة أخرى في التطبيقات الاحترازية والوقائية التي تقوم بها الهيئة وتأتي التوعية في واجهة هذه التطبيقات أجاب سموه بقوله (في الحقيقة إن الهيئة السعودية للحياة الفطرية وقبل وقوع هذه الفاجعة في الربع الخالي تعمل بكل قوة نحو إعادة هيكلتها وتطوير إستراتيجيتها التوعوية كما تعمل جاهدة على تعديل الأنظمة والتشريعات الخاصة بالمحافظة على البيئة والحياة الفطرية إلى جانب ما ذكر آنفا من تدريب الجوالين واقتراح إنشاء جهاز عام متخصص (أمن بيئة).
وأردف سموه قائلاً عن التوعية (وفي مجال التوعية فإنه وفقاً للإمكانات المتاحة تبذل الهيئة جهوداً حثيثة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم للتوعية البيئية في المدارس المحيطة بالمناطق المحمية من خلال تنفيذ برامج توعوي تحت شعار «نحميها لتنمو» لطلاب وطالبات المدارس الثانوية والمتوسطة، كما تستعين بمستشار شرعي لتوضيح رؤية الشريعة الإسلامية تجاه المحافظة على البيئة والحياة الفطرية وتناشد الهيئة دوماً وسائل الإعلام والعلماء والمشايخ للمساهمة في توعية المجتمع. وأضاف سموه (كما تقوم بتنظيم لقاءات مباشرة لسمو الأمين العام للهيئة مع المواطنين ورؤساء الأجهزة الحكومية حول المناطق المحمية في إطار برنامج توعوي يشمل كافة المناطق بغرض التواصل مع المواطنين وتعريفهم بمهام الهيئة ودورهم في المحافظة على الحياة الفطرية، وأن المحافظة عليها هي من أجل منفعتهم ومنفعة الأجيال القادمة.
وأوضح سموه أن الهيئة تحرص غاية الحرص على إنتاج الإصدارات التوعوية والأفلام التسجيلية وإقامة المعارض التوعوية والمشاركة في المهرجانات الوطنية إلى جانب استقبال زيارات المدارس والمواطنين على مدار العام في مركز الزوار للتوعية البيئية. وتخطط لإنشاء مراكز توعية فرعية بكافة المناطق المحمية خلال السنوات المقبلة إن شاء الله.
وما يجدر الإشارة إليه إلى أن وزارة الداخلية قد أعلنت في وقت سابق لعموم المواطنين والمقيمين بالمملكة وحرصاً على الحفاظ على الحياة الفطرية في البلاد قد حظرت وبشكل قاطع صيد الغزلان والوعول والمها وكذا المفترسات مثل النمر العربي والوشق والذئب والضبع والطيور الجارحة في مختلف أوقات السنة، وحضر استعمال بنادق الرش والشوزن أو أي اسلحة نارية أو استخدام أية وسائل أخرى تؤدي إلى اصطياد أكثر من حيوان أو طير دفعة واحدة كما يحظر صيد الضب باستخدام عادم السيارة أو الاغراق بالماء بالإضافة إلى حظر الصيد ليلا بما في ذلك شبك الصقور، وصيد جميع أنواع الحيوانات أو الطيور داخل حدود المدن والقرى وفي المناطق المحمية التي حددتها الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها.