Al Jazirah NewsPaper Tuesday  18/05/2010 G Issue 13746
الثلاثاء 04 جمادىالآخرة 1431   العدد  13746
 
الملك خالد.. سبع سنوات سِمَان
فضل بن سعد البوعينين

 

يصف الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز، أمير منطقة عسير، والده الملك خالد، رحمه الله، بقوله: «كان بسيطاً جداً لم يتغير منذ أن كان مواطناً، فنائباً لرئيس مجلس الوزراء، ثم ملكاً، ورئيساً لمجلس الوزراء؛ حياته لم تتغير إطلاقاً».

وكنت قد أشرت إلى بساطة الملك خالد، رحمه الله، في مقالة «وصية ملك» حين أوردت ملاحظات رئيس شركة بكتل العالمية، وفريق عمله، الذين اجتمعوا بالملك خالد قبيل البدء في إنشاء مشروع مدينة الجبيل الصناعية الضخم؛ والتي جاء فيها على لسان أحد مرافقيه: «كنت أعتقد، وأنا ذاهب ضمن وفد الشركة، أننا سنواجه الكثير من النقاط الأمنية، والتعقيدات البروتوكولية قبل أن ندلف إلى ديوان الملك، وقد ذُهلت وأنا أرى الملك خالد ضمن عدد قليل من جلسائه في موقع صحراوي بسيط، مُجرداً من مظاهر الترف. لم تكن الإجراءات الأمنية ظاهرة، أو يبدو أنها كانت ضمن الحد الأدنى غير الملاحظ. أكثر ما لفت انتباهي، إصرار الملك خالد، رحمه الله، على إشراك المواطن، وسكان المدينة الحاضنة للمشروع في العوائد المالية المتوقعة، والتنمية التي يمكن أن تجعل الإنسان جزءاً منها».

في زيارته لمدينة الجبيل بمناسبة وضع حجر الأساس لمشروع مدينة الجبيل الصناعية، تجلّت بساطة الملك خالد مع الشعب، واختلاطه بهم، وتقبله منهم الملاحظات المباشرة التي خَلَت، في معظمها، من القيود البروتوكولية، والدبلوماسية؛ لم يكن الأمر مريحاً للآخرين، إلا أنه كان طبيعياً، ومحبباً للملك خالد الذي كان أكثر أريحية وبساطة من مسؤولي المراسم، ومعاونيهم.

جمع الملك خالد، رحمه الله، بين الرحمة والشفقة على الشعب، والبساطة والحزم في شؤون الدولة، وكل ما له علاقة بشؤون الدين، وما يمس المواطنين. نَقَلَ أحد الأخوة الفُضلاء حادثة وقعت في ديوان الملك خالد، حين دنا منه، رحمه الله، أحد المواطنين وناجاه بصوت خفي عمّا وقع عليه وأسرته من ظلم أحد المسؤولين في منطقته، فتأثر الملك لشكواه، وأدمعت عيناه، فمسحها بطرف شماغه، وأمر بتشكيل لجنة عاجلة للتحقق من الأمر، وإنهاء ما وقع على الرجل من ظلم. وفي استقبالٍ لاحق، جاء الرجل متهللاً لا يكف عن الدعاء للملك. سُئِل عن أمره، فسرد لسائله الحادثة التي أبكت الملك خالد، وجعلته يَستعجل حلّها، والاقتصاص للمواطن البسيط وأسرته، من المسؤول الكبير وممن أعانه على ظلمه، وزاد أن وهب المظلوم من المال ما يرضيه، وكأنه يشتري مظلمته منه، ويبريء الذمة مما جناه الآخرون، كما فعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. وينقل الدكتور محمد عبده يماني، وزير الإعلام في عهد الملك خالد، أن الملك كان يوصي وزرائه في معظم اجتماعاته بقوله: «يا جماعة اتقوا الله في الناس، أنا أُبرِيء ذمتي، والله إبراء ذمتي جعلتها في أعناقكم، لا ينظلم مواطن، اتقوا الله».

سبع سنوات سمان، حصيلة عهد الملك الصالح، أفاء الله فيها بالخير الوفير على هذه البلاد الطيبة، ارتفعت أسعار النفط، ونجحت المملكة في زيادة حجم الإنتاج، ما نتج عنه زيادة كبيرة في إيرادات الدولة، فتضاعف دخل الفرد، وعم الخير، وأرسى الملك خالد إستراتيجية التنمية الخمسية، فأشرك المواطنين جميعاً في خيراتها. حظي الموظفون بزيادات مطردة في الأجور، وبدأت الصناديق التنموية، العقارية، الصناعية، والزراعية في تقديم القروض الميسرة للمواطنين والمستثمرين، ونشط بنك التسليف في عمليات الإقراض المباشرة. وضع الملك خالد، رحمه الله، حجر الأساس لمدينة الجبيل الصناعية معلناً قيام أكبر تجمع صناعي في المنطقة، وهي مفخرة الصناعة البتروكيماوية السعودية، وأكثر القطاعات غير النفطية مساهمة في الناتج المحلي.

أكرم الله، سبحانه وتعالى، الملك الصالح بسبع سنوات خضراء فشكر وذكر، وقسم الخيرات على مواطنيه بطرق شتّى، وحرص على توزيع الثروة، وأوصى الشركات العالمية بمد يد العون للمواطنين، وإشراكهم في ثمرات مشروعاتهم الضخمة، كانت خططه، رحمه الله، تدفع نحو التنمية الشاملة، وإشراك المواطنين في خيراتها، وما ينتج عنها من فوائد مباشرة، وغير مباشرة، فزاده الله بسطة في الخير، ورقة في القلب، وعظمة استمدها من تقوى الله عزَّ وجلَّ.

سبع سنوات سمان، وكأن السبع كانت من بركات ذلك القائد، قبل أن تجري البركة في أيامه جميعاً.

رحم الله الملك خالد بن عبدالعزيز رحمة واسعة، فقد كان أباً وأخاً لشعبه قبل أن يكون ملكاً عليهم؛ وحريصاً على توزيع الثروة، وإشراك المواطنين فيها، وبانياً لمدنهم، وقراهم؛ خالطهم بالرحمة واللين، فاستحق منهم ذلك الحب الجارف، والذكرى الطيبة، والسيرة العطرة، والدعوات الصادقة الدائمة، التي ما زالت تتردد حتى اليوم؛ نسأل الله القبول والإجابة.

***

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد