Al Jazirah NewsPaper Wednesday  19/05/2010 G Issue 13747
الاربعاء 05 جمادىالآخرة 1431   العدد  13747
 
نبض الخاطر
المسئولية الاجتماعية (هل هناك جرس يعلق؟)
محمد المهنا أبا الخيل

 

في هذه الأيام يتداول تنفيذيو المؤسسات السعودية تعبيراً جديداً عند الحديث عن مدى تفاعل مؤسساتهم مع دورها الاجتماعي، هذا التعبير هو المسئولية الاجتماعية للمؤسسات (corporate social Responsibility)، ويشار له بالاختصار (CSR). هذا التعبير ظهر في السبعينات عندما باتت المؤسسات التجارية العالمية تدرك خطورة القيود البيئية والاجتماعية التي تسنها البرلمانات المنتخبة على عملياتها في العالم المتقدم، فبادرت لتبني دور اجتماعي تلزم نفسها من خلاله بمعايير وقيم وتوظف القدرات والموارد في سبيل قيام مشروعات ذات طابع غير ربحي وموجه لمنفعة المجتمع، وذلك في صورة رد فعل لتحجيم حماس تلك البرلمانات لسن قوانين ملزمة. المؤسسات السعودية اليوم تتلقف هذا التوجه دون تأسيس فلسفي لدورها الاجتماعي، فتبدو هذه المبادرات مجرد مقترحات استشاريين وجدوا سلعة جديدة للبيع.

لم أعثر على توثيق يستند عليه في تحديد متى أُطلقت أول مبادرة تعبر عن مسئولية اجتماعية، فهناك مبادرات حدثت في القرن التاسع عشر وكانت مبادرات فردية دوافعها فيما بدى لي دوافع دينية، ولكن من المؤكد أنه بعد ذلك توالت المبادرات، وكان لظهور ونمو فكر العلاقات الإنسانية في الإدارة دور كبير في تأصيل منهج العمل الاجتماعي. فحين تم صياغة مفهوم تحسين عوائد المنتفعين (stakeholders) كجزء من رؤيا المؤسسة الحديثة وعرف المجتمع بشموله كأحد المنتفعين بات على المؤسسات إيجاد قالب فلسفي وتشريعي يحوي مبادرات موجهة للمجتمع. وفي البداية تم صياغة تعبير المواطنة المؤسسية (Corporate citizenship)، وساد ذلك التعبير في ثمانيانات وتسعينات القرن العشرين، ولكنه تحول في بداية هذا القرن لتعبير المسئولية الاجتماعية عندما واجه التعبير السابق انتقادات، تمثلت في كون تعبير المواطنة يلزم المؤسسات بأهداف وتوجهات لا تنسجم مع نشاطاتها الدولية، حيث تسعى تلك الشركات للخلاص من الانتماء الأممي في سبيل الانتشارالعالمي، لذا برز تعبير المسئولية الاجتماعية لإعطاء دلالة أكثر لتوجه تلك الشركات للمجتمع كونه يعطي مدلولاً عاماً للبشرية.

المسئولية الاجتماعية كنهج سلوكي متأصل في مجتمع المملكة، فهي أحد القيم العليا التي انطلق بها الإسلام لينتشر في أصقاع الدنيا. ولكن المسئولية الاجتماعية في الفكر الديني هي فرع من فروع التقرب إلى الله بالأعمال الحسنة، لذا فهي تنافس الأعمال الخيرية الأخرى كالصدقة وعمارة بيوت الله وغير ذلك من القربات، وهي بذلك قليلة الحظ في منافسة الأعمال الأخرى على الموارد والجهود، لذا تقتصرالمسئولية الاجتماعية في كثير من الحالات على الجهود الفردية. هذا ما جعل المسئولية الاجتماعية تغيب عن الأذهان عند التفكير في عمل يراد به وجه الله، ثم أن أعمال القربات لله سبحانه وتعالى فردية الأصل والمنهج، فنادراً ما يعقد جماعة النية لعمل مشترك يراد به القربى لله، وحيث إن المؤسسات الاقتصادية السعودية نمت في واقع لا يلزمها اخلاقياً بمسئوليات تجاه المجتمع، لما لتلك الأعمال من صبغة فردية تقربية كما أسلفت، لذا لم يتأس لديها فلسفة ومنهجية للعمل الاجتماعي، وما تقوم به بعض المؤسسات حالياً يمكن أن يندرج تحت مفاهيم تسويقية او استرضائية لضغوط رسمية، فتأتي تلك المبادرات دون سابق تخطيط وكثير من تلك المبادرات على ضخامة تكلفتها تفتقر للتناسق مع بعضها ويكاد يكون أثرها محدوداً إن لم يضمحل خلال فترة قصيرة.

إن المؤسسة السعودية وهي اليوم قد بلغت مبلغ الشركات العالمية من حيث وفرة الموارد وحسن التنظيم والإدارة، بات عليها أن تعيد صياغة مفاهيمها حول أهلية المنتفعين بما فيهم المجتمع بشموله، وأن تنتهج فلسفة مستمدة من القيم المؤسسة لها، فتضع ضمن أدوارها المتعددة دوراً مركزياً يقوم على الاعتقاد بكون المؤسسة كياناً اعتبارياً مستقلاً تقع عليه مسئولية تجاه تحسين ظروف المجتمع الحياتية، لذا لابد أن يتأسس في المملكة ودون إبطاء جمعية عامة تؤسس وتنظم نشاطات المسئولية الاجتماعية وتعمد لصياغة ضوابط ومعايير تستمد من معايير الأيزو (ISO26000) والخاصة بنشاط المسئولية الاجتماعية، أو تشجع تطبيقها كمتطلب من متطلبات الالتزام بالمسئولية الاجتماعية، فما يتم صرفه سنوياً من قبل المؤسسات السعودية من مبالغ مالية وما يتم توظيفه من جهود يمكن أن تصب في العمل الاجتماعي لا يجوز أن يستهان بها وتترك للجهود المتفرقة، فالعمل الاجتماعي المؤسسي في واقعه الحالي لا يمكن أن يقال عنه سوى أنه فوضوي، ناتج لردود فعل غير منتظمة، ومشتت الاتجاه بحيث لا يحقق أثراً يذكر.



M9002m@gmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد