Al Jazirah NewsPaper Thursday  20/05/2010 G Issue 13748
الخميس 06 جمادىالآخرة 1431   العدد  13748
 
الوايلية.. حياة من نوع آخر!
رمضان جريدي العنزي

 

هربوا من الفقر والعوز والفاقة فأصبحت الخيام وصفيح الخشب مأواهم، قرب مدينة حفر الباطن وبمحاذاة الطريق الدولي باتجاه الشمال وفي منطقة الوايلية بالتحديد تثيرك أكثر المشاهد إيلاماً عندما يقع بصرك على مجموعة كبيرة من صفيح الخشب والخيام الممزقة خيطت من أقمشة بالية متنافرة الألوان، تعصف بها الرياح والأتربة تحت لهيب الشمس وقر البرد، لتترك ساكنيها في نهاية المطاف بوضع مزرٍ يفتقد إلى أدنى مقومات الحياة وضرورات العيش الإنساني الكريم، عند الاقتراب ترى مساكنهم خالية إلا من بسط رثة تصنعها نسوة تنطق بالألم، سحنات سكان هذه المنطقة متربة ومشبعة بالغبرة والأسى، عيونهم تروي حكايات الأنين والحزن، أطفالهم يخرجون في الصباحات الباكرة لا للمدرسة والدرس بل لجمع العلب المعدنية الفارغة والعتيقة من أماكن القمامة والنفايات والمزابل لبيعها وتأمين الكفاف والبحث عن ما يسد الرمق، بعد أن بحثوا كثيراً عن مصدر رزق آخر دون جدوى، حتى مواشيهم القليلة التي ينتفعون بها من جراء حلبها ضمرت وهزلت وجف ضرعها لأنهم عجزوا عن إطعامها وسقيها، بسبب ارتفاع الأعلاف فمات بعضها وبقي الآخر القليل يمارس فقط عملية (الثغاء)، المنطقة لا ماء ولا كهرباء رسمي فيها، الماء يجلب بالصهاريج وبال(دين) المعسر، والكهرباء من خلال مولدات كهربائية ذاتية صدئة قديمة مهترئة وكثيرة العطل والانقطاع ولا تخدم أو تعمر طويلاً، أقسم أن نحول الأجساد التي رأيتها والتي تتشرد في ثيابها الداكنة الصفراء تجبرك على إطالة النظر في حالهم، فهناك من المناظر لديهم ما يكفي لأن نستدين البكاء، وما يكفي لأن نتسول من المتخمين بالأموال وملاك حمر النعم حفنة تبرع صغيرة تقضي حوائجهم وتعيد البهجة إلى نفوسهم المكدرة وإلى حناجرهم زغاريد الفرح وأهازيج المتعة، إنهم بشر لكنهم عالقون في التوجس، ومقيمون في صومعة الأسى، أجسادهم غفت فيها طحالب الألم حتى صارت جزءاً منهم، نفوسهم مجمرة قبالة الأمل، حزنهم الشلالي يأخذهم في غيبوبة سوداء، والحاجة عندهم تشبه الغسق المضبب، الليل ينحدر فوق قلوبهم، والرياح العاتية تشرع أبوابهم لتلج وتخرج حاملة معها قصصاً كئيبة ومضنية وبائسة، لهم توق شديد للعافية، أرواحهم هائمة وشفقهم يفلق الهواء، أرواحهم تتقارب فيها الهزيمة، ترتعش كل الأشياء في يديهم، أحلامهم جرفتها نائبات الليالي، يتحركون ببطء ثقيل، حتى لكأن أرواحهم كالأمواج تعاني تغيراً، أو مثل الجسد لحظه نشوئه، يتفرسون خطوط الحياة الملتمعة وهي تتطاول مستقيمة دونما انكسار، طيورهم البيضاء تتهاوى فوق أرضهم الشحيحة، حركات النار الملتهبة تشبه أنفاس أرواحهم الملتهبة وهي تمضي مرتفعة جارفة صخور زفيرهم، أيامهم لم تعد تهطل مطراً، لأن الرياح ظلت تجيء غير مشبعة بالرطوبة، ولأن تيارات غيومهم تقاطعت مساراتها، طرقهم وشموسهم ترتجف مثل جسد رقيق، محاولات الانفلات من جمودهم إلى الحياة عصفت بها الريح، يهوون في فراغ لانهائي، فراغ حارق له نصوص الموت والحياة والصرخة الحبيسة، يخشون من السقوط في المرايا، لأنهم لا يستطيعون الزحف وحيدين في فضاء واسع، إنهم مثل جسد ينهض لكنه محترق أو داكن أو مجلل، علينا أن نحتويهم يوم تركهم الموسرين وملاك المال والذين يكنزون الذهب والفضة ويجلسون على نمارق مصفوفة وسرر وثيرة ويشربون بأقداح ملونة، إن على هؤلاء أن يتداخلوا مع هؤلاء بحب وبرغبة وتهليل ليجعلوهم أجساداً حية تتحول إلى صدى ينهض كسرب بشري معافى ليتغير ليلهم إلى شمس ونهار، ولكي لا يزحفوا ويحيدوا فوق أرض خرابهم بلا عشب ولا ماء ولا صوت عصفور، تلك هي منطقة الوايلية لمن لا يعرفها بوجهها المحترق وغيومها الداكنة وإنسانها الحزين وطفلها البائس، فهل يهب هؤلاء الأغنياء من الذين لديهم مقدرة ونخوة وفزعة وإنسانية وبقية دين ويبادروا إلى شد الرحال هناك ليروا ما رأيت ليبكوا بعدها كثيراً أو ليشحذوا حينها البكاء.



ramadanalanezi@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد