Al Jazirah NewsPaper Thursday  20/05/2010 G Issue 13748
الخميس 06 جمادىالآخرة 1431   العدد  13748
 
شيء من
التوحيد والحركيون
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

ما من طالب علم درسَ في هذه البلاد إلا وتعلم أن أقسام التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. وقضايا التوحيد (توقيفيّة)؛ تثبت بدليل من القرآن، أو من السنة الصحيحة؛ ولا مجال فيها للرأي والاجتهاد؛ و لا يجوز (مخالفتها) لأن المخالفة تخرج المسلم من دائرة الإسلام؛ فلا يمكن -مثلاً- أن يكون الإنسان مسلماً ما لم يقر بأن الله تعالى (ربّ) كل شيء ومالكه وخالقه ورازقه، ولا يمكن أن يكون مسلماً من يدعو مع الله (إلهاً) آخر، ولا يمكن أن يكون الإنسان مسلماً إذا جحدَ اسماً أو صفة من الصفات التي سمى أو وصف بها جلّ وعلا نفسه؛ ولا يمكن أن يكون مسلماً من أبطل الصلاة مثلاً، وزعم بعدم فرضيتها؛ وكذلك الأمر بالنسبة للصوم والزكاة والحج.

وعندما دلف الحركيون إلى هذه البلاد مع من وفدَ إليها من (الخارج) طلباً للرزق جلبوا معهم ثقافة (الحركات الإسلاموية)، وهي التي تختزل الدين في (حركات سياسية) همها السلطة والتحكم السياسي أو الاجتماعي لمصلحة حركات سياسية إما داخلية أو خارجية. أدرك الوافدون الجدد أن هذه البلاد غاية ما تهتم به هي (العقيدة)؛ فقضايا التوحيد (خط أحمر) لا يجوز لأحد أن يمسه تحت أي ذريعة، ومهما كانت المبررات. أما القضايا الفقهية، وبالذات تلك التي لا علاقة لها (بالتوحيد) وإخلاص الله بالعبادة، فقد كانوا يتعاملون معها تعاملاً مرناً في الغالب؛ لذلك غضوا النظر عن بعض الأمور التي تحتمل الخلاف؛ والأمثلة في ذلك كثيرة، ولعل أشهرها غضهم النظر عن الموسيقى في الإذاعة الرسمية؛ رغم أن أغلبهم يميلون إلى تحريم المعازف، غير أن الخلاف (الفقهي)، وبالذات رأي الإمام ابن حزم -رحمه الله- في المعازف، جعلهم يتعاملون معها بمرونة، وهناك أمثلة أخرى لا يتسع المجال لذكرها.

ولأن السياسة شأن فقهي، ملحق بقضايا الفقه وليس العقيدة، أراد (الحركيون) أن يُلحقوا السياسة ومتعلقاتها بالتوحيد وأقسامه، ليكون لهم من خلال هذا الإقحام وسيلة إلى ابتزاز المخالف، والتدرّع بقضايا (العقيدة) في ممارساتهم السياسية المتسترة بالدين، وأهمها تسويغ الخروج عن السلطة وفسخ البيعة بحجة إخلال الحكام بجناب التوحيد. القسمان الجديدان اللذان أضيفا إلى أقسام التوحيد حديثاً، هما (توحيد الحاكمية) و(توحيد المحبة والموالاة)، وهناك -أيضاً- من أضاف قسماً سادساً سماه (توحيد الإتباع)، لتصبح أقسام التوحيد بعد هذه الإضافات الجديدة (خمسة أو ستة) وليست ثلاثة. أما الهدف من الإضافة فهو هدف سياسي محض.

ومن أوائل من ابتدع توحيد (الحاكمية) وجعله نوعاً مستقلاً بذاته، هما المودودي وسيد قطب، حيث جعلا منه (جذوة) الحركات الإسلامية المعاصرة، ثم اقتدى بهما كثير من الثوريين المسيسين فيما بعد، وفي مقدمتهم ابن لادن وكذلك أبو محمد المقدسي، وكل من اختزل هذا الدين في حركة سياسية تسعى إلى قلب الأنظمة، والخروج على الحكومات، وزرع الفتن، باسم الإسلام.

وقد سُئلَ -مثلاً- الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (ما تقول فيمن أضاف للتوحيد قسمًا رابعًا وسماه توحيد الحاكمية ؟. الجواب: نقول: إنه ضال وجاهل؛ لأن توحيد الحاكمية هو توحيد الله عز وجل، فالحاكم هو الله عز وجل، فإذا قلت : التوحيد ثلاثة أنواع كما قاله العلماء: توحيد الربوبية فإن توحيد الحاكمية داخل في توحيد الربوبية؛ لأن توحيد الربوبية هو توحيد الحكم والخلق والتدبير لله عز وجل، وهذا قول محدث منكر، وكيف توحيد الحاكمية ما يمكن أن توحد هذه؟، هل معناه: أن يكون حاكم الدنيا كلها واحد أم ماذا؟. فهذا قول محدث مبتدع منكر ينكر على صاحبه، ويقال له: إن أردت الحكم فالحكم لله وحده، وهو داخل في توحيد الربوبية؛ لأن الرب هو الخالق المالك المدبر للأمور كلها، فهذه بدعة وضلالة).

كل ما أريد أن أقوله هنا إن قضايا السياسة و(الحكم) مسائل فقهية وليست عقدية؛ أي أنها (كفروع) ليست من (التوحيد) وإنما من الفقه ضمن أحكام الإمامة والولاية والسمع والطاعة ونحو ذلك؛ إلحاقها بالعقيدة قضية تخفي وراءها نيَّة مبيتة تهدف إلى جعل كل من يختلف مع الحركات الإسلاموية يرتكب محذوراً عقدياً وليس فقهياً؛ وهذا غاية ما يرمي إليه الحركيون لتحقيق غاياتهم السياسية تكتيكياً.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد