Al Jazirah NewsPaper Thursday  20/05/2010 G Issue 13748
الخميس 06 جمادىالآخرة 1431   العدد  13748
 

ديوان (الملتاع).. أصالة الإبداع وتنوع مراميه

 

نعم ما فعلت دار فواصل حينما جمعت قصائد المرحوم الشاعر طلال العبدالعزيز الرشيد في ديوان قشيب يحفظها من النسيان، بعد وفاة صاحبها لأن الفقيد كان رمزاً طيباً من رموز هذا الوسط منذ تأسيس الندوة الشعرية الأسبوعية في منزله في التسعينيات، ثم العمل على إصدار عدد من المجلات التي كان أبرزها مجلة (فواصل) التي نشر فيها هذه القصائد، تحت الاسم المستعار الذي انتقاه لنفسه، منذ بدأ النشر في سن السابعة عشرة، وهو «الملتاع».

واللافت في قصائد هذا الديوان هو التجليات المتعددة لموهبة الرشيد في أغراض شعرية متنوعة، كالفخر، والمديح والرثاء والغزل والقصائد الوجدانية، مما يدل على تمكن الشاعر من مقاصد الشعر العربية المعروفة جميعها، وتطويع قاموسه اللغوي الثر لخدمة هذه الأغراض.

ويبدأ الديوان بقصائد تعلي من الحس الوطني والاعتزاز بالانتماء إلى هذا البلد، والفخر بأولياء الأمر فيه، إذ عملوا على رفعته وأمنه وعلو شأنه بين الأمم، لما اتسموا به من القيام بالأمر على أكمل وجه، مما أدى إلى حب الناس لهم، كابراً عن كابر، ففي قصيدته: «حاكم بألف حاكم» التي يوجهها إلى المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، بمناسبة سفره إلى خارج المملكة وقتها، يقول الشاعر:

يمكن تسافر.. ولا تسافر من قلوبنا

يقول: سافر ملكنا من جهل بالقلوب

ما دام عينٍ لأبو متعب تجي صوبنا

وما دمت سالم يابوفيصل.. تروح بـ قلوب

ومثلما يفخر الرشيد بانتمائه إلى هذا البلد، يفخر بالنخوة والجود، وببلده يوسع دائرة عشقه لتشمل كل دول الخليج التي يراها «ستة أوطان بوطن» وقد جمعها طيب الأصل فكانت أصل الطيب، كما يقول في قصيدته: «خليج الكبرياء».

أما قصائد الغزل فتحتل مكانة متميزة من تجربة الشاعر؛ فالمحبوبة عنده ليست فقط حسنة الملامح، مياسة الأعطاف، في عينيها الدعج أسراب الحمام وفي وجهها شمس ساطعة، بل هي عفيفة النفس، مهرة أصيلة. وهي غاية الحلم المستحيل، إذ تتجلى في معظم قصائده بصورة المجافي الصدود، البخيل المعاند، الذي لا يرق لحال العائق الصب النحيل العليل، بعد أن برحت به نار العشق وأطالت ليله في مناجاة طيفها، لا يصده عنها كلام العاذل ذي القلب المظلم والوجه الذي ينتحل وجه الصديق، لأن كما يقول في معنى متميز ومشاعر فياضة:

عيون الحب.. لا يمكن تناظر

عيوب الخل.. لو هو عيب كله!

تماري فيه.. وبوصفه تكابر

ترى.. من فوق خلق الله.. محله

فإن كان يحسب أنه قد عرف الحب سابقاً فما هذا إلا وهم، لأن المحبوبة هي قصده بين النساء، فهي الحلم الذي كان يخشى من تصديقه، ثم صار يخشى من مجرد إغماض عينه لئلا يفقده، فيلقي به مرة أخرى في عراء الوحدة، إذ يقول في قصيدة من شعر التفعيلة:

يا موطني الدافي/ أنا ذبحني البرد.. ما بين المنافي/ آآه يا أغلى المرافي

فيتمنى لو أن الله لم يكتب لأي محبين لحظة فراق، رغم أنه صابر على ألم البعاد، يكابد الدموع التي تفضح سره الخافي، وتعب شوقه، باق على العهد القديم الصادق، حتى إذا تقلبت صروف الدهر بالمحبوبة، وأرادت الحضن الدافئ، وجدته «مكانه» لم يغيره الضنى والسهد والأسى، يعطي محبوبته كل روحه، رغم بخلها بالوصال، وشحها في مقابلة هيام الشاعر بها، إذ يقول:

سميتني نصفك الثاني.. ويا شحك!

أنا باسميك كلي.. وانت معناها

مو بس احبك.. أنا والله من حبك

أحب حتى ثرى الأرض اللي تاطاها!

وقد استخدم الرشيد في قصائده الألفاظ المأنوسة والمألوفة، التي جاءت في مكانة وسطى بين الفصحى والعامية، إضافة إلى امتيازها بالسهولة، والرهافة والعمق، مما أهلها لتنال هذا الانتشار الواسع بين محبي الشعر، والذيوع الإعلامي بعد أن اختار منها عدد من كبار المطربين أغاني نالت رواجاً شديداً. فمن قصائد هذا الديوان أخذ كاظم الساهر قصيدة (إحساسي طير) ليغنيها كما غنى من قبل قصائد الشاعر العربي الكبير نزار قباني.

أحمد نواف الفهد الجرباء

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد