Al Jazirah NewsPaper Saturday  22/05/2010 G Issue 13750
السبت 08 جمادىالآخرة 1431   العدد  13750
 
غطرسةُ القوة
د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري

 

تُخفي القوة مكونات تقوى بها، أو أنها مظهرٌ يدل على ضعفها الكامن في قوتها، ويوماً سيحيل هذه القوة إلى واقع كانت عليه. ومن طبيعة التكوين الإنساني وجود باعث يولد الثقة بالنفس كما أنه يولد انعدام الثقة بها.

وحالة انعدام الثقة بالنفس يصاحبها شعور متضخم بالقوة والمسؤولية الشاملة المترتبة على القوة ومن يملكها ومكانته. إن انعدام الثقة بالنفس يؤدي إلى التصرف بأسلوب فيه خطر يعود عليها وعلى الآخرين، وغالباً ما يتملك مثل هذه الأمة رغبة جامحة تسعى بها حاجتها لكي تبرهن على ما هو واضح وجلي يدركه الآخرون حيث يرون المشهد قبل أن يختلف، وهنا تقع هذه الأمة في الغلط فتخلط بين فكرة القوة العظمى والقوة المطلقة، وكذلك بين المسؤولية الكبيرة والمسؤولية الكلية، ويصاحب هذا إصرار على أنها لا بد أن تفرض على الآخرين مفاهيمها، وهي خليط بين التافه والثمين، ويتبين التافه حين تصر على حوار تفرض من خلاله وجهة النظر التي تتبناها حتى وإن كان المحتوى تافهاً فيهتز التقدير وكل الحسابات المتعلقة بقوتها وقوة الآخرين المتمثلة في ماديات أو ذلك الذي يعتمد على واقع الطبيعة البشرية في الأمم الأخرى فيرتبك التقدير، ومثال ذلك حرب فيتنام ونتائجها.

إنَّ القوة المادية فعلها مرهون بمن هو خلفها بطبيعته وتاريخه الإنساني؛ ففي لحظات تظهر حالة من تباين القوة التي يؤثر فيها الإنسان، وما يبديه من مظاهر قوته الذاتية، وهذا ما يجب إدراكه من قبل كل الأطراف مع حساب للإرادة والإصرار لدى هذا الإنسان.

قد يكون الكمّ مؤشراً لقوة، لكنَّ الكيف أبلغ.. والكمُّ بمعنى العدد منقسم على تاريخه وجذوره، وهنا ترتعش جذور هذا التكوين فيأتي التعبير عنها مرتعشاً كذلك؛ فيؤثر على الأداء الذي يخفي من ورائه عقدة دفينة تتضح بالسؤال عن التاريخ نشأة وجذوراً، وتسير القوة بهذه الأمة، وحين تحس بغطرسة قوتها وما توحي به من عظمة فإن مكمن نهايتها في ذلك.

إنَّ التاريخ سياج كل أمة، ولا سياج دائماً في قوة الماديات، فإن الروحانيات من الشيء أساس تقوى به الإرادة وكذلك الثقة بالنفس؛ فيشع المكون لهذه الحضارة ليهزم كل مدع لحضارة لا سند لها من التاريخ، ولا جذور تدعمها.

إنَّ أثر ذلك سيفصل بين الجذور والسطح، فمهما لمع السطح فهو بلا روح ولا عمق؛ حيث بالروحانيات تتفجر طاقة من القوة لا نتصورها، ولا هي في حساباتنا، ومثال ذلك فعل الإرادة في عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف في حرب 73م بين العرب وإسرائيل.

للأمم إرادة يعبر عنها المفرد الثقافي وشيء من جذور التاريخ. إن قوة الآلة لها رهبة، ومع ذلك فإنها تنهزم مع الوقت بالإصرار والإرادة والرؤى الواضحة التي لا تخطئ الهدف؛ فبدفع الإرادة يتحقق المسير، ولو زحفاً ومسيره بطيء. لنتذكر حرب فيتنام.

إنَّ ظلم القوة حين يسنده ظلم أمم أخرى إحباط للعزيمة ويفجّر الكامن من قوته، بما في ذلك السياسة وحساباتها وتأثيرها بمقدار ما تعرفه من مواقع المصالح والقوة المؤثرة فيها. عموماً إنَّ البصيرة التي تجيد القراءة دليل للمسير الموفَّق إن شاء الله.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد