Al Jazirah NewsPaper Saturday  22/05/2010 G Issue 13750
السبت 08 جمادىالآخرة 1431   العدد  13750
 
دروس إدارية
م. عمر الأيداء

 

«لا والله، ما تُصلح أمور الناس بالتجارة، وما يصلحهم إلا التفرغ لهم والنظر في شأنهم»، قاعدة إدارية وضعها أبو بكر، حينما قالها بداية خلافته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركه للتجارة والتفرغ لمسئولياته الإدارية، فهو بذلك يضع قاعدة أساسية لكل إداري ومسئول ومن ولي من أمر الرعية شيئاً عند ممارستهم الأعمال والمسئوليات الإدارية، وذلك للتفرغ لممارستها والابتعاد عن ما يشغلها، ويعيقها عن تأدية ما عليه من الواجبات.

ولم يقف أبو بكر والخلفاء الراشدون من بعده عند ذلك الشرط، بل كانوا حريصين على أن يكون موظفوهم خير رعاة للرعية، وحرصهم على متابعتهم والوقوف على مدى أمانتهم وعدم استغلالهم لوظائفهم من أجل الإثراء والكسب غير المشروع، والاستماع إلى آراء الناس فيهم.

فقد روى أن عمر بن الخطاب قال: «لي على كل خائن أمينان: الماء والطين»، ويقصد بذلك أن الذين يكسبون من الولاة والعمال يمكن كشفهم من خلال التوظيف لأموالهم، ومن أهم المجالات الشائعة آنذاك هي البناء والعمران، فقد مرَّ يوماً رضي الله عنه ببناء يبنى بحجارة وحصى، وكانت آنذاك مكلفة، فقال: لمن هذا؟ فذكروا أنه لعامل له على البحرين، فقال عمر رضي الله عنه: «أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها»، هكذا كانت الإدارة والرقابة والمتابعة.

هذه النماذج الإدارية الرائدة والقدوات الناجحة، تعطينا أسس وقواعد العمل الإداري لجميع المسئولين، ومن ولي من أمر المسلمين شيئاً وجوب التفرغ لحمل الأمانة، والابتعاد عن ما يشغلها ويؤثر عليها سلباً وتحقيق ما للوظيفة من واجبات وحقوق. فلا يشغل نفسه بالتجارة أو أي أعمال أخرى تعيق عن حمل الأمانة، وتأدية واجبه على أكمل وجه، وتحقيق أسس الرقابة السليمة والمتابعة الدقيقة لموظفيهم وعمالهم، والسؤال عنهم والوقوف على مدى سيرهم وفق واجباتهم، والخطط الموضوعة لهم، والتصحيح الحازم لأي مخالفات وتجاوزات لهم قد تحدث، وذلك لضمان وضع الخطط الكفيلة بتحقيق الأهداف المنشودة، وسير العمل وفق تلك الخطط على أكمل وجه، وتنفيذ المشاريع على الأسس السليمة بدون تجاوزات أو مخالفات قد تكون وخيمة ومدمرة.

وقفه إدارية

لقد كانت القرارات الإدارية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بخصوص كارثة سيول جدة مثالاً على المتابعة الدقيقة والتصحيح الحازم لأي تجاوزات أو مخالفات قد تحدث، وذلك بإحالة المتهمين في كارثة السيول للتحقيق ثم المحاكمة، بالإضافة إلى ما تضمنته القرارات الإدارية من تدخلات إصلاحية عاجلة، من فتح قنوات للسيول وتعديل بعض الأنفاق والطرق وإزالة العوائق الترابية المحيطة ببعض الأحياء ووقف المخططات والمنح وحجج الاستحكام في الأودية ومجاري السيول، والتخلص تماماً من بحيرة الصرف الصحي خلال عام واحد، والأهم تكليف هيئة الخبراء بمجلس الوزراء بالعمل على تطوير أنظمة الرقابة والضبط ووحدات الرقابة الداخلية بما يمكنها من أداء مهماتها على أكمل وجه، لقد كان خادم الحرمين الشريفين في قراراته في قمة الشفافية والوضوح وقوة في المتابعة والحزم، وعدم التفريق بين الكبير والصغير، والرئيس والمرؤوس، التي لا تأتي إلا من رجل صادق النية، وواضعاً مخافة الله أمامه، وساعياً لخدمة وطنه ومواطنيه.

هذه القرارات وإن كانت ردة فعل لأحداث مؤسفة وكارثة موجعة، ولكنها سوف تضع منهجية مستقبلية رائدة للمتابعة الدقيقة والرقابة السليمة، والحد من الفساد الإداري، الذي سوف ينعكس لا محالة إيجابياً على وطننا الغالي، ورفاهية مواطنيه، وستصبح قصص الفساد الإداري، وسيول جدة والرياض من الماضي البعيد.



alaidda@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد