كثيراً ما نسمع أو نقرأ عن المذنبات التي تدخل إلى مجال الرؤية للإنسان على شكل زخات أو على شكل كتل صخرية أو كرات ثلجية، فالمذنبات أجسام فضائية تسبح في هذا الكون الفسيح، ويتكون المذنب من نواة صخرية وذؤابة تحيط بالنواة، ويعقبها ذيل طويل من الغازات والغبار، وقد كان الناس يخافون من المذنبات قبل أن يعرفوا عنها بعض الحقائق. وكان الفلكي المعروف أدموند هالي قد شرح ظهور المذنبات، وذكر أنها جزء من النظام الشمسي، تتحرك في مسارات ثابتة حول الشمس، وبدأ بالاطلاع على كل ما كان معروفاً عن المذنبات آنذاك، واكتشف أن المذنب الذي شوهد عام 1682م هو نفسه الذي شوهد ما بين عامي 1531م و1607م. وتوقع هالي أن المذنب، الذي يدعى باسمه الآن، سيظهر مرة أخرى، وقد ظهر هذا المذنب لآخر مرة عام 1986م، وسيظهر بعد 76 عاماً من ذلك التاريخ.
وكثير من المذنبات ما زالت تجوب النظام الشمسي، وبعض هذه المذنبات يقترب من بعض الكواكب اقتراباً نسبياً؛ ما يهدِّد بالاصطدام وتدمير بعض أجزائها. وقد عرفنا ذلك عام 1994م عندما ارتطم المذنب «شوميكر - ليفي» بكوكب المشتري. وفي الحقيقة تدخل الغلاف الجوي للأرض كل دقيقة ما بين 5 و30 من الكتل الجليدية، يتراوح وزن الواحدة منها ما بين 20 و40 طناً. وقد أدى سقوط المذنبات الكبيرة على الأرض إلى انقراض عدد كبير من الأنواع مثلما حدث مع الديناصورات.
ولكن من أين تأتي المذنبات؟!
إن أكثر الفرضيات قبولاً عن مصدر المذنبات هو افتراض الباحث الهولندي جان أوورت. وقد توصل إلى ذلك بعد دراسات علمية لمدارات المذنبات حول الشمس، وشكل المذنبات، وعدد ما يظهر منها. وقد افترض أوورت أن هناك سحابة هائلة تضم ملايين الكرات الثلجية، يبلغ نصف قطرها نحو سنة ضوئية (وهي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة واحدة).
وتقع هذه السحابة على مسافة سنتين ضوئيتين من الشمس. وهي مسافة تقدر بنحو خمسين ضعف المسافة التي تفصل بين الشمس والأرض. وهكذا فإن هذه السحابة تكون أقرب إلى شمسنا منها إلى أي نجم آخر، كما أن موقعها هذا بعيد عن حرارة شمسنا أو غيرها من النجوم؛ ما يجعلها ثلاجة ضخمة تحوي ملايين الأطنان من الكتل الجليدية.
ويعتقد الفلكيون أن هذه السحابة تدور حول شمسنا، وتدخل في تكوين المجموعة الشمسية، وربما ولدت مع نشأة المجموعة الشمسية أو من خلالها، ومع ذلك فإن وجود سحابة أوورت نفسها ما زالت افتراضاً لا يمكن لأحد تأكيده أو القطع به.
ويعتقد بعض الباحثين أن مجموعتنا الشمسية في دورانها مع النجوم الأخرى حول مركز مجرة درب التبانة (الطريق اللبني) تتعرض لقوى تجاذب وتنافر مع غيرها؛ ما يعرض سحابة اوورت لشد وجذب وتضاغط، يدفع ببضع كرات موجودة فيها إلى الانفلات لتأخذ مداراً مستقلاً يخترق المجموعة الشمسية، وهو يدور حولها.
وينبغي الإشارة هنا إلى أن الباحثين في مركز (هارفارد - سميثسونيا) أعلنوا في بداية يونيو 1997م اكتشاف كوكب جليدي جديد على حافة المجموعة الشمسية. ويوضح هذا الاكتشاف مدى ضحالة معارفنا عما يحدث أو يوجد خارج المجموعة الشمسية. ومع ذلك فإن هذا يعزز الافتراضات عن الكتل الجليدية التي تنهال على المجموعة الشمسية، والتي تسقط على الأرض. والله تعالى أعلم!!