Al Jazirah NewsPaper Friday  04/06/2010 G Issue 13763
الجمعة 21 جمادىالآخرة 1431   العدد  13763
 
خلايا الفساد النائمة إلى متى؟
صالح الصقعبي

 

أضحت بعض المصطلحات مؤخراً ضمن القاموس اليومي المتداول بين الناس وفي مقدمتها مصطلح «الخلايا النائمة» والخلايا الفاعلة والمتحركة ولم تعد هذه المفردة مختصة بخلايا النحل مثلاً كما كان متعارف عليه في الماضي أو الخلايا السرطانية التي اعتاد الأطباء إطلاقها على التجمعات السرطانية لدى المريض، فأصبح هناك خلايا إرهابية نائمة وخلايا فساد نائمة أيضاً وإن ساهمت بعض الأفكار الشاذة والمتطرفة بتحريض وتحفيز الخلايا الإرهابية النائمة لإيقاظ البعض منها وتولى أسود الأمن الداخلي وأدها ولم يكتفوا بذلك، بل قادهم حسهم وإخلاصهم لدينهم ووطنهم إلى دخول الجحور المظلمة والقضاء على الثعابين التي تختبئ بها قبل أن يمتد أذاها إلى الوطن وأمنه ومنجزاته وتحقق الكثير الكثير من النجاح بحمد الله على يدي أولئك الأشاوس الذين اتخذوا العديد من الخطط للقضاء على هذه الآفة التي بدأنا نلمس اضمحلالها وانكشاف زيف ادعائها مما جعل المجتمع يلفظها بكل فئاته وقبل أن نستعيد الملامح الجميلة لوطننا بنقائها وصفاء طوية أبنائه المستمد من إرث قيمي وحضاري ضخم صدمنا بخلايا أخرى وهذه المرة الطمع والجشع وضياع هيبة الدين والوطن في النفوس المريضة كانت المحرك الأول لهذه الأورام الخبيثة التي تتحين الفرص لنهش لحم الوطن «وقرقشة عظامه» إن أمكن ولقد تولى كشف الفريق الأول من «شلة الشطار» المطر الذي تتعطش لنزوله رمال مملكتنا الغالية قبل قلوب القاطنين بها وتعم الفرحة أرجاء البلاد عند هطوله بل اعتاد الناس هنا أن «يتباشروا» بكمية المطر وعلى أي المدن كان أكثر ويدعو الجميع ربهم بأن تكون أمطار خير وبركة ويعم بنفعها أرجاء الوطن، ولكن النفع في كارثة جدة كان من نوع آخر حيث أسقطت هذه السيول القناع عن أول خلية فساد في تاريخ الوطن ليأتي الرد من قائد المسيرة ورجل الإصلاح الوالد عبد الله بن عبد العزيز بضرب هامة الباطل بقوة الحق ليصدر المرسوم الملكي التاريخي المعبر عن لوعة الأب بما أصاب أبنائه من بعض العابثين المعلقة قلوبهم بالمصالح الذاتية والتورم الموهوم على حساب البنية الأساسية لوطن لم يبخل قادته في تخصيص المبالغ الكبيرة والضخمة للنهوض به إلى المكانة المرموقة التي يستحقها، فإذا غير القادرين من الفاسدين على نهش جسد الوطن يحاولون النيل من روحه من خلال الإنجازات الوهمية أو الناقصة أو المزورة ولم تكد أصداء المرسوم الملكي التاريخي الصادر من القائد الوالد الذي وعد بمعاقبة المتورط في هذه المصيبة كائناً من كان حتى صدر مرسوم كريم آخر يؤكد نهج الإصلاح وتأكيد وترسيخ ثقافة المحاسبة للدفاع عن حقوق المواطنين مؤكداً حفظه الله ورعاه على عظم الأمانة الملقاة على كاهله وضرورة الاقتصاص من الجناة عبر منظومتنا القضائية التي هي الأخرى شهدت نهضة نوعية في التفاتةٍ وطنية كريمة من أبي متعب أعزه الله.

والشيء بالشيء يذكر كما يقال فإن تولت السيول إيقاظ هذه الخلية الفاسدة فترى كيف يمكن التعرف على خلايا الفساد النائمة ..؟؟

إنني أزعم أن ما تفرزه مثل هذه الخلايا من ندوب على جبين الوطن يستفيد منها الكثير من الحاقدين والمأجورين للتدليل على صدق طرحهم المسموم عن هذا الوطن أرضاً وقيادة وشعباً. إن هؤلاء الفاسدين أكبر خطر من الإرهاب بمعنى أنه يتم استخدام تلك التجاوزات الفردية لتعزيز الأطروحات الإرهابية المتعطشة لأي دليل مهما كان تافهاً لدعم نظرتها المريضة وإضفاء المصداقية على سلامة توجهها وإخلاصها المُدَعَى.

فعندما يعجز أحدهم عن إيجاد ما يؤكد أفكاره ويسندها فإنه مباشرة يستشهد بذاك الطبيب المزور الذي استطاع أن يقترض من بنك التسليف ملايين الريالات ولم تكتشف أوراقه بأنها مزورة بينما المواطن الذي يطالب بأقل من خمسين ألف ريال للمساعدة على ترميم منزل أو الزواج يقوم بمراجعة أوراقه «كتيبة» من الموظفين ويتم إعطاؤه موعدا بعد ثلاث سنوات أي بعد أن يتهدم البيت أو «تنسد نفسه عن الزواج».

ألا يمكن أن تسهم هذه الحادثة في تلويث عقل شاب يافع يجهل أن في كل مكان خيرين وأشرار دعاة بناء ومعاول هدم؟؟

ليأتي آخر ويروي حادثة أخرى لعله يقضي على البقية الباقية في انتمائية ووطنية شاب آخر ليحدثه عن ذاك المسؤول الذي لا يتردد لحظة واحده في فصل سيدة يتيمة ومطلقة وتعول أسرة لمجرد أنها لم تكن بالشكل المطلوب وعليها أن تتعرف على ما يريده السيد المطاع إن أرادت الاستمرار في العمل بينما يتردد هذا المسؤول مليون مرة قبل أن يوقع على حسم يوم واحد على إحدى أقربائه أو أبناء قبيلته أو منطقته لا فرق رغم أن المذكور قد تغيب شهراً ولو لاحظ أن هذا العزيز قد «أخذ على خاطره» يتم تعويضه بترقية أو انتداب أو الإشراف على تنفيذ مناقصه.. والأمثلة كثيرة في هذا المجال وتحدث عشرات المرات للأسف الشديد كل يوم في العديد من الوزارات والمؤسسات وتظهر آثار التضخم بالعديد من السلوكيات المشاهدة، فنجد البعض من تلك الشلة من المسؤولين يهتم بصورته كيف نشرت وفي أي صفحة تم النشر وإن أردت التعرف أكثر على هؤلاء ستجد أن تصريحاتهم مكررة ولا معنى لها ولا تعدو أن تكون عبارات إنشائية جوفاء من قبيل أكد سعادته أو اعتبر سعادته أو ثمن سعادته أو أهاب سعادته وهكذا، ويأخذ سعادته في مناقشة هذا الخبر أكثر من الوقت الذي يستغرقه إقرار إحدى المشاريع المهمة، ناهيك عن تنامي البطالة بين الشباب والشابات وغيرها الكثير مما يندى له الجبين للأسف في كثير من القطاعات.

إن الكثير من هذه الندوب وإن كانت فردية ومتفرقة ونادرة بحمد الله إلا أن هناك من يقتات عليها علها تسهم في إحياء المفاهيم المريضة من مناطقية وقبلية وكل أوجه العنصرية التي في حقيقتها لا تعدو أن تكون وقوداً لخلايا نائمة علينا أن نكون حريصين في فضح كهوفها ومغاراتها التي قد لا تتشابه من حيث المكان والمحتوى مع كهوف «تورا بورا» ولكنها تظل أكثر ضرراً وفتكاً في أرزاق الناس وحقوقهم ومكتسباتهم فهل يمكن أن ننتقل من دور الانبهار والإعجاب بالمراسيم الملكية الكريمة إلى أدوار أهم وأجدى وهي الإحساس الحقيقي بالانتماء لهذا التراب والوقوف بوجه كل من أوكل إليه واجب عام وحاول نقل مكتسباته إلى بناء أرصدته وقلاعه الخاصة متناسياً مصالح الوطن وقبل هذا وذاك أمانته ودينه وخلقه ......



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد