Al Jazirah NewsPaper Friday  04/06/2010 G Issue 13763
الجمعة 21 جمادىالآخرة 1431   العدد  13763
 

منشآت قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة وإشكالية التمويل والمساندة
د. عبدالمجيد بن محمد الجَّلال

 

تشير الدراسات والإحصائيات على مستوى المنظومة العالمية إلى زيادة مُطّردة في عدد منشآت قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وأنَّها أضحت تُشكِّل نحو 90% من إجمالي المنشآت التجارية والصناعية الكلية في اقتصاديات: الولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، وكندا، وفرنسا.

في المملكة العربية السعودية تُشكِّل هذه النوعية من المنشآت نحو 90% من إجمالي المنشآت التجارية الكلية العاملة، بعوائد تصل إلى نحو 28% من الناتج المحلي الإجمالي. وتستقطب نحو 85% من حجم القوى العاملة، ويبلغ عدد هذه المنشآت إجمالاً أكثر من 600 ألف منشأة.

هذا الحجم الكبير لمحتوى وفائض قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة يعكس أدواره المهمة في تعزيز وتنمية الاقتصاديات الوطنية، ونواتجها الإجمالية، وفي إتاحة المزيد من فرص العمل، وخفض معدلات البطالة، وسد احتياج الأسواق المحلية من منتجات وخدمات هذا القطاع.

وهناك حراك كبير نسبياً لتنمية هذا القطاع وتطويره، وتعزيز قيمته المضافة. وتعمل الدولة عبر برامجها الحكومية، بالشراكة مع مؤسسات التمويل الخاصة، والمصارف التجارية، على توفير عناصر الدعم والتمويل اللازمة.

ومن أبرز مصادر هذا الدعم: البنك السعودي للتسليف والادخار، وبرنامج كفالة - الذي يقدمه صندوق التنمية الصناعية السعودي - لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وصندوق الموارد البشرية، وصندوق المئوية، والصندوق الخيري الاجتماعي، ومراكز ولجان تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الغرف التجارية الصناعية، ومجالس الغرف التجارية، إضافة إلى المصارف التجارية، والبرامج الخاصة: مثل برنامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع، ومركز عبدالله الحمد الزامل لخدمة المجتمع. وبرامج الأُسر المنتجة «المشروعات متناهية الصغر» فضلاً عن شركات التمويل والمكاتب الاستشارية.

وتتنوع نوعيات الدعم من التمويل المالي، إلى تقديم البرامج التدريبية، والدراسات، والاستشارات الفنية والإدارية والمالية والتسويقية، وتحديث الفرص الاستثمارية المتاحة في السوق. ولكن مساحة هذا الدعم وحجمه، تظل دون المطلوب والمأمول -خاصَّة بما يتعلق بشريحة صغار المستثمرين- مقارنة بمساحة الاحتياج وحجمه، والأدوار المنوطة به في تعزيز النشاط الاقتصادي والاجتماعي، والإسهام بفعالية في معالجة إشكالية البطالة وتداعياتها السلبية على التنمية البشرية المستدامة.

إنَّ العناية بتوسيع هذا الدعم والخدمات المساندة له، وتسهيل إجراءاته وتطبيقاته، مدخل أساس لتنمية هذا القطاع وتطويره، ووسيلة مهمة لاستقطاب أصحاب المبادرات الفردية والتفكير الإبداعي، وتطوير الذات، عبر آلية التمويل والدعم اللازم، بما يسهم في تحويل هذه المبادرات والمهارات إلى مشروعات اقتصادية واعدة، وطاقات منتجة، تحقق مستقبل أفضل لهم، في أسواق العمل والمنتجات، وتسهم كذلك على المديين المتوسط والطويل في تعزيز بنية الاقتصاد الوطني. إضافة إلى أنَّ توسيع هذا الدعم سوف يسمح للمنشآت الصغيرة والمتوسطة القائمة بزيادة القيمة المضافة لمشاريعها، وتحقيق المزيد من الكفاءة في مستويات الإنتاج والتشغيل والتوظيف الاستثماري الأفضل.

في هذا الاتجاه لابد من الإشارة بإيجابية إلى السياسات التحفيزية التي تنتهجها الدولة لتشجيع مؤسسات التمويل والجهات الداعمة لتوسيع منافذ التمويل، وتقديم الاستشارات الإدارية والفنية والتسويقية بما يكفل استخدام التمويل وفق أفضل أساليب التنفيذ الممكنة.

من أبرز هذه السياسات المُحِّفزة تأسيس برنامج «كفالة» في عام 2006هـ تحت إدارة وإشراف صندوق التنمية الصناعية السعودي -بمشاركة وزارة المالية وعشرة مصارف محلية- والذي بموجبه تتم تغطية نسبة من مخاطر المصارف التجارية المشاركة في البرنامج، وذلك في حالة إخفاق النشاط المكفول في سداد قيمة التمويل، أو جزء منه. وقد كانت نسبة التغطية في بداية تأسيس البرنامج 50%، ثم ارتفعت إلى 75% من مخاطر التمويل بالنسبة للمنشآت الجديدة. ويستهدف هذا البرنامج -والذي يقدم الكفالة فقط- تشجيع المصارف المشاركة على توسيع برامج التمويل المخصصة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، والتغلب على معوقات تمويلها، بما يخص عدم قدرتها على تقديم الضمانات المطلوبة لجهات التمويل.

ولكن هذا البرنامج بحاجة إلى تفعيل ومزيد عناية من جهة المصارف التجارية المشاركة فيه، إذ تشير الأرقام الإحصائية -حسب دراسة مسحية أعدتها وزارة التجارة والصناعة- إلى أن تمويل القطاع المصرفي لهذه المشروعات لا يتجاوز 20% من إجمالي التمويل الكلي، والذي يتجه في غالبه نحو قطاع الشركات وقطاعات التجزئة. فضلاً عن معدلات الفائدة المرتفعة، والإجراءات المعقدة نسبياً، بما يحول بالتالي دون تنفيذ هذا البرنامج بالفعالية المستهدفة.

في المقابل يدعي القطاع المصرفي أنَّ المشروعات الصغيرة والمتوسطة تفتقر إلى معايير الإعداد المطلوبة، وفي مقدمتها القوائم المالية وغياب دراسات الجدوى الاقتصادية، فضلاً عن انخفاض شديد نسبياً في ثقافة الممارسة التجارية والاقتصادية لدى أصحابها.

ومن ثمَّ تبدو أهمية العناية بمعالجة كل المعوقات والإشكالات التي تقف حجر عثرة أمام تنمية وتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتسهم في تحفيز المصارف التجارية على تقديم خدمات مالية ومسانِدة مبتكرة وقوية ومستدامة، لأصحاب هذه المشروعات لتحقيق أقصى فعالية ممكنة لعمليات التنفيذ والمتابعة.

وفي هذا الإطار، ووفق رؤية المختصين والمهتمين بقطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة في المملكة، قد يكون من المفيد تكوين هيئة راعية تحت مظلة الغرف التجارية الصناعية، تُشرف على إدارة هذا القطاع, وعمليات تطويره، ومعالجة كل الصعوبات والمعوقات الحالية والمحتملة.. ولعلَّ من أبرز المهام العاجلة أمام هذه الهيئة الراعية:

- إعداد قاعدة بيانات متكاملة للتعريف بمنشآت هذا القطاع، وحجمه، وأنشطته، وهياكله التنظيمية.

- العمل على إعداد معايير تصنيف واضحة لهذه المنشآت أسوة بمثيلاتها العالمية.

- العمل على تبسيط الإجراءات الحكومية بما يخص خدمات: التسجيل والترخيص ونحوهما، إلى أدنى درجة ممكنة.

- تحديد الأنشطة والمشروعات ذات الأولوية والفرص الاستثمارية المتاحة في السوق.

- العناية بتوسيع البرامج والدورات المتخصصة في المالية والمحاسبة والتخطيط الإستراتيجي والتسويق والمبيعات وخدمة العملاء، وتفعيل البرامج المشتركة مع المؤسسات الدولية ذات الصلة في هذا المجال. وبما يؤهل أصحاب هذه المنشآت على إعداد مشروعاتهم وفق المواصفات الإدارية والمالية والمحاسبية والفنية المطلوبة، وإدارة منشآتهم وتطويرها على نحوٍ صحيح.

- التعريف بالتشريعات والتعليمات والفرص التجارية والتسويقية المتاحة.

- العناية بمتابعة سير المشروعات المُمولة، ومعالجة المشكلات والمعوقات الطارئة أو المحتملة.

- الاستعانة ببيوت الخبرة ومراكز البحوث والدراسات، وتوسيع قاعدة الشراكة المجتمعية، بما يساعد على تطوير هذا القطاع ومنشآته.

- تنسيق الجهود والمبادرات، وتنظيم العلاقة بين المستثمرين وجهات التمويل.

على أية حال الأمل معقود بشدة على الدولة ومؤسسات التمويل والدعم للنهوض بهذا القطاع الأساسي، وتنميته وتطويره، بما يتماهى مع أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية، خاصَّة إذا علمنا أنَّ الفئة العمرية من الشباب «الذكور والإناث» الأقل من 30 عاماً تُشكِّل نحو 60% من جملة السكان السعوديين. الأمر الذي دعا بعض الدراسات إلى التوصية بأهمية قيام مؤسسة النقد العربي السعودي بتحفيز المصارف التجارية على توسيع عمليات تمويل المنشآت المستهدفة. وتلبية الاحتياجات المتصاعدة من لدن فئات الشباب الطامحين إلى تحقيق غدٍ مشرق وباسم، عوضاً عن البحث الكئيب عن وظيفة بأجرٍ متدني، هنا أو هناك، في رحلة مجهولة الوقت والمسافة.

من مأثور الحِكم:

ولَمْ أَجِدِ الإِنْسانَ إِلاَّ ابْنَ سَعْيِهِ

فَمَنْ كانَ أَسْعَى كانَ بِالمَجْدِ أَجْدَرَا

وبِالهِمَّةِ العَلْياءِ يَرْقَى إلى العُلَى

فَمَنْ كانَ أَرْقَى هِمَّةً كانَ أَظْهَرَا

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد