Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/06/2010 G Issue 13765
الأحد 23 جمادىالآخرة 1431   العدد  13765
 
من ذكريات (الجامبوري)..؟
حمّاد بن حامد السالمي

 

الجامبوري ( Jamboree)؛ تعني التجمع الكشفي الكبير، وينسب إلى (بادن باول)، إطلاق هذه التسمية لأول مرة، عند تأسيسه أول تجمع كشفي عالمي عام 1920م. أقيم أول (جامبوري) عالمي في تلك السنة، في ألومبياد لندن،

وشارك فيه قرابة خمسين ألف كشاف من جميع أنحاء العالم، وعندما أطلق عليه (بادن باول) هذه التسمية، سأله أحدهم عن ذلك فقال: وماذا كنت تريدني أن أسميه؟! من يومها أصبح (الجامبوري الكشفي العالمي)، يعقد مرة كل أربع سنوات في إحدى الدول الأعضاء في المنظمة الكشفية العالمية، ويبلغ متوسط عدد المشاركين فيه، قرابة ثلاثين ألفا في كل مخيم، يمثلون أكثر من 150 جمعية كشفية في العالم، وتحتوى المخيمات العالمية على عدد كبير من الأنشطة والبرامج المبتكرة، التي تنمي العلاقات والصداقات بين الشعوب والمجتمعات، وتتيح الفرصة لتبادل الخبرات بين المشاركين.

مؤسس هذه الحركة الكشفية العالمية (الجامبوري)، اسمه (روبرت بادن باول)، ولد عام 1957م، وتوفي سنة 1941م، وكان ضابطاً بالجيش البريطاني قبل ذلك، وظلت المخيمات الكشفية العالمية تقام كل أربعة أعوام بانتظام منذ تأسيسها حتى اليوم، ولا تقتصر المشاركة فيها على الكشافين فقط، بل تتاح الفرصة للمرشدات كذلك.

وبالنسبة للدول العربية، فهي تشارك في تلك المخيمات منذ بداياتها، لكن المشاركات العربية، تأتي عادة متواضعة وعلى استحياء. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن المخيم الكشفي العالمي الثامن عشر الذي عقد في هولندا عام 1995م، شاركت فيه اثنتا عشرة دولة عربية فقط، بما مجموعه 120 كشافاً، في حين كان عدد الوفد الإنجليزي لوحده حوالي (3700 مشارك)، وكان عدد الوفد الأمريكي حوالي (2600 مشارك). وهكذا يضيع (120 كشافاً) عربياً وسط (30000 كشاف) عالمي..!!

مخيم (الجامبوري العالمي) الثاني والعشرين، يعقد في مملكة السويد في أواخر يوليو من عام 2011م، ويحضره (35000 مشترك)، أما العرب.. وما أدراك ما العرب، فحظوظهم في التنظيم معدومة، فلم يسبق لأي دولة عربية أن استضافت المخيم الكشفي العالمي، والدولة العربية الوحيدة التي طلبت كشافتها استضافة الجامبوري، هي سورية عام 1953م، لكن رُفض طلبها بسبب إسرائيل، وكان هذا الحدث مدعاة وقتها لإنشاء المنظمة الكشفية العربية عام 1954م، وإقامة المخيمات الكشفية العربية بعد ذلك.

ماذا عن (جامبورينا) نحن.. أقصد (الجامبوري) السعودي..؟

الحقيقة.. أن صاحب العطاءات الجزلة، في بحوثه ودراساته وتوثيقاته، المؤرخ الثبت، الدكتور (فهد بن عبد الله السماري)، كشف لنا مؤخراً، عن صورة سعودية مشرقة ومشرفة، لبدايات كشفية عظيمة في بلادنا ومجتمعنا، عندما نفض الغبار، عن تقرير تفصيلي عمره (53 عاماً). هذا التقرير الفريد، يتحدث عن أول معسكر كشفي يقام في هذه البلاد تحت عنوان: (المعسكر الكشفي الأول - الجامبوري)، الذي عقد بجدة في شعبان عام 1378هـ - 1957م.

تقرير (الجامبوري) السعودي، يقع في (80 صفحة)، وصدر عن دارة الملك عبدالعزيز بالرياض، ويحمل الرقم (242)، ضمن سلسلتها البحثية والتاريخية الرصينة، وعرض في البداية، صوراً من التقرير الأصل الذي بدا مكتوباً بآلة كاتبة، ثم تناول جوانب مهمة عن هذا الحدث الفريد منها: (بيانات عن المعسكر، وسلوك الكشافين ومظهرهم العام، والميزانية، وأضواء ومقترحات، وكلمة حفل الافتتاح، وكلمة قائد المعسكر في حفل السمر الختامي، والبرنامج العام، ومقتطفات من أقوال الصحف عن نشاطاته).

أقيم أول (جامبوري) سعودي، في مدينة الملك سعود العلمية بجدة، وشاركت فيه كشافة جدة ومكة والطائف، وكانت مدته خمسة أيام، من 22 شعبان 1378هـ حتى الخامس والعشرين منه، وبلغ عدد كشافيه (106 كشافين)، من مكة 25، ومن الطائف 31، ومن جدة 35، و15 آخرين دوري خدمات. وشاركت المناطق الثلاث، بتقديم الخيام ولوازم الخدمات المساندة، وكانت له صحيفة يومية يحررها الكشافون اسمها: (الجامبوري)، وكذلك إذاعة محلية، وقد افتتحه وزير المعارف آنذاك الأمير فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وتلقى (الجامبوري) دعماً مالياً من الملك سعود -رحمه الله-، في حين بلغت ميزانيته (490 ريالاً) فقط..!

ويحمل التقرير، صوراً جميلة لفكرة الكشف ذاتها، ولا يخلو من طرائف أيضاً، فالتكلفة كان يمكن أن تصل في أيامنا هذه إلى (490 مليون ريال)، وليس (490 ريالاً).. تصوروا.. !! وبرنامجه العام كالتالي: قرآن كريم، ثم تقدم كشافة مكة: الفشارين - الكشاف المتصرف - صيحة. وتقدم كشافة الطائف: تمثيلية الحج - البدوي المتعلم - لعبة البالونات - صيحة. ثم تقدم كشافة جدة: لعبة النشالين - حديقة الحيوان - صلح البطانية - تلسكوب النجوم - ملاكمة العميان - صيحة. ثم في النهاية، تقدم الأعلام التذكارية، وتلقى كلمة الختام، ويؤدي نشيد: نحن كشافو الحرم، والهتاف الختامي.

عندما قرأت التقرير في هذا الكتاب التوثيقي، عادت بي الذاكرة إلى صور حركة الكشف في حياتنا أيام زمان، قبل (ظلاميات الصحوة)، فقد كنا طلاباً في المدارس، وكان لكل مدرسة كشافتها، ولكل منطقة تعليمية معسكرها الكشفي الدائم، ولها (جامبوريها) السنوي. بل إن الطائف كانت في المقدمة، وكان مركزها في مدينة الملك فيصل العلمية، هو الأشهر على مستوى مناطق التعليم، وكنا نشهد برامج كشفية مكثفة صيفاً وشتاءً، وفي شهر رمضان، تقدم الكشافة برامج مبتكرة، ومسابقات ومفاكهات طريفة، وتقام حلقات سمر جاذبة، حتى أن المركز كان يغص بمرتاديه من طلاب ومعلمين. اسألوا إن أردتم، قائده البارز في تلك الفترة، الأستاذ (حسن حسن العبادي)، واسألوا بعضاً من منسوبيه ثم قادته فيما بعد: صالح حلواني، وثامر الميمان، وفايز الميمان، وغيرهم كثير ممن شهد نمو الحركة الكشفية في الزمن الجميل ذاك، حتى أن كشافة الطائف إلى العام 1399هـ، كانت تدرب أشبالها على النوتة الموسيقية، وكانت إدارة التعليم في الطائف، تستقدم أستاذاً لهذا الغرض، وفي العام 1399هـ شاركت الطائف في مهرجان تعليمي كبير على مستوى المملكة في الرياض، وجرت مسابقات رياضية وكشفية وفنية، وظهرت على ملاعب الأمير فيصل بن فهد، فرقة فنية موسيقية من الطائف، تعزف الأناشيد الوطنية بقيادة مدرب موسيقي من مصر، ولكن فيما بعد، ذهب الأستاذ الموسيقار، وذهبت موسيقى الكشافة، ثم خبا وهج الكشافة في الطائف وفي كافة المناطق التعليمية، بعد حادث غزو واحتلال الحرم، من قبل الخوارج الذين نسلوا من رحم الإخوان وصحوتهم غير المباركة، في سنتهم المشؤومة تلك، سنة 1400هـ.

* قرأت التقرير -الكتاب- الذي دلّل على بدايات رائعة في هذه البلاد، كانت كلها تؤسس لمشاريع رائدة وكثيرة للتطوير والنهضة والتقدم، لكن سرعان ما وئدت ودفنت تحت غبار الصحوة، وليست الكشافة وحدها التي تضررت. قرأت ثم تعجبت وتساءلت: ما حال الكشافة السعودية في مدارسنا اليوم..؟ وما حال التربية الفنية..؟ وما حال التربية الرياضية..؟ وما.. وما..

لماذا لم نعد نسمع عن تجمعات ومراكز ومسابقات كشفية مثلما كان زمان..؟!

* لماذا لم نعد نسمع عن مسابقات في الرسم والتربية الفنية مثلما كان زمان..؟!

لماذا لم نعد نسمع عن دوري رياضي مدرسي مثلما كان زمان..؟!

لماذا.. ولماذا.. ولماذا.. وحتاما.. ونحن (نمذمذ) و(نمجمج) الأسئلة تلو الأسئلة في حاضرنا هذا، وكأن الصلة بيننا وبين زمننا الجميل ذاك، أصبحت في حكم المستحيل..؟



assahm@maktoob.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد