Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/06/2010 G Issue 13765
الأحد 23 جمادىالآخرة 1431   العدد  13765
 
المنشود
البكيرية المدينة الوادعة.. وجريمة قتل!
رقية سليمان الهويريني

 

تعدُّ البكيرية إحدى المدن الهادئة المستقرة أمنيا واقتصاديا. ولا شك أن استتباب الأمن مرتبط باستقرار الاقتصاد، فضلا عن الصبغة الدينية التي يتحلى بها سكان هذه المدينة ونالت بها شهرة واسعة. وهي الحبيبة إلى قلبي؛ حيث إنها مسقط الرأس وموئل الطفولة، ومرتع الصبا؛ فقد عشت في هذه المدينة جزءا من شبابي في دعة وراحة وهدوء نفس، دونما حدوث ما يزعج الخاطر أو يعكر الفكر، عدا عن مشادات عابرة وبريئة بين أبناء الحي والحي الآخر؛ حيث لم تكن المدينة آنذاك تحوي أكثر من حيين هما الشمال والجنوب، وكان يفصلهما المسجد الكبير وسوق المبيعة، ولا تبتعد عنهما شريعة يوسف كثيرا. وعندما تحتدم الخصومة بيننا حول الأفضلية في النوعية السكانية ما نلبث أن نعود لرشدنا فنتذكر أن أهل الجنوب هم إما أقاربنا أو معارفنا، فتنفض الخصومة تلقائيا ويتبعها اجتماع على حفلة شاي مجهز في إبريق غرش وبسكويت (أبو ميزان) وكأننا ونحن نتناوله نتعلم منذ الصغر أن (العدالة) حل لكل خصومة، وأن الشرف مثل إبريق الغرش حين يخدش يستحيل إصلاحه! ومن ثم نتبعها بعدة ألعاب خاصة بالأولاد أو البنات، كل على حدة! وحين يفكر أحد الأولاد باللجوء السياسي لمجموعة البنات هربا من غلظة الذكور يناله التقريع والسخرية من الطرفين عبر أهزوجة (الولد مع البنات بطته شوكة ومات!) وكنا نتوقع أن أشد ما يحصل للولد هو غزة الشوكة لترديه قتيلا.

تذكرت تلك الأهزوجة وأهازيج أخرى تدعو للتعايش السلمي والوئام ونبذ الفرقة حينما كنا أطفالا ننعم بالأمن في مدينة وادعة مسترخية تسند رأسها إلى نفود الغميس تارة، وتستشرف المستقبل من علو جبل ساق تارة أخرى وتعدو في ميدان المليداء تشبعه ركضا وحيوية وغرسا من خلال رشاشات الخير التي تروي أخصب أرض بأعذب ماء لتتمايل بعدها سنابل العطاء الذهبية تزهو بها أجواء المدينة وتحقق بها اكتفاء غذائيا، ومبرات خيرية وتصدّر الباقي للصوامع.

ولم يوقظني من تلك الذكريات العذبة إلا سماع خبر مدوِّ عن حصول حالة قتل طعنا بالسكين في مدينة البكيرية إثر مشادة جماعية بين مجموعة من الشباب. وقد هالني الأمر ليس لأنه حصل في هذه المدينة الهادئة فحسب، ولكن لأنه راح ضحية المشادة شاب في عمر الزهور كان سيشكل أحد أعمدة المستقبل ممن تعقد عليه الأمة آمالها وطموحاتها، وممن ترقب أسرته نموه ونشأته أمامها كما تنمو سيقان الزرع، وتنتظر ثمرته لنفسه وأسرته ووطنه. كما أصيب شاب آخر بطعنتين نقل إثرهما إلى المستشفى. وإننا إذ ندعو للشاب بالمغفرة ولأسرته بالصبر لنرجو من الله أن يشفي المصاب.

ولست أعلم سببا لهذه المشاجرات التي أصبحت شبه ظاهرة نستيقظ على دويها صباحا، فتكون نتائجها إزهاق أرواح أو إصابات مقعدة! ولست أعلم من المسؤول عن انتشارها، هل هي التربية الأسرية التي فشلت في تبصير الشباب وتحذيرهم من مغبة اللجوء للتصفيات الجسدية؟ أم هي فقدان الأمن النفسي؟ أم بسبب سيطرة روح الانتقام على العقول دون التروي واستخدام الحلم؟ أم فشل وسائل الحوار بين الطرفين؟ أم انتفاء الوازع الديني الذي يحرّم القتل مهما كانت الأسباب؟

وإن كان من الصعوبة تواجد الشرطة في كل شارع لضبط الأمن، كما أن الأسرة لا تستطيع السيطرة على أبنائها الشباب والحد من خروجهم للشارع، ولن تقدر على تفتيش جيوبهم! فإن توافر الأسلحة السوداء والبيضاء والملونة بالدم والثأر في متناول أيدي الشباب لهو أمر خطير يدعو لدراسته اجتماعيا ومناقشته ثقافيا والحد من انتشار تلك الأسلحة بين الشباب المتهور عن طريق التوعية والتثقيف تارة، والحزم والردع تارات. والأمر يستوجب الحيطة والحذر من وقوع مثل تلك المشاجرات التي تكون نتائجها قاسية ومؤلمة ومميتة.

www.rogaia.net




rogaia143@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد