Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/06/2010 G Issue 13765
الأحد 23 جمادىالآخرة 1431   العدد  13765
 

لا تحب ولا تكره
عبد الله الصالح العثيمين

 

عنوان هذه المقالة من التعبيرات الدارجة لدى سكان وسط الجزيرة العربية. والمراد به ليس حرفية الكلمات بمعنى نهي الإنسان عن الحب والكراهية، وإنما ما يتضمنه معنى الآية الكريمة:{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ}.

ما ارتكبه الصهاينة من جريمة ضد أسطول الحرية، الذي كان متجهاً إلى غزة حاملاً متضامنين من جنسيات عديدة ومعهم معونات إنسانية لأهل تلك البلدة المحاصرة ظلماً وعدواناً، أمر ليس بغريب.

ذلك أن الدولة الصهيونية دولة قامت أساساً على الإرهاب، وهذا ما ذكره بكل افتخار وغطرسة مجرم الحرب مناحيم بيجن، الذي كان رئيس وزراء لتلك الدولة، والذي اشترك مع الرئيس المصري في جائزة نوبل للسلام، وذلك في كتابه المنشور بعنوان ترجمته الثورة. ولقد ظلت الدولة الصهيونية متصفة بالإرهاب منذ قيامها على أرض فلسطين، التي كانت طاهرة فدنستها. ظلت ترتكب الإرهاب بمختلف وجوهه البشعة، واثقة كل الثقة أنها تمسك بتلابيب كثير من زعماء الغرب المهيمنين على مجريات شؤون العالم بصفة عامة، وأن من هم أمامها من قادة العرب لم ينجحوا إلا في التفنن باحتساء كؤوس الذل والهوان، وإتقان فنون تدجين شعوبهم، والمهارة في أساليب الانغماس في الفساد واختلاس الأموال العامة. ومن لم ينجح منهم في هذه الأمور، أو في أحدها، فإنه نادر، والنادر لا حكم له كما يقال.

والدولة الصهيونية وهي ترتكب جريمتها الأخيرة، التي لن تكون آخر جرائمها حتماً واثقة كل الثقة، أيضاً، أنها مؤيدة كل التأييد من الدولة الأمريكية، التي كان قيامها أساساً، كالدولة الصهيونية، على الإرهاب المتمثل في جرائمها الفظيعة ضد شعوب أمريكا الأصليين، والتي ظلت تمارس الإرهاب ضد شعوب العالم، وإن كان تركيز إرهابها في العقدين اللذين انتهيا على العرب والمسلمين بصفة خاصة، وقد يوجد من الجهال أو المتجاهلين من لا يرى صحة قول من قال:

سيَّان قادة أمريكا وإن جحدوا

وطغمة لبني صهيون تَنتسب

الجريمة الصهيونية الأخيرة ضد أسطول الحرية في مياه البحر المتوسط لها جانبان:

الأول يتمثل في نيل من نالوا الشهادة على أيدي مجرمي الحرب، أعداء الإنسانية، من الصهاينة، وكل مؤمن من أمتنا، عرباً ومسلمين، يرجو من لا يخيِّب رجاء المؤمنين أن يتقبلهم شهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ويدعو من يستجيب لدعاء عباده لذويهم وأحبتهم من أمتهم بالصبر والسلوان.

أما الجانب الثاني فهو أن غالبية أولئك الشهداء من مواطني الدولة التركية. والأتراك أمة من صفاتها المشهورة الشمم والشجاعة. والتاريخ شاهد على ذلك. وأظن بل أكاد أعتقد أن الإعجاب بهم لاتصافهم بهاتين الصفتين هو ما جعل ذلك الإعجاب يتبلور ليجد المرء بين العرب من سمى ابنه باسم (تركي) مثل تركي بن عبد الله آل سعود وتركي بن حميد وغيرهما، تماماً كما سمي جد آل سعود باسم مقرن إعجاباً فيما يبدو بمقرن بن زامل الجبري، الذي استشهد على أيدي البرتغاليين في شرقي الجزيرة العربية سنة 927هـ. وكنت قد أشرت إلى الصفتين المذكورتين في الأبيات التي قدمت بها رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، في حفل منحه جائزة الملك فيصل العالمية قائلاً:

إيه والملتقى زفاف عروس

حين تبدو تغار منها الحسانُ

جُلِّلت بالعفاف ثوباً قشيباً

وبما راق وُشِّيَت أردانُ

عيبها أنها تتيه شموخاً

وبها للعلا هوى وافتتان

سألوها: من العريس؟ فقالت:

رجبٌ طيِّب الثنا أردوغانُ

فارس لاح في المواقف حراً

لم يجد مسلكاً إليه الهوانُ

شمم لا يُذلُّ أوحاه مَجدٌ

أسُّ مبناه جَدُّ عثمان

كانت شجاعة تركيا، حكومة وشعباً، قد تجلت في موقفها العظيم ضد العدوان الصهيوني على غزة قبل عام، وهو الموقف الذي كم تمنى العربي أن مواقف أمته العربية، قيادات وشعوباً، كانت مماثلة له.

ثم أتت الجريمة الصهيونية الأخيرة على أسطول الحرية لتوضح مدى حقد الصهاينة على مواقف تركيا النبيلة لأنهم أدركوا بعد رؤيتهم إدمان العرب على شرب كؤوس الذل والهوان خروج العملاق التركي من قمقمه رافضاً السكوت على الباطل، ومصمماً على الوقوف مع الحق. وإذا كانت عظمة موقف تركيا قد تجلت إبان العدوان الصهيوني على غزة في العام الماضي بحيث تبلورت إلى أفعال شجاعة بينها إلغاء المناورة الجوية، التي كان مقرراً أن تقوم بها مع الكيان الصهيوني، والموقف الذي اتخذه رئيس وزرائها راداً على مجرم الحرب، شيمون بيريز، رئيس ذلك الكيان، فإن تلك العظمة قد اتضحت أكثر فأكثر تجاه جريمة الصهاينة الأخيرة، ومن يقارن بين موقف تركيا، شعباً وقيادة، ومواقف العرب، شعوباً وقيادات، يدرك الفرق بين تلك الدولة الأبية ومواقف الدول العربية، ويتضح له مدى احترام دول العالم، شرقاً وغرباً، لمن يحترمون أنفسهم ويتحلون بالإرادة والتصميم، ومدى احتقار تلك الدول لمن لا يحترمون أنفسهم، بل يتخذون التمسكن والتوسل إلى جهات لن تتخذ أي إجراء لإنصافهم.. يتخذونها ملجأ إليهم. وكنت قد أشرت إلى ذلك، قائلاً:

السادرون من الحكام ما برحوا

يرجون من نهب الأوطان واستلبا

لمجلس الأمن قد مدوا أكفهم

ساء المؤمل والمأمول منقلبا

هل يفرض المجلس الدولي سلطته

إلا إذا استهدف الإسلام والعربا؟

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد