Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/06/2010 G Issue 13765
الأحد 23 جمادىالآخرة 1431   العدد  13765
 
المملكة والعلاقات الدولية:
أضواء على زيارة الأمير سلمان لكل من النرويج وألمانيا (2 / 5)
بقلم: خالد المالك

 

النرويج:

كانت النرويج هي المحطة الأولى للزيارة (الأميرية) وقد بدأت بتاريخ 26 مايو 2010م وانتهت بتاريخ 28 منه، وفيها كانت (أوسلو) على موعد مع حدث مهم سوف يرتبط مستقبلاً بزيارة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لمملكة النرويج كلما كان هناك حديث عن العلاقات السعودية - النرويجية، وأعني به الإعلان عن افتتاح سفارة للمملكة في هذه الدولة الإسكندنافية متزامنة مع زيارة سموه، وذلك بعد طول ترقب وانتظار.

***

شمل برنامج الزيارة لقاءات مكثفة شملت مقابلة جلالة الملك (هارلد الخامس) ودولة رئيس الوزراء السيد (ينس ستولتنبري) ورئيس البرلمان (داغ تيري أندرسون) ونائبة وأعضاء لجنة الشؤون الخارجية والدفاع، كما شملت مباحثات سموه لقاءات أخرى مع وزير الخارجية (يوناس غارسنوره) ووزير التعليم العالي والبحث العلمي وعمدة مدينة أوسلو السيد (فابيان ستانغ)، وفي هذه اللقاءات كان سلمان - كما عهدناه - حاضراً في ذاكراته وذهنه ومهيئاً للحوار والمناقشات لبحث آفاق التعاون بين المملكتين.

***

وكان الاهتمام بالزيارة من النرويجيين كبيراً، فقد أخذ هذا الاهتمام أكثر من منحى، وتنوَّعت آفاق الحفاوة بين حفلات التكريم وتعدد اللقاءات وتنوّع الجهات والمسؤولين، والاهتمام ببحث كل الفرص المتاحة للتعاون بين بلدينا، ومن المؤكد أن من تابع ما نقلته وسائل الإعلام المرئية والمقروءة قد لاحظ شيئاً من هذا الاهتمام الذي ألقى بظلاله على هذه الزيارة، وأوجد مناخاً مناسباً لإنجاح وتفعيل فرص التعاون المستقبلية بين الرياض وأوسلو.

***

ولا شك أن تلبية أمير الرياض للدعوة التي تلقاها لزيارة مملكة النرويج لم تأت من فراغ، فهو - بالتأكيد - يدرك أهمية هذه الدولة، وعلى علم بما يشكله التعاون معها من مصلحة لشعب المملكة العربية السعودية، وعلى قناعة بأهمية تطوير وتنويع مجالات التعاون معها، وأن هذا لن يتم دون تبادل الزيارات بين المسؤولين في البلدين، وإعطاء اللقاءات فرصتها لبحث آفاق هذا التعاون وتطويره بحيث يلامس الأهداف التي تسعى إليها المملكة.

***

فالنرويج التي تقع شمال القارة الأوروبية، وتحديداً في أقصى شمال غربي أوروبا ينظر إليها على أنها العنوان المثالي لكل محبي الطبيعة، وهي - جغرافياً - عبارة عن شريط ضيق نسبياً يتكون من السلاسل الجبلية والمرتفعات المطلة على المحيط الأطلسي، يطول بها النهار في الصيف والعكس في الشتاء، وتُعرف بأنها أرض شمس منتصف الليل، وأهميتها تأتي من كونها عضواً مؤسساً بحلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1949م، وبالمجلس الشمالي عام 1952م، وفي منظمة التجارة الحرة الأوروبية (EFTA) عام 1960م، مع أنها ليست عضواً بالاتحاد الأوروبي، حيث رفض الشعب النرويجي الانضمام إليه باستفتاء في دورتين، وفضل أن تتسم سياسة بلاده بالاعتدال.

***

وأهمية زيارة الأمير سلمان لهذه الدولة تأتي من كونها زيارة لسادس أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم بعد المملكة وروسيا والإمارات وإيران والكويت، وأنها تملك التقنية العالية والخبرة المتميزة في استخراج النفط، بما في ذلك تلك الخدمات التي تحتاجها الصناعة النفطية، وهي خدمات لا تستغني عنها المملكة باعتبارها الدولة الأولى التي تمتلك احتياطياً نفطياً عالياً، فضلاً عن أنها المصدر الأول للبترول في العالم، وخصوصاً أن الكفاءات البشرية والقدرات الفنية لدى النرويج مكّنتها من أن تصدر منتوجاتها وخبراتها حتى إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادي.

***

ومن المؤكد أن الأمير سلمان، وهو يحتفظ بذاكرته - القوية - بمثل هذه المعلومات قد طرح أمام مضيفيه أهمية تدريب الشباب السعودي للتعرّف على الأسرار التي مكنت النرويج من أن تكون صديقة للبيئة وفق نظام دقيق في ذلك، وعلى النحو الذي أهدت به صناعة النفط فقط خلال العام الماضي ما يصل إلى 38 مليار دولار، بما يشجع أرامكو هي الأخرى لإعطاء المزيد من فرص الاستثمار في هذه الصناعة بأكثر مما هو موجود، وذلك بمحاكاتها للتجربة النرويجية الهائلة في هذا المجال.

***

وما إن تذكر (أوسلو) حيث زارها الأمير سلمان، إلا ويذكر اتفاق أوسلو الشهير الذي تم توقيعه في العاصمة النرويجية عام 1993م بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليكون أساساً للعملية السلمية المتعثرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وبالتالي بالدول العربية، وهذا الاتفاق أعطى أهمية لعلاقة هذه الدولة بالقضية الفلسطينية ومكّنها من أن تكون طرفاً رئيساً معنياً بتفسير بنود الاتفاق بوصفها شاهداً وحيداً في كل ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين.

***

وبالتأكيد، فإن سلمان كان يدرك أهمية مملكة النرويج لتأسيس علاقة متميِّزة معها، ولهذا سارع لحظة وصوله إلى الترتيب - أولاً - لفتح سفارة للمملكة فيها، بعد أن ظلت سفارة المملكة في السويد تقوم بمهام ومتطلبات وأعمال السفارة السعودية - المفترضة - في أوسلو عن بعد، بينما كانت الرياض تستضيف سفارة للنرويج في الحي الدبلوماسي مع قنصلية عامة في جدة منذ سنوات طويلة دون أن تقابلها المملكة بفتح سفارة لها هناك.

***

وأذكر أن عدداً من المسؤولين من النرويج زاروا المملكة وبينهم وزير الخارجية الحالي، حيث اجتمع بنظيره السعودي الأمير سعود الفيصل، ويومها دعا سموه الوزير الضيف إلى التوقيع النهائي على اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون ودول رابطة التجارة الحرة الأوروبية (الإفتا) التي قال في كلمة له إن من شأنها أن تعزّز العلاقات الاقتصادية وتسهم في زيادة التبادل التجاري وتشجع الاستثمارات المتبادلة للسلع والخبرات بين دول المجلس والإفتا.

***

وأظن أن الأمير سلمان لم يغفل هذا الموضوع في لقائه بوزير خارجية النرويج، كما أنه وجد في الزيارة فرصة لبحث عملية السلام في المنطقة، بحكم أنها الراعية لاتفاق أوسلو، وبحكم اهتمام الأمير الشخصي بهذه القضية منذ بواكير شبابه، حيث تولى تنظيم دعمها مالياً وفق تنظيم وجهود اعتمدت على لجان مؤسسية فعّلت هذا الجهد وهذا العمل الإنساني فأصبح لهذه القضية بذلك سنداً ولأسر شهدائها من التدفق المالي ما يكفي للصرف على احتياجاتهم ومتطلباتهم ضمن معالجة فاعلة لمعاناتهم.

يتبع غداً



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد