Al Jazirah NewsPaper Thursday  10/06/2010 G Issue 13769
الخميس 27 جمادىالآخرة 1431   العدد  13769
 
العلامة الزاهد ابن غديان.. فقيد أهل الإسلام

 

إن من أعظم المصائب التي تصيب الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها موت العلماء، إذ بذهابهم يقبض العلم ويقل الخير في الأرض، وهذه والله من أعظم المصائب، فقد ورد عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) أخرجه البخاري في صحيحه..

بالأمس القريب رحل عنّا واحد من العلماء الربانيين الذين نفع الله بهم البلاد والعباد وأجرى على يديه الخير للحاضر والباد، إنه شيخنا الإمام العلامة الفقيه الزاهد عبد الله بن عبدالرحمن بن عبدالرزاق الغديان التميمي -رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة-.. عاش بيننا هادئاً هادياً مهدياً زاهداً ورعاً تقياً لزم طريقة السلف الصالح من الصحابة والكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا، فلم يشذ ولم يخالف الهدي النبوي ولم يجادل بباطل قط، بل كان إماماً في شتّى العلوم، منافحاً عن عقيدة السلف، داعياً إلى الله على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة. جمع الله له من العلوم ما لم يجمع لغيره، فهو الفقيه الذي لا يشق له غبارٌ، والأصولي الألمعي صاحب الحجة والبرهان والمفسر الذي استبان له مراد الحق من الوحي المنزل، وهو الإمام الموحد الذي وقف على عقيدة السلف الصالح وعرف دقائقها ومعانيها، وهو اللغوي النحوي الذي استطاع أن يطوع اللغة العربية لفهم الأدلة وتنزيل الأحكام والحوادث على الواقع، استطاع أن يلم بالقواعد الأصولية والفقهية بيسر وسهولة، فنفع الله به طلاب العلم بخاصة ونفع به المسلمين بعامة، إذ استطاع أن يسخّر هذه العلوم لإيصال الدعوة والأحكام لجميع الناس، يسمعه المتعلم فيعقل عنه، ويسمعه العامي فيفهم عليه، بعيداً تمام البعد عن المراء والخصومة، محافظاً على وقته أشد المحافظة، وقد جمعت له الكثير من المناصب العلمية، فهو عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، وهو الأستاذ الجامعي الذي يدرس شتّى العلوم، ويشرف ويناقش الرسائل العلمية من الدكتوراة والماجستير، وهو المدرس في حلقات العلم غالب أيام الأسبوع في المساجد، وهو المفتي المشارك في البرنامج الإذاعي النافع (نور على الدرب)، وغير ذلك من المهام العلمية التي لا يقدر عليها إلا أولو العزم من الرجال، كيف لا وهو الذي أخذ العلم على أصوله ومن منابعه العذبة، فقد درس كافة العلوم وجمع آلة الاجتهاد وتتلمذ لكبار أهل العلم في زمنه منهم الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- والإمام محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- والعلامة الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله- والعلامة عبدالرحمن الإفريقي والعلامة عبد الله الخليفي والعلامة عبدالفتاح قاري وغيرهم كثير..

وقد ظهر ذلك جلياً في دروسه ومحاضرات وفتاويه، ولقد عرفته وتتلمذت على يديه في بداية هذا القرن في مرحلة الدراسات العليا في كلية الشريعة بالرياض في عام 1401هـ، فاستفدت من علمه الغزير ودقة استنباطاته وتقعيداته، فضلاً عمّا حباه الله تعالى به من جمعه بين التعليم والتربية، والعلم والعمل والتعليم بالبحث والتنقيب في كتب الأئمة ومصادر الشريعة الأصلية، ثم امتدت علاقتي بالشيخ بعد انتهائي من مرحلة الدكتوراة وتعييني عضو هيئة تدريس بقسم الفقه في كلية الشريعة بالرياض، فكنت أزوره في مكتبه وأحمل معي الكثير من مشكلات العلم ومعضلاته، فما يلبث أن يزيل المشكل بحسن البيان ويحل المعضلات بقوة الحجة والبرهان في إطار من الفهم الدقيق وحسن البيان..

ثم كان لي الشرف في الحضور معه مناقشاً لبعض الرسائل العلمية التي يشرف عليها في مرحلة الماجستير والدكتوراة، فنفعنا الله به نفعاً عظيماً من خلال توجيهاته وتقريراته وتقعيداته، ورأفته ورحمته بطلابه وطالباته..

وها نحن اليوم نصاب مصاباً جللاً بفقد شيخنا العلامة ابن غديان، فلقد ذهب بذهابه الكثير من العلم والخير، وإنا نسأل الله تعالى أن يجبرنا في مصابنا وأن يخلف علينا ما يعوضنا تلك الخسارة العظيمة، كما نسأله أن يغفر لشيخنا ويسكنه فسيح جناته وأن ينقيه من الذنوب والخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأن يبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأن يجعل مستقره الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يجمعنا إياه في مستقر في رحمته ودار جنته مع النبيين والصديقين والصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.. آمين..

د. أحمد بن يوسف الدريويش
وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لشؤون المعاهد العلمية


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد