Al Jazirah NewsPaper Thursday  10/06/2010 G Issue 13769
الخميس 27 جمادىالآخرة 1431   العدد  13769
 
نزهات
كيف تعود مئات «الهيلات»؟
يوسف المحيميد

 

هل يجب أن تكون صدمتنا كبيرة لأنها «هيلة» ولأنها «امرأة» وليست رجلاً؟ هل تكون الصدمة مضاعفة كوننا نعرف بأن عائلتها من العائلات الكريمة في القصيم والمعروف عنها العلم مثلاً؟ أم علينا أن نقول لأنفسنا بجسارة، إذا كانت المرأة شريكة الرجل في البناء والتنمية في الوطن، فيحتمل أيضاً أن تكون شريكته في الهدم والدمار والإرهاب.

أما السؤال المحوري الذي نحتاج إلى الإجابة عنه، أو أن نستل أسئلة متفرعة منه، هو لماذا حدث ذلك؟ ما الذي جعلها تطوف المناسبات والمحاضرات والكليّات وجمعيات التحفيظ، كي تستعطف النساء وتجمع التبرعات بحجة بناء المساجد ودور الأيتام؟ هل أنهت دراستها الجامعية فعلاً؟ ولِمَ مزقت شهادة تخرجها من الجامعة تخصص الجغرافيا؟ هل كانت تبحث عن الانتقام من قاتل زوجها المتورط خلال مواجهة أمنية مع خليّة إرهابية في الرياض قبل خمس سنوات؟ كما في تصريحات لجنة المناصحة؟ والسؤال الأخير هو كم جنّدت خلال السنوات السابقة من طالبات الجامعات لاعتناق الأفكار المتطرفة؟

ربما هذا السؤال هو الأكثر إثارة للقلق والوجل، خاصة حينما نربط ذلك بإحصائيات تحدث عنها رئيس حملة السكينة في وزارة الشؤون الإسلامية عبدالمنعم المشوح، الذي قال بأن 90% من النساء السعوديات تعاطفن مع الأفكار المنحرفة، وأن 60% منهن ممّن تأثرن بمجتمعهن المحيط بهن، و40% ممّن تأثرن عن طريق الإنترنت.

أتمنى أن يكون هذا الرقم مبالغ فيه، فمع تقديري لإحصائيات حملة السكينة خلال سبع السنوات الماضية، فإنني لا أتخيل أبداً، أن تسع نساء سعوديات من بين كل عشر، هن ممّن يعتنقن الأفكار الضالة، أو حتى يتعاطفن مع الأفكار المتطرفة، لأن أخذ أي عينة عشوائية من أي تجمع نسائي، جامعة، مركز تجاري، مركز صحي أو مستشفى، موقع إنترنت، لا أظن أنها ستحمل هذه النسبة المرعبة، والمبالغ فيها.

ربما أكثر ما يلفت الانتباه في إحصائية حملة السكينة، أن المرأة المشغولة أو العاملة تكون نسبة وقوعها في الأفكار المنحرفة أقل بنسبة 70% من غيرها، وهذا ربما يقود إلى مأزق البطالة وتكدّس الخريجات السعوديات، الأمر الذي صار يكبر كل عام، ككرة ثلج ضخمة، تتدحرج بسرعة وعنف حتى تدمّر ما يمثل أمامها، فما الذي يحدث لفتاة شابة مليئة بالطاقة والحيوية والطموح والحلم بمستقبل مشرق، حينما لا تجد أي شيء يملأ حياتها، فتعاني من الفراغ من جهة، ومن ضيق ذات اليد من جهة أخرى، فلا هي طالبة في الجامعة تشغل وقتها وتحصل على مكافأة متواضعة، ولا هي موظفة تشعر بكينونتها ودورها في بناء وطنها، ولا هي متزوجة تحلم بالاستقرار وبناء أسرة صغيرة مترابطة، فماذا تفعل؟

الحل الوحيد أمامها هو تصفح الإنترنت، وصرف ساعات طويلة أمام شاشة الحاسوب، وكلنا يعلم أن الإنترنت هو فوضى مفتوحة بامتياز، وأن المواقع الجهادية الأصولية قد زادت خلال عشر سنوات من مجرد 12 موقعاً عام 1998 إلى ما يقارب 4800 موقع عام 2008م، مما يعني أن احتمالات تحول أفكار الفتيات إلى التطرف، أو التعاطف مع التطرف، هو أمر وارد جداً.كيف نعيد إذن هؤلاء الفتيات إلى الحياة الواقعية، بعيداً عن الحياة الافتراضية في الإنترنت؟ كيف تعود مئات «الهيلات» الهاربات من المجتمع، ويتحولن إلى أعضاء مؤثرة وفاعلة فيه؟ يجدن فرصهن وحقهن في التعليم والتوظيف والحياة الزوجية الكريمة؟

أعتقد أنها أمور تتحمل مسؤوليتها كل الجهات والمؤسسات الوطنية، وفي جميع مجالات الحياة، من التربية والتعليم والعمل والصحة والإعلام، فضلاً عن الأسرة، فما لم تتكاتف جهود المؤسسات والأفراد وكافة أطياف المجتمع وفئاته وتياراته، ستستمر كرة الثلج تتدحرج وتكبر وتكبر وتكبر حتى تغطي البيوت!



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد