Al Jazirah NewsPaper Friday  11/06/2010 G Issue 13770
الجمعة 28 جمادىالآخرة 1431   العدد  13770
 
الجينات والأوهام
دونا ديكنسون *

 

إن كنت تحلم بأن تتمكن ذات يوم في المستقبل من شراء إحدى مجموعات الحمض النووي إلى جانب زجاجة الشامبو من الصيدلية، فلن يحالفك الحظ في أغلب الظن. فقد حذرت إدارة الأغذية والعقاقير في الولايات المتحدة مؤخراً سلسلة الصيدليات العملاقة والجرين من عرض مجموعات اختبار جينية شخصية في فروعها. وكما صرح المتحدث باسم إدارة الأغذية والعقاقير «فإن هذه المجموعات لم يثبت أمانها أو فعاليتها أو دقتها، وقد يتخذ المرضى قرارات طبية استناداً إلى معلومات يستمدونها من اختبار لم يتم التصديق عليه من قبل إدارة الأغذية والعقاقير». منذ أصبحت أولى الاختبارات الجينية الشخصية متاحة على شبكة الإنترنت قبل ثلاثة أعوام، أثار المنتقدون المخاوف بشأن تأثيرها المحتمل على المرضى وأسرهم، فضلاً عن مدى دقتها. فزعم بعضهم أن هذه الاختبارات عبارة عن «أبراج وراثية» (المقصود أنها كأبراج الطالع)، وأنها مثلها كمثل أبراج الطالع لا تشكل علماً دقيقاً. ولقد أدت هذه المخاوف إلى حظر الاختبارات الجينية الشخصية في العديد من الولايات الأميركية، وفي بلدان أوروبية مثل فرنسا وألمانيا. إن الاختبارات الجينية الشخصية تختلف باختلاف الشركة المنتجة لها. فعند أحد طرفي السوق هناك شركات تعرض اختبار جينات الشعر الأحمر المتنحية أو الكيمياء الجنسية. وهناك شركة تدعى Scientific Match، تختبر عدداً صغيراً من الجينات المرتبطة بالاستجابة المناعية، وتعد بأنها قادرة على الجمع بينك وبين شريك أو شريكة حياة يتمتع أو تتمتع بتركيبة جينية من شأنها أن تعمل إلى جانب تركيبتك الجينية على منحكما حياة جنسية أفضل ومنح أطفالكما استجابة مناعية طبيعية أعلى. وعند الطرف الآخر من السوق هناك شركات مثل شركة Navigenics، وشركة 23andMe، تعرض اختبارات للاستعداد الوراثي للإصابة بمجموعة من الحالات الطبية مثل مرض الزهايمر، وسرطان الثدي، ومرض السكري.

ولكن هناك أربع قضايا رئيسة تقلق المنتقدين.

أولاً: لأن هذه الاختبارات جزئية فقط، فإنها لا تغطي كافة القواعد. فهي تستهدف تركيبات مختلفة من ال SNPs (الأشكال المتعددة للتركيبة النووية المنفردة، أو المتغيرات الجينية). وهناك ما يقرب من ثلاثة مليارات من المتغيرات الجينية في الجينوم البشري، ولا تغطي كل من الشركات التي تعرض الاختبارات الجينية الشخصية سوى كسرة ضئيلة من هذه المتغيرات. وهذا يعني أن العميل قد يحصل على نتائج واسعة الاختلاف من الشركات المختلفة بشأن احتمالات إصابته بحالة مرضية أو وراثية بعينها. في شهر أكتوبر- تشرين الأول 2009، نشرت المجلة العلمية «الطبيعة» مقالاً يصف كيف قدم خمسة باحثون عينات من أحماضهم النووية لكل من شركة Navigenics وشركة 23andMe، لفحصها بحثاً عن خطر الإصابة بثلاثة عشر مرضاً. ولقد حصل ثلاثة من الباحثين على نتائج متناقضة فيما يتصل بخطر الإصابة بالأزمات القلبية، ومرض الذئبة، ومرض السكري من النوع الثاني. ورغم أن المعرفة الجينية قد تمنحنا المزيد من القوة والتمكين، فإن المعرفة المنقوصة أمر بالغ الخطورة، وخاصة إذا اتخذ الناس تدابير لا رجعة فيها على أساس «الإيجابية الكاذبة» لمرض ما - أو تجاهلوا بعض التدابير الواجبة مثل فحص الثدي على أساس «سلبية كاذبة». ولكن لماذا لا تغطي كل الاختبارات نفس الجينات؟ لكي أكون صريحاً معكم، إن المعرفة الجينية لم تتقدم بعد إلى الحد الذي يسمح للأطباء والعلماء بالربط عموماً بين جين واحد، أو حتى مجموعة من الجينات، بحالة مرضية بعينها. وهذا هو المصدر الثاني للانتقادات.

ففي الأيام الأولى من الاختبارات الجينية أحرز الباحثون نجاحاً كبيراً في تحديد الأسس الجينية لحالات مثل مرض هنتنجتون. ولكن مرض هنتنجتون، المرتبط بعدد معين من التكرارات لعلامة وراثية واحدة، لا يمثل الدور الذي تلعبه الجينات في إحداث الأمراض. ذلك أن مسببات أغلب الأمراض لا تقتصر على عوامل جينية فحسب، والارتباط بالعديد من الجينات أكثر نموذجية بالنسبة لهؤلاء الذين لديهم ارتباط وراثي قوي. إن الطب الجيني يتقدم بخطى سريعة، ولكن يبدو أن تطبيقاته السريرية أصبحت في تراجع. ففي وقت سابق من هذا الشهر، تعرف الباحثون في معهد أبحاث السرطان في المملكة المتحدة على خمس مناطق جينية جديدة مرتبطة بسرطان الثدي، وبهذا يصبح مجموع هذه المناطق حتى الآن ثماني عشر. ولكن كلما زاد عدد الجينات المرتبطة بمرض ما كلما أصبحت اختبارات الجينات الشخصية أقل قدرة على اختبارها جميعاً، وكلما ازدادت الصعوبة التي سوف يواجهها المستهلك في تفسير النتائج من دون الحصول على مساعدة مهنية. إن شركات الأدوية وغيرها من الشركات قد تكون حريصة على شراء البنوك الحيوية التي تستطيع أن تستعين بها في اختبار منتجاتها فيما يتصل بالاستجابات المتغايرة تبعاً لاختلاف التركيبات الجينية للمرضى. وهذا التطور الجديد يدعى «الصيدلة الوراثية» (pharmacogenetics)، ويهدف إلى تقديم جرعات أفضل تعييراً وعلاجات أكثر فعالية. لا شك أن هذا في حد ذاته لا يعد خطيئة كبرى، ولكن من الغريب أن يدفع العملاء للشركة في مقابل امتياز التبرع بأحماضهم النووية لقاعدة بيانات الشركة. وتقول مؤسسة شركة 23andMe: «لن نبيع البيانات الفردية، ولكن قاعدة البيانات ككل سوف تكون ذات قيمة هائلة». الواقع أن الأمر الآن أكثر إثارة للشكوك مما بدا عليه في مستهله حين بدأت الشركات في وضع خطط أعمالها. فقد انخفضت تكلفة رسم الجينوم الكامل بسرعة هائلة، من 27 مليار دولار لأول جينوم كامل إلى عشرة الآلاف دولار فقط الآن، وهو ما يجعل قاعدة بيانات الجينوم الجزئية أقل جاذبية. والواقع أن إحدى الشركات الكبرى العاملة في هذا المجال أفلست بالفعل؛ وبدأت شركة أخرى في الاستغناء عن موظفيها.

***

* دونا ديكنسون أستاذة فخرية لأخلاق مهنة الطب والعلوم الإنسانية بجامعة لندن، والفائز بجائزة سبينوزا لينز الدولية لعام 2006 عن إسهامها في المناقشة العامة حول الأخلاق. وأحدث مؤلفاتها كتاب بعنوان «تسوق الأجساد: تحويل أجزاء جسم الإنسان إلى أرباح».

خاص بالجزيرة


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد