Al Jazirah NewsPaper Friday  11/06/2010 G Issue 13770
الجمعة 28 جمادىالآخرة 1431   العدد  13770
 
حذر من خطورتها على المجتمع كله.. سماحة مفتي عام المملكة:
الإشاعات هدفها إرجاف الأمة والفت في عضدها وإضعاف عزائمها

 

الرياض - خاص بـ(الجزيرة)

أكد سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارات البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ أن الصدق في القول والعمل خلق أهل الإيمان، فالمؤمن صادق في قوله صادق في إيمانه، فإيمانه بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم إيماناً ظاهراً وباطناً، وبذلك خالف المنافق الذي آمن ظاهره وكفر باطنه، ولذا قال الله تعالى في المؤمنين الذين يخشون ربهم بالغيب: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} (12) سورة الملك، فالمؤمنون صدقوا في إيمانهم أظهروا الإيمان بألسنتهم مع اعتقاد قلوبهم لحقيقة ما تكلموا به ابتغاء وجه الله تعالى، وأدوا أركان الإسلام الظاهرة عن إيمان حقيقي بفرضيتها ولزومها، أما المنافقون فإنهم كذبوا يقولون بأفواههم بخلاف ما يعتقدون بقلوبهم، قال الله تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ} (14) سورة البقرة، وقال المولى عز وجل: {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (1) سورة المنافقون، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (والصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال العبد يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً)، وقال الله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (69) سورة النساء، فالمؤمن صادق في أعماله، وصادق في أخباره، وصادق في تعامله، وصادق في كل أحواله، وصادق القول والعمل لا يقول إلا خيراً، ولا يتحدث إلا بخير، فلا تسمع منه عوايد الكذب، وغرائب الأخبار، ولكن تسمع منه الصدق الحق، والحق فيما يقول.

وبيّن سماحته معنى الشيوع بأنه: نشر الشيء وإظهاره حتى يشيع بين الناس ويعرفه من كان جاهلاً به، هذه الإشاعات في الغالب عليها أنها تستعمل في نشر أخبار غير لائقة، وبث أقوالٍ غير صادقة، القصد منها الإرجاف بالأمة، والفت في عضدها وإضعاف عزائمها، والإشاعات قديمة وليست حديثة اليوم لكنها تتفاوت من زمن إلى آخر، وقد ذكر الله في كتابه في قصص أنبيائه ورسله كيف أشاع عنهم أقوامهم ما ليس لائقاً بالأنبياء فهذا نوح عليه السلام قالوا فيه كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} (24) سورة المؤمنون، فأشاعوا عنه أنه يريد التفضل والمنة عليهم، وأشاعوا عنه أن أتباعه هم ضعفاء العقول، قال الله تعالى: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} (27) سورة هود، وقال قوم هود لهود عليه السلام كما أخبر الله عنه أنهم قالوا له: {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ، قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (65 - 66) سورة الأعراف، وقالوا كما قال الله عنهم: {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ} (54) سورة هود، فهم يظنون ويشيعون عنه أن آلهتهم أصابته بخبل.

أسباب الشائعات

وعرض سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ بعضاً من أسباب الشائعات، وقال: منها:

أولاً: الجهل الذي يخيم على عقول كثير من الناس فلا يميزون بين حسن وقبيح، ولا بين صدق وكذب، ولا حق وباطل، لكن يشيعون ما سمعته أذانهم سواء كان ما أشيع حقاً أم كان ما أشيع باطلاً فللجهل، وقلة العلم والمعرفة، تحدثت الألسن بما سمعت الأذن، ولا يهم ذلك المتحدث أنقل خيراً أم شراً، أنقل صدقاً أم كذباً، كل هذا لا يبالي به لجهله، وقد يشيع ما فيه ضرر عليه وعلى غيره، ولو كان يعقل ما تكلم إلا بما فيه خير وفائدة.

ثانياً: الحسد، الحسد داء عضال، ومرض قلبي خبيث ينخر في جسم المرء حتى يملأ نفسه هماً وغماً، ذلك أن الحاسد لا ترضيه نعمة أنعم الله بها على عبده، وإنما همه وغاية مراده سلب نعم الله عن عباده، فالحاسد خبيث الطبع سيء النية، معترض على الله في قضائه وقدره، ولذا يفرح الحاسد بكل عيب أو خطأ أو نقيصة في المحسود ليشيعها، ويذيعها، ويوسع نطاق انتشارها، ويضيف إليها ما يضيف؛ لأن الحاسد من يتمنى زوال النعمة عن المحسود، فبحسده فرح بكل نقيصة يظفر بها، فرح بكل بلاء يحصل له لأن قلبه يغلي على ذلك الإنسان الذي فضله الله بالعلم، أو بالمال، أو بالجاه، فهو لا يرضى بقسم الله، وأن الله حكيم عليم عادل في قضائه وقدره، بل يسعى في إذلال ذلك الإنسان والحط من قدره وشأنه، لذلك يسعى إلى الإساءة والنميمة ضده، فالنمام هو الناقل للكلام السيئ على وجه الإفساد والتفريق بين الأحبة، قال الله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ، هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ، مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} سورة القلم (10 - 12) ، وفي الحديث عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام) متفق عليه، والنمام يفسد في الساعة ما يعجز عنه الساحر في سنة، فهو ينقل ما سمع إلى من قيل فيه، ويشيع ذلك الأمر إلى أن يتصدع بنيان المجتمع، ويضرب بعضه ببعض.

ثالثاً: الكذب، وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بئس مطية القوم زعموا) أخرجه الإمام أحمد، فزعموا، وقالوا، وتحدث فلان، وقيل كل هذه أمور لا تصلح أن تكون مصدراً لخبر، ولهذا توقف العلماء في بعض الأحاديث التي جاء فيها يروى ويذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث الآخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) أخرجه الإمام مسلم، فلعله إذا حدث ببعض الأمور أنها حدثت أن يكون كذباً فينسب الكذب إليه وهو لم يكذب، لكن المصادر التي نقل عنها ليست مصادر صدق وإتقان.

ترويج الباطل

ورأى سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية أن الإشاعة تكون أحياناً على الفرد ذاته إما طعناً في دينه، أو طعناً في ذاته، أو طعناً في معنويته، أو طعناً في قيمه وفضائله، والطعن في ذات الشخص هو أن يشيع عن فلان أنه كذاب، أنه مماطل، أنه غاش الخ، أو يشيع عنه أنه مفلس، وأن معاملته سيئة، أو يشيع عنه أنه فاسق، أنه مبتدع، أنه كافر، أنه منافق، أنه من حزب كذا الخ.

وشدد سماحته على أن انتشار الإشاعة في الجماعة المسلمة أمر خطير، ومنكر عظيم فكم يشاع بالأمة من أكاذيب، وأراجيف، وأباطيل لا أصل لها ولا حقيقة لها، ولكن ابتلي بعض الناس بترويج الباطل والتحدث به دائماً يطعن في الأمة، وفي الأفراد، وفي العلماء، وفي الولاة بلا روية، ولا خوف من الله، هم الواحد أن يقول، ويتحدث، ويتلقف الأقوال من غير مصادرها ومن لا يرى فيهم الخير، ولا يؤمل فيهم الصدق، فهم أناس انتزع الحياء من نفوسهم، فلا يبالون بما يقولون، جاء عن أبي مسعود عقبة بن عامر الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) رواه البخاري، إن هؤلاء الذين يشيعون الأخبار دون تثبت من صدقها يرجفون بالأمة، فيفتون في عضدها، ويضعفون عزائمها، ويهولون الشر في نفسها، وكأنهم جنود للأعداء يثبطون الأمة، ويذلونها، والمسلم مطلوب منه ضبط النفس، وتقوية عزيمة الأمة، وإشاعة الثقة بالله ثم بهذا الدين، وتقوية روابط المجتمع، والحرص على لم الشعث، وجمع الكلمة، ووحدة الصف وتبصير الأمة بما ينفعها، وتحبيب الراعي لرعيته، والرعية لراعيها، والربط بين قلوب الجميع، والحرص على تضييق شقة الكلام الباطل حتى يعلم الناس ما يقولون وما يفعلون.

الطعن بالأمة

ولفت سماحة المفتي العام للمملكة إلى أن بعض وسائل الإعلام المنحرفة من قنوات فضائية، أو وسائل معلوماتية، كالإنترنت وأمثالها في بعض ساحاتها، وفي بعض مواقعها أمور يقطع المسلم حقاً بكذب كثيرٍ منها أو كلها، ويعلم أن أولئك الناشرون لها هم أقوام لا حياء عندهم، ولا خوف من الله، ولا مراقبة لأمر الله، وإنما يستحسنون ما يمليه عليهم الهوى فيطعنون بالأمة إما بعلمائها، وإما في قيادتها ليجدوا متنفساً لهم بما امتلأت به قلوبهم من الخبث، والبلاء، والعداء لله ولرسوله ودينه، إن المؤمن قوي الثقة بالله، ثم قوي الثقة بنفسه وبإيمانه بالله، وتمسكه بشرع الله، ثم هو أيضاً قوي الثقة بولاة أمره الذين حكَّموا شرع الله، وأقاموا دولتهم على حكم الله، فيعلم أن هذه النعمة فضل من الله لا تدوم إلا بشكرها والثبات على دين الله وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر، فيسعى في جمع الكلمة، ويحذر من الفرقة والاختلاف ولذلك يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) أخرجه الإمام مسلم، فالمقصود أنه يجب على المسلم أن يفحص في قلبه محبة ولاة أمره، وليس محبته لهم أن يبغضهم لخطأ قد يكون غير مقصود، فالخطأ ليس أحد معصوم منه، لكن لا يفرح بالخطأ، ولا بالنقص، بل هو يعد لهم الحسنات، ويدعو إلى الخير، ويوجه، وينصح في سبيل إصلاح الأمة ونصرتها.

وحذر سماحته من المنافقين والذين في قلوبهم مرض قائلاً: إن دأب المنافقين ومن في قلبه مرض السعي إلى شق عصا الطاعة وتفريق الأمة، وتشتيت شملها، وإحداث العداوة والبغضاء بين أفرادها، وبين قيمها، قال الله تعالى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا، مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} سورة الأحزاب (60 - 61)، فالمرجفون في الأمة هم الذين لا يرتاحون إلا بنشر خبر سيئ يقولونه، أو أنباء سيئة يشيعونها، وينشرونها، ويذيعونها، ويبدؤون فيها ويعيدون رجاء أن يضعف كيان الأمة، فالمنافقون في عهد رسول الله أخذوا من قضية الإفك راحة لنفوسهم، وجعلوا يتحدثون بها في مجالسهم لينفسوا بها عما في نفوسهم من حقد، ولكن الله - جل وعلا - أكذب ظنهم، وأنزل آيات بينات في براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قال الله تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} (12) سورة النور، وقال تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (15) سورة النور، وقال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (14) سورة النور.

اليد الواحدة

وقال سماحته: إن أعداء الأمة يحاولون إيجاد الفرقة بين أفراد الأمة، ثم بين أفرادها وقيادتها وبين علمائها، فهم يسعون إلى إيجاد الفرقة بينهم جميعاً بما يحدثونه من نشر الشائعات السيئة، والشائعات المغرضة، والشائعات المفرقة لوحدة الأمة، والمزعزعة لكيانها، ونحن مطلوب منا دائماً ولاسيما في هذه الظروف الحرجة أن نكون يداً واحدةً، أعواناً على الخير، وأعواناً على البر والتقوى، يكمل بعضنا نقص بعض، ويعين بعضنا بعضاً، نسعى في جمع الكلمة، ونسعى في وحدة الصف، ونسعى في لم الشمل، ونسعى بتذكير الأمة نعم الله عليها التي أصلها نعمة التمسك بالإسلام وتطبيقه، ثم ما تابع الله به علينا من هذه النعم العظيمة، والخيرات الجزيلة، ثم هذا الأمن، وهذه القيادة المباركة، وهذا الخير الكثير، فلنحمد الله على هذه النعمة، ولنرعاها حق رعايتها، ولنحذر في أن نكون سبباً في إنقاصها، أو زوالها، قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} (53) سورة الأنفال.

وأكد سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية أن الشائعات المغرضة هي التي أحدثت في الإسلام شرخاً عظيماً، ونقصاً كبيراً، فما استبيح دم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه إلا بالشائعات التي تحمل الكذب والافتراء والطعن عليه رضي الله عنه وعلى ولاته، ونقل الأخبار الكاذبة التي أغروا بها من أغروا، ولبَّسوا بها على من لبسوا إلى أن وقع الناس فيما وقعوا فيه، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، فالشائعات الكاذبة السيئة تقضي على حياة الناس، وتتلف أموالهم، وتهتك أعراضهم، وتفرق المجتمع، وتجعله مجتمعاً متفرقاً ضعيفاً غير منتج، والمجتمع المسلم مطلوب منه الوحدة، والإخاء على الخير، والصدق، والهدى.

قضايا الأمة

ونصح سماحته المسلم أن يفحص كل قول يرد إليه أو يسمعه، ويتثبت في صحته، وقال: أيها المسلم كل قول يبلغك فمحص هذا القول، واعرضه على العقل، وزنه بميزان العدل، فإن يكن حقاً فهذا ينبغي نشره، وإن يكن باطلاً فإنه يجب رده وعدم الخوض فيه، والتحدث الخطير في القضايا المصيرية ليس لكل أحد من الناس، فنحن في زمن كل يريد أن يكون مناقشاً، ومحللاً، ومعطياً جواباً وهو لا يدرك حقيقة تلك القضايا التي يناقشها ويتكلم فيها، ولا يتصورها التصور الصحيح والواجب أن ترد إلى من جعلهم الله أهلاً لهذه المهمات، ولذلك قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (83) سورة النساء الآية، فقضايا الأمة المصيرية إنما مرجعها إلى العقول النيرة، والأفكار الناضجة، والعقول المستقيمة، وذوي الرأي وأولي الأمر الذين هيأهم الله لهذه المهمات وأناط بهم تلك المسؤوليات {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} (68) سورة القصص الآية.

مكائد ومخادعات

وواصل سماحته القول: إما أن يكون كل واحد يتحدث، أو يناقش، أو يعطي تحليلاً وجواباً في أمور لا يدري عن فحواها، ومصدرها، وأبعادها فذلك خطأ، وذلك أن السياسة الدولية فيها من التذبذب والتناقض ما الله به عليم، فليس لها وجه صحيح، تراها اليوم بوجه، وغداً تراها بوجه آخر، وتراها بأسلوب ولها أسلوب آخر، ومغزى لا يخطر على بالك، فهي ألعوبة دولية ينظمها ويخطط لها من يحبون الإفساد والفساد في الأرض، ولا ترى لهذه السياسة قدماً راسخة، ولا وجهاً واضحاً، وإنما هي أمور تدور على مصالح أقوام، فقد يغتر بها الإنسان يوماً، وتضع حلولاً ونقاطاً على الحروف، ولكن غداً يتبين له أن ما رأى وخطط كان خلاف الواقع، لأن هذه السياسات لا تعتمد على الصدق في أخبارها، وإنما تعتمد على التضليل، وإلهاء الناس، وإضاعة أفكارهم، وخلق البلبلة والشقاق بينهم فيتذبذبون لا يدرون كيف يتصورون الأشياء، ولا كيف يحكمون عليها، ولهذا فإن تلك المكائد والمخادعات لا يستطيع التحدث عنها، ولا معرفة واقعها، وإدراك آثارها وأضرارها ودورها إلا أناسٌ تخصصوا وهُيئوا لهذه المهمة فهم الذين إذا تحدثوا تحدثوا عن علم، وإن سكتوا سكتوا عن علم، أما قاصر النظر، ومن عهدته ما أذيع ونشر فتلك أدلة غير قطعية، والله سبحانه قال في كتابه العزيز لليهود: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (64) سورة المائدة، فهم يسعون دائماً في الفساد؛ لكن صور هذا الفساد لا تراها في عام مثلما تراها في العام الماضي، فلها في العام وجه، ولها في العام الآخر وجه آخر على حسب المناخ الذي يناسبهم؛ ليكون مهيأً لنشر فجورهم، وفسادهم، وضلالهم، لهذا كان على المسلم التوقف في الحكم على كثير من الأشياء إذ الحكم على شيء فرع عن تصوره، والتصور قد لا يكون تاماً، وقد يكون غير واقع ولهذا قال الله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (83) سورة النساء، فالذين يستنبطون، ويدركون، ويتحرون الحقيقة التامة، ويتتبعون مصادر جميع الأحداث، ويربطون بين الماضي والحاضر، وبين الأشياء كلها هم الذين يكون عندهم التصور التام، والفهم الصحيح، والإدراك البعيد المدى، وأما عوام الناس فإنما يسمعون كلاماً يردد، وأخباراً تقال يرقب بعضها بعضاً، ويكذب بعضهم بعضاً، والحقائق خفية على كثيرٍ من الناس، إذاً فلسنا مسؤولين عن إشاعة أخبار لا ندري عن صحتها، ولا عن صدقيتها، وإنما نتحدث عما ندركه، ونتصوره، ونعلم صدقه مما يكون في نشره فائدة للإسلام والمسلمين، ونكل ما عجزنا عنه إلى من هُيئوا لهذا الأمر ليعطوا الجواب الصحيح، والتصور التام فيما يتصورون ويعلمونه عن حقيقة ما يقال، ونرجو لهم من الله التوفيق والسداد.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد