Al Jazirah NewsPaper Friday  11/06/2010 G Issue 13770
الجمعة 28 جمادىالآخرة 1431   العدد  13770
 

أكدا أنه سلوك مشين يجب التصدي له.. أكاديميان متخصصان ل(الجزيرة):
نكران الجميل.. ليس من الخلق الإسلامي!

 

الرياض - خاص بـ(الجزيرة):

النفوس غالباً أسيرة الإحسان وتقديم المعروف إليها، والرسالات الإلهية وبخاصة الإسلام تدعم الفطرة في تقديرها لصناع المعروف ومقدمي الإحسان ومقابلة الجميل بالعرفان ورد التحية بمثلها أو أحسن منها، والإسلام يهدف أن يعيش الناس أسرة واحدة متعاونين متماسكين.. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات، والمسلم عليه أن يحفظ لأخيه ما أسداه إليه من معروف لأن نكران الجميل ليس من الخلق الإسلامي في شيء فهو يؤدي إلى الكراهية والتفكك والقطيعة، في ظل تعدد قضايا المجتمع، وتشابك العلاقات بين أفراد المجتمع، كيف ننمي روح التفاعل في المجتمع، وعدم نسيان المعروف الذي يبذله الإنسان تجاه أخيه الإنسان في مختلف التعاملات اليومية؟ عرضنا هذه القضية على اثنين من المختصين في العلوم الاجتماعية والتربية.. فقالا:

التجرد من الأحاسيس

الدكتورة عواطف بنت عبدالعزيز الظفر وكيلة كلية الآداب بجامعة الملك فيصل بالأحساء قالت: لقد جاء الإسلام بدعوة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق ويعلي من شأنها عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وقال عليه السلام (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) ومن حسن أخلاق المسلم حفظ المعروف ورد الجميل ومقابلة الإحسان بالإحسان، والمكافأة للمعروف بمثله أو أحسن منه والدعاء لصاحبه، قال الله تعالى: {وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (77) سورة القصص. وقال تعالى: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (60) سورة الرحمن، فحين لا يقر الإنسان بلسانه ما يقر به قلبه من المعروف والصنائع الجميلة التي أسديت إليه سواء من الله أو من المخلوقين هذا دليل على خسة النفس وحقارتها إذ النفوس الكريمة لا تعرف معنى الجحود والنكران بل إنها على الدوام وفيّة معترفة لذوي الفضل بالفضل.

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إن النعمة موصولة بالشكر والشكر يتعلق بالمزيد وهما مقرونان، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد).

ولكن ونحن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- نتفاجأ بنماذج نعيش معها ونعاشرها ولربما قضينا معها ومن أجلها أوقات حُفِرت في قلوبنا وذاكرتنا لا تعرف الجميل ولا صنع الجميل ولا رده ولا الاعتراف به ولا ذكره وكأنها تجردت من الأحاسيس النبيلة فأصبحت كالحجارة، بل أشد قسوة، وأصبحنا نشاهد أناسا لا تحمل في قلوبها إلا الحقد والحسد والضغينة، فلا تنصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفّروا جميلك واحرقوا إحسانك ونسوا معروفك بل ربما ناصبوك العداء ورموك بمنجنيق الحقد الدفين، لا لشيء إلا لأنك أحسنت إليهم.

فلا يدعوك هذا لترك الجميل, وعدم الإحسان للغير إنما يوطنك على مواجهة الجحود والتنكر للجميل والإحسان فلا تبتئس بما كانوا يصنعون، اعمل الخير لوجه الله لأنك الفائز على كل حال، واحمد الله لأنك المحسن وهو المسيء واليد العليا عند الله خير من اليد السفلى قال تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا } (9) سورة الإنسان.

العلاقات الأخلاقية

ويقول الدكتور منصور بن عبدالرحمن العسكر «أستاذ علم الاجتماع المشارك، عضو الجمعية السعودية لعلم الاجتماع و الخدمة الاجتماعية: أن كثيرا من المختصين بالدراسات الاجتماعية يرون أن الأخلاق شكل من أشكال الوعي الاجتماعي ومؤسسة اجتماعية تقوم بتنظيم سلوك الناس في كافة ميادين الحياة العامة, وثمة جانبين للأخلاق إيديولوجي «الوعي الأخلاقي» وعملي «العلاقات الأخلاقية» وفي الأخلاق تندرج أيضاً التقييمات الأخلاقية لظواهر الحياة الاجتماعية التي ينظر إليها على أنها تعبير عن مصالح الناس, ففي تقييم المجتمع للسلوك الاجتماعي ما يجعل الأفراد يلتزمون بالأخلاق الحميدة ويبتعدون عن الأخلاق السيئة، ومن ذلك ما يشار إليه مثل خلق نكران الجميل حيث يعتبر من الأمراض الاجتماعية في المجتمع الإسلامي, ويمتاز سلوك من يتسم بنكران الجميل بتحقير المعروف الذي أسدي إليه، وعدم الوفاء لمن أحسن إليه, وهذا السلوك له أشكال وصور، ومن ذلك ما يكون على المستوى الفردي كأن يكون بين الزوج وزوجته ولذلك حض الله تعالى في كتابه بقوله تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم) وكما أشار إلى ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم حول خلق ضعيفات الإيمان من النساء، بقوله «أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ». قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: «يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ»( أخرجه البخاري، ومن صور النكران مايحدث بين الآباء والأبناء، وهذا مشاهد في المجتمع سواء من إهمال الآباء للأبناء أو من عقوق الأبناء للآباء, وقد يكون بين الأصدقاء، سواء في العمل أو في الدراسة, وكذلك قد يحدث النكران من بعض المواطنين للمؤسسات الرسمية في الدولة التي ساهمت بشكل كبير في تطويرهم وتعليمهم وتدريبهم, وعلى وجه العموم فالسلوك المرضي مثل نكران الجميل في المجتمع له أسبابه ومن ذلك ضعف الإيمان، و البحث المصلحة الفردية حيث بدأت تظهر بشكل كبير بين أفراد المجتمع, وكذلك قد يكون لسوء التربية دور في حدوث السلوك المرضي، بالإضافة إلى أن يكون الفرد قد مر بخبرات اجتماعية سيئة أثرت على ردود الفعل لديه في أن ينتهج سلوك نكران الجميل دون أن يشعر بتأنيب الضمير في ذلك, كما لا بد أن نشير الى أن سلوك نكران الجميل يختلف باختلاف البيئات الاجتماعية بين المجتمعات البسيطة مثل الأرياف والقرى وبين المجتمعات المعقدة مثل المدن الحضرية في المجتمع, وكأي سلوك مرضي لابد أن يحدث بعض الآثار الاجتماعية والنفسية في المجتمع مثل القطيعة بين أفراد المجتمع, وكذلك بعض الأمراض النفسية وكذلك الأمراض العضوية مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري, بالإضافة إلى الغيبة والمشاحنات إلى غير ذلك.

ومن أساليب العلاج المناسبة هو تمرين النفس وتعويدها على شكر الآخرين ولو بالكلمة الطيبة انطلاقا من هي المصطفى صلى الله عليه وسلم (من أتى عليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه)، وكذلك تعويد على عدم انتظار رد المعروف من الآخرين لن ديننا الإسلامي جعل الآخرة هي الحصاد الحقيقي لما نعمله من خير في الدنيا، ولعل أهم أمر في ترويض النفس هو تقوية الإيمان بالله تعالى وزيادة الصلة به فهو سبحانه وتعالى خير أنيس وأكبر معين في المواقف التي يواجهها المسلم في الدنيا.

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد