يعد حادث الاعتداء الإسرائيلي على قافلة الحرية التي كانت متوجهة إلى غزة حاملةً معها المساعدات الإنسانية لأهلها جراء الحصار المفروض عليها من الإسرائيليين من أهم الحوادث التي أشغلت العالم أجمع في الفترة الماضية.
حيث كان الهجوم الإسرائيلي مبيتاً ومدروساً على القافلة، فقد حشدت إسرائيل أبرز عناصرها العسكرية لاعتراض القافلة والاستيلاء عليها؛ مما تسبب ذلك في مقتل العديد من الناشطين الأبرياء، واحتجاز البقية لديهم.
هذا المنهج الذي ارتكبه الإسرائيليون هو منهج صليبي قديم، يحمل في طياته فكراً إرهابياً حقيراً، حيث هجم الجنود الإسرائيليون وهم مدججون بالسلاح على تلك القافلة المتجهة إلى غزة في المياه الدولية، حيث لم تبال إسرائيل بمناشدة الدول العظمى بعدم المساس بهذه القافلة، إلا أنها فعلت ما تريد دون شعور بالخوف أو الخجل، ومرد ذلك يرجع إلى الوهن السياسي الذي يمر به العالم العربي والإسلامي في هذه الفترة.
وبالنظر إلى ماضينا الإسلامي المشرّف وحاضرنا المحزن، فإنه كان هناك بون شاسع ما بين القوى الإسلامية آنذاك وما بين قوتنا في الوقت الحاضر، حيث كانت القوى الإسلامية تجابه القوى الصليبية التي غزت بلادنا الإسلامية وتقف لها الند بالند، بل إنها في بعض الفترات تتفوق عليها.
وهناك شواهد تاريخية كثيرة حدثت أثناء الغزو الصليبي للبلاد الإسلامية تشابه الاعتداء الذي قام به الإسرائيليون على قافلة الحرية؛ ومنها ما قام به الصليبيون من قرصنة بحرية على السفن الإسلامية واعتداءات على القوافل التجارية، وسوف أستشهد بحادثتين فقط حدثتا أثناء قدوم الحملة الصليبية الثالثة سنة 587هـ/ 1191م؛ وذلك عندما قدم الملك ريتشارد (قلب الأسد) ملك إنجلترا على رأس تلك الحملة إلى بلاد الشام محاولة منهم استعادة بيت المقدس مرة ثانية عقب استرداده من قبل صلاح الدين الأيوبي سنة 583هـ/1187م، بعد معركة حطين الشهيرة.
فعندما قدمت طلائع الحملة الصليبية الثالثة كانت مدينة عكا محاصرة من بقايا الصليبيين في بلاد الشام حصاراً برياً وبحرياً، وبسبب هذا الحصار نفد الغذاء والطعام لدى المسلمين في عكا، فجهز صلاح الدين سفينة عظيمة محملة بأربعمائة غراره قمح وفيها من الجبن والبصل والغنم وبعض ما يحتاجه المسلمون بها، وسيَّرها من مدينة بيروت، وكانت الدوريات الصليبية تحيط بعكا ليمنعوا تلك المساعدات التي قد تصل إليهم، إلا أن المسلمين قاموا بتضليل الصليبيين، حيث تزينوا بزي الفرنج، وحلقوا لحاهم، ووضعوا الخنازير على سطح السفينة، وعلقوا الصلبان خديعة منهم ومكراً بالصليبيين، وعندما وصلوا إلى قرب عكا اعترضتهم الدوريات الصليبية، فلما رأوا زيهم والعلامات التي استخدموها ظنوا أنهم منهم، ولم يمنعوهم، فسمحوا لهم بالمرور فجدوا بالسير إلى عكا، وتمكنوا من الوصول إلى المدينة بسلام، ففرح بهم المسلمون فرحاً كبيراً، حيث كانت تلك المساعدات عوناً ومساعدة للمسلمين للاستمرار في الدفاع عن عكا، وتأخر سقوطها في قبضة الصليبيين.
أما الحادثة الأخرى فحدثت أثناء قدوم الملك ريتشارد (قلب الأسد) إلى بلاد الشام سنة 587هـ- 1191م، حيث حاول صلاح الدين إرسال المدد من المؤن والرجال إلى أهل عكا مرة أخرى، بسبب نفاد ما لديهم من الغذاء والطعام، فأعدَّ سفينة عظيمة جهزها بالآلات والأسلحة والغذاء ونحو ستمائة وخمسين رجلاً من المقاتلين، وتوجهت بهم من بيروت إلى عكا، فاعترضها الملك ريتشارد قلب الأسد، وأحاطوا بالمسلمين، وهجموا عليهم، وحدث قتال شديد بينهم في عرض البحر، وقتل من الصليبيين عدد عظيم، إلا أن الكثرة تغلب الشجاعة، حيث تمكن الصليبيون من السيطرة على الوضع، إلا أن المسلمين لم يرضهم أن يسيطر الصليبيون على السفينة ويستفيدوا من حمولتها، فقرروا أن يهدموا جوانب السفينة حتى تغرق، وبالفعل أخذوا المعاول وهدموا جوانبها، وغرقت السفينة بمن فيها، ولم يتمكن الصليبيون من الظفر بشيء منها، وقد حزن صلاح الدين حزناً شديداً على استشهاد المسلمين الذين كانوا على متن السفينة.
وبالتأمل في هاتين الحادثتين التاريخيتين اللتين حدثتا منذ نحو تسعمائة سنة ومقارنتها بالحوادث الحاضرة، فإنه يتضح لنا أن الزمن يتغير والطبع والفكر الصليبي لم يتغير، فهؤلاء الإسرائيليون يسيرون على نهج الصليبيين بارتكابهم للجرائم المتعددة، وقصفهم للمدن والمنازل بغير وجه حق، وقتلهم للأبرياء، وأسرهم للرجال والنساء والأطفال، دون رادع ديني أو أخلاقي أو احترامٍ لحقوق الإنسان، فهذه عاداتهم وطبائعهم التي تغذوا عليها.