Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/06/2010 G Issue 13776
الخميس 05 رجب 1431   العدد  13776
 
دبلوماسية الفرسان على جسور الخيل:
في أرض «الحصان الأزرق» 1-2
لواء دكتور/ محمد بن فيصل أبوساق *

 

سوف أتحدث عن الحصان الأزرق وأرضه, ثم أعود للفرسان في اختراقهم الحضاري والدبلوماسي الرائع؛ على جسور الخيل أو جسر الحصان الذهبي. يقول البعض أن لا وجود لحصان أزرق اللون؛ ويزعم آخرون بوجوده. وقد تخيله بعض الفنانون التشكيليون فرسموه في أروع الصور بلونه الأزرق الزاهي، وقد كسبوا مبالغ طائلة من ذلك الخيال الفني.

وأصبح الحصان الأزرق من موروثات بيئته، وله محبين ومعجبين، رغم عدم ثبوت وجوده. ويقول البعض إنه حقيقة، ويرجح آخرون أنه أسطورة. ولم يشهد أي أحد معروف برؤية «الحصان الأزرق» الأسطورة في شكله ولونه. وفي كلا الحالتين، فإن بقي الحصان الأزرق، الأكثر هيبة وفخامة وجمالاً، مجرد أسطورة لها خيط رفيع، يثيرها بين الحين والآخر، فإن اللون الأزرق في حد ذاته مستمد من حقيقة بيئية يقر بها الجميع؛ ويستمتعون برؤيتها في بداية فصل الربيع من كل عام. والحصان الأزرق مرتبط بمدينة وأرياف ليكسنغتون بولاية كنتاكي الأمريكية التي تعرف بجمال طبيعتها, وباحتوائها على أكثر وأكبر مزارع وإسطبلات الخيل. ومن كثرة اقتناء الخيول فيها والاعتناء بها أصبح شعار تلك المنطقة أنها «العاصمة العالمية للخيل». وتعد أرض ليكسنغتون وبيئتها غنية بالخضرة والمياه والجو اللطيف. وفي بداية فصل الربيع ترتدي الأرض حلة خضراء زاهية ومتجددة من الأعشاب وغطاء الأرض من الأشجار والنبات وتصبح الأعشاب خضراء غامقة في حالة استثنائية حتى ترى مع انعكاسات شعاع الشمس كأنها ذات لون أزرق. وتلك حالة بيئية خاصة تشاهد في هذه المدينة وضواحيها مع بداية موسم الربيع من كل عام. وكما قال لي أحد كبار السن من سكان تلك المنطقة، «أن تحت هضابها ومرتفعاتها طبقة من الأحجار الجيرية تعمل بمثابة المصفاة الطبيعية للمياه التي تجري من خلالها فتصفيها وتدفع بها لتغذية التربة لتنبت زراعة وأعشاب غنية تعتمد عليها خيول المنطقة مما يجعل الخيول لا تضاهى في قوتها وصحتها ومظاهرها».

وقال لي أيضا إن أسطورة «الحصان الأزرق» جاءت من انتشار الخيل في هذه الأرض الخضراء ذات اللون الأزرق؛ مما يضفي على بعض الخيول لون الطبيعة بخضرتها وزرقتها. ولتلك الميزة المضاعفة بجمال الطبيعة وكثرة اقتناء الخيل والعناية بها أصبحت ليكسنغتون ومعها ولاية كنتاكي عموما محطة لتلاقي ملاك الخيل ومحبيها،وتكثر بها سلالات الخيل، ومنها الخيول العربية. ومع تزايد وسائل الإعلام والاتصال العالمية ووسائط النشر تحولت ليكسنغتون إلى ملتقى حضاري وثقافي للكثير من النخب في العالم الغربي خصوصاً.

إن انتشار مزارع وإسطبلات الخيل شأن يلفت الانتباه حيث تبدو المنطقة وكأنها خصصت كامل أريافها ومحيطها للخيل؛ اقتناء وتجارة وتربية مع رياضة الفروسية بكل أنواعها. ثم إن اقتصاد الفروسية المستمد من تحويل الخيل إلى موروث فني وثقافي وتاريخي عبر المنتجات الكثيرة والتحف والمطبوعات واللوحات والمجسمات والأفلام والهدايا المتنوعة شأن يبهر الزائر لتلك الولاية.

وقد تحولت ليكسنغتون فعلاً إلى عاصمة عالمية للخيل وللفروسية حيث يقصدها المئات بشكل يومي من شتى أنحاء العالم للاستمتاع بما فيها من بيئة وبرامج ممتعة ورفيعة المستوى أساسها الفروسية ووفرة إسطبلات الخيل. وفيها مهرجانات ثقافية وسياحية تعقد على مدار العام جعلتها محطة خاصة لتلاقي الحضارات وتلاقح الأفكار حول شؤون كثيرة. وقد غادرت تلك المدينة مؤخراً وهي تستعد لاستقبال المهرجان الأولمبي للفروسية الذي يعقد لمدة أسبوعين خلال الفترة من 24 سبتمبر إلى 10 أكتوبر 2010م , ويتوقع أن يحضره ستمائة ألف شخص يأتون من داخل أمريكا ومن خارجها وغالبيتهم من دول الاتحاد الأوروبي.

ومن الطبيعي, أن الدول والمنظمات الخاصة تستغل مثل هذه المناسبة, وتستفيد منها لمد جسور كثيرة, وتجسير فجوات أكثر في العلاقات الدولية. فهذه واحدة من أبلغ الوسائل الثقافية والحضارية في مناخ هادئ ومتميز, ولا تستطيع جهة بعينها أن تملي فيه أجندتها وتمنع التفاعل والاتصال الإيجابي. ورغم صغر مدينة ليكسنغتون ومقاطعتها التي تحيط بها, إلا أن نظرة على عدد الفنادق التي تزيد عن المائة وحجم قدرتها في الاستقبال والإسكان يعكس مكانتها وأهمية التواصل الحضاري النوعي فيها, عبر جسور الفروسية في ملتقيات وبرامج هذه العاصمة العالمية للخيل.

وقد أحسن القائمون على شؤون الفروسية السعودية لاختيار المتحف العالمي للخيول في ميدان الحصان بمدينة ليكسنغتون بولاية كنتاكي الأمريكية, لإقامة مناسبة خاصة بمعرض سعودي عن الفروسية باسم «هدية من الصحراء» تستمر فعالياتها من 26 مايو إلى 15 أكتوبر 2010م على أرض الحصان الأزرق. وكنت قد توقفت في ليكسنغتون قبل عشرين سنة؛ وبقيت هذه المنطقة عالقة في ذاكرتي لجمال طبيعتها. ثم تشرفت بدعوتين كريمتين تلقيتهما من أصحاب السمو الأمراء فيصل بن عبدالله بن محمد وزير التربية والتعليم ورئيس مجلس أمناء صندوق الفروسية السعودي, والأمير نواف بن فيصل بن فهد نائب الرئيس العام لرعاية الشباب ورئيس الاتحاد العربي السعودي للفروسية لحضور مناسبة افتتاح المعرض السعودي. وكنت ضمن عدد من السعوديين وغيرهم من المهتمين بثقافة الفروسية ومكانتها وأثر مناسباتها وملتقياتها في مد جسور العلاقات مع الآخرين. وكان في مقدمة الحضور سمو الأمير تركي الفيصل, وسمو الأمير بندر بن سلمان بن محمد, وسمو الأمير تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز.

وقد قضينا في لكسنغتون أياماً «سعودية» لا تنسى حيث تشرفنا بحضور افتتاح معرض الفروسية السعودية الذي أحسن الأمراء الفرسان الإعداد له بتهيئة كل ما جعله يحظى بالاهتمام الكبير, ويكون له صيت ذائع حتى قبل افتتاحه. إنها صورة رائعة من صور العطاء للوطن والوفاء للمجتمع, يدفع بها الأمراء فكريا وماديا ومعنويا. ونتمنى أن تكون هذه المناسبة للفروسية السعودية جسرا متواصلا بين محطات كثيرة داخل أمريكا وخارجها.

ويشتمل معرض «هدية من الصحراء» على موروث وتاريخ الحصان العربي عبر الماضي والحاضر في السلم وفي الحرب. وقال لي الزميل الدكتور محمد نصيف - جاري تحت قبة مجلس الشورى - الذي قرأ مسودة هذه المقالة وأثق في رأيه وثقافته: من المناسب أن تشير إلى هذه الجسور بأنها جسور الحصان الذهبي. وأتفق مع زميلي أن تاريخ وموروث وشهرة الحصان العربي تجعله متميزاً وذهبياً بمكانته وفخامته في مخيلة محبي الخيل, وخصوصاً في الغرب وفي أمريكا تحديداً.

وقبل أن تتحول أنظار العالم إلى ولاية كنتاكي التي تسلط عليها الأضواء حيث فعاليات اتحاد الفروسية العالمية لهذا العام 2010م؛ كان اختيار موعد معرض هدية من الصحراء موفقا ليحقق أهدافاً أكثر وانتشاراً أوسع. لقد أقيم المعرض على مساحة تزيد عن 9.000 قدم مربع, في ميدان الحصان بمدينة ليكسنغتون. واستغرق تجهيز مكونات المعرض ثلاث سنوات تقريباً ليصبح جاهزاً؛ حيث أشرف عليه الاتحاد السعودي للفروسية. ويشتمل المعرض على أنواع من الفنون التشكيلية والمجسمة والمشغولات والتحف النادرة والمخطوطات الثمينة عن الخيول العربية عبر قرون من الزمن. يقول لوريل سكوت المحرر في مجلة اكتشف الحصان التي يصدرها ميدان كنتاكي للخيل: «إنه حدث ومناسبة غير مسبوقة، ومن المتوقع أن يتجاوز عدد زواره الثلاثمائة ألف زائر (300.000)، إنه معرض يكتشف التأثير الديناميكي للحصان في حضارة الشرق الأوسط منذ قدوم الحصان، وعبر نهضة الحصان العربي وسلالاته في الشرق الأوسط اليوم.. إن المعرض يحتوي على 400 من اللوحات الفنية النادرة والمقتنيات التي لا تقدر بثمن تمت إعارتها من أشخاص حول العالم».

وحينما يقال إن مقتنيات معرض «هدية الصحراء لا تقدر بثمن»، فإن برنامج احتفالية الافتتاح في ثلاث مناسبات متتالية يعد حدثاً استثنائياً في عاصمة الخيل العالمية. فقد عمل السعوديون القائمون على شؤون هذا المعرض عملاً رائعاً يستحق الإشادة بما حقق في أيامه الأولى, وفي برامج الاحتفال بافتتاحه من نتائج مشجعة. لقد شاهد هذه المناسبة مئات من النخب الأمريكية؛ ناهيك عن ضيوف من عدد من الدول الأخرى جاؤوا من خارج أمريكا لحضور هذه المناسبة. وفتحت أبواب الزيارة لأفواج من السياح والزوار الذين يزيدون ولا ينقصون بحكم تعاظم الدعاية الإيجابية عبر كثير من الوسائل وكانت «الهدية» محل الاهتمام والإعجاب.

وحول مناسبة احتفالية هدية من الصحراء، قال جون نيكلسون، المدير التنفيذي لنادي الخيول في ولاية كنتاكي: «.. بالنظر إلى الجمال الفائق للحصان العربي مع الحضارة الغنية والقديمة التي تحيط بسلالة الخيول العربية، فمن السهل أن يعرف لماذا نحن متشوقون وبشغف لتسلم هذه الهدية السخية من الاتحاد السعودي للفروسية». وقال بل كوك, المدير بميدان الحصان في ليكسنغتون: «في عالم يشكل اختلاف الحضارات أحياناً سبب للخوف والبغضاء، فإن هذا المعرض والفيلم المصاحب يعد احتفالية للتعاون المشترك الذي يوحد الناس وهم من خلفيات متباعدة: ومن ذلك, الحب والاحترام، الذي نشترك فيه سويا نحو الحصان العربي ذائع الصيت».

وأضاف السيد كوك المدير بميدان الحصان في ليكسنغتون: «لقد تشرفنا بالعمل مع السعوديين لتنظيم هذه المناسبة، وكذلك مع أبرز المؤسسات في العالم». وأشار إلى محتويات معرض هدية من الصحراء بقوله: إنها تحتوي على «قطع فنية من متاحف مثل المتحف البريطاني، ومتحف الميتروبوليتان للفنون، والمتحف الوطني في وارسو، ومتحف فوردراسياتشس في برلين، ومشاركات فنية رائعة من متاحف صغيرة ومقتنيات لأشخاص مهتمين من حول العالم.. وأيضا المتحف الوطني السعودي، وجامعة أكسفورد، ومتحف آشمولين، ومتحف كارنغي للفنون، ومتحف بوسطن للفنون الجميلة، والمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، ومتحف الشرق في قطر». وساهم في المعرض قائمة أخرى من المتبرعين بالمشاركة في المعرض. وقال السيد كوك: «سوف نعرض (هدية من الصحراء) لتكون شاهداً على عجائب حضارة الشرق الأدنى بما في ذلك الرصد القديم للحصان؛ ولتطور العربات التي تجرها الخيول، ثم لانتشار سلالات الخيول العربية». وقال أيضاً: «إن للحصان تأثيراً عجيباً في تاريخ الشرق الأوسط». وإلى اللقاء في القسم الثاني من هذه المقالة.



mabosak@yahoo.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد