Al Jazirah NewsPaper Saturday  19/06/2010 G Issue 13778
السبت 07 رجب 1431   العدد  13778
 
بين الكلمات
رضاع الكبير: منهجية عبدالمحسن العبيكان وسخرية عائض القرني..
عبد العزيز السماري

 

أثارت قضية إرضاع الكبير المجتمع المحافظ، وأصبحت مادة دسمة للسخرية والتندر، ولم يقتصر الأمر على كتاب الزوايا الصحفية من غير المحسوبين على المنهج أو المرجعية الفقهية، بل وصلت السخرية إلى زوايا الوعاظ والدعاة، عندما تفنن الدكتور والداعية الشهير عائض القرني، في ملحق الرسالة، بجريدة المدينة، في استعراض مواهبه في السخرية من فتوى إرضاع الكبير للشيخ عبدالمحسن العبيكان.

في ذلك خروج نهائي من التحزب للرأي الموحد، لكنه حسب وجهة نظري مقال كان من المفترض أن لا يحمل توقيع الشيخ عائض القرني، والذي كنت أنتظر منه ومن غيره من علماء الدين رداً منهجياً على ما أفتى به الشيخ العبيكان، والذي حسب وجهة نظري التزم بالمنهج، بغض النظر عن تداعيات الفتوى، فقد أخذ بالحديث الصحيح في مسألة إرضاع الكبير، وهذا لا يعني أنني أتقبل الفتوى عقلانياً، لكن حسب فهمي للمنهج السلفي لا يصح أن نخضع العقل للحكم على النقل، وتلك كانت أحد أهم محاور الصراع بين المذاهب العقلية والنقلية في صدر الإسلام.

يقول الشيخ العبيكان في أحد ردوده:

(أنا لم أتراجع عن فتواي وهي من الأصل معروفة منذ سنين طويلة عندما كنا صغاراً في السن، وأهل الرياض يعرفونها جيداً، وهناك حالات كثيرة تم فيها إرضاع الكبير، وهناك أناس أرضعوا شخصاً يتردد عليهم في بيتهم بشكل مستمر).. وهذا دليل واقعي ومن صلب تطبيقات المنهج في منطقة عُرف عنها التزامها بالمنهج السلفي..، وفي ذلك تناقض مدهش مع وصف الشيخ الدكتور عائض القرني لفتوى إرضاع الرجل الكبير بأنها من»عجائب العصر، ومن غرائب الدهر، ومن روائع المصر!

كان الشيخ يوسف القرضاوي قد دافع عن صحة الحديث في موقعه على الإنترنت، ونقل عن علماء مشهورين بأن بعض طرق هذا الحديث بلغت نصاب التواتر، وأضاف: إن حديثا بهذه الدرجة من الصحة والقوة والشهرة التي جعلت بعض العلماء يبلغ به إلى مرتبة التواتر اليقني لا يجوز رده في منطق العلم، وكانت أحد الحلول في فهم هذا الحديث حمله على الخصوصية لسالم - هو أحد المخارج للحديث الذي جاء مخالفا لما دلت عليه الدلائل: ومنها أن الرضاعة المؤثرة ما كانت في وقت الصغر وتكوين اللحم والعظم.، وذكر أن الإمام الخطابي حكى عن عامة أهل العلم: أنهم حملوا الأمر في ذلك على أحد وجهين: إما على الخصوص وإما على النسخ)..، لكن ذلك يعد اجتهاداً شخصياً لا يحل إشكالية تشريعه أو منعه، بل يزيد الأمر غموضاً في الموقف من الحديث الصحيح الذي يُخالف النص القرآني أو يرفضه العقل ولا يقبله منطق العصر..

ذكر الشيخ القرضاوي أيضاً في فتواه أن شيخ الإسلام ابن تيمية ذهب إلى أن الرضاع يعتبر فيه الصغر، إلا فيما دعت إليه الحاجة، كرضاع الكبير الذي لا يستغنى عن دخوله إلى المرأة، ويشق احتجابها عنه، كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، فيكون في مثله مؤثرا..، وذكر القرضاوي في فتواه كذلك أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تأمر بنات إخوتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها - وإن كان كبيرا - خمس رضعات ثم يدخل عليها، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا من الناس حتى يرضع في المهد..

وأضيف كأحد المتابعين لهذه القضية الساخنة في أن الأمر يتجاوز قضية فتوى إرضاع الكبير، ويدخل الحوار والاختلاف إلى صلب المنهج، والذي التزم به حسب وجهة نظري الشيخ العبيكان، وكنت أنتظر رداً علمياً من بعض الدعاة المشهورين مثل الشيخ عائض القرني، والذي هرب إلى منطق السخرية بعيداً عن الموضوعية والعلمية، و حتماً لن تحل السخرية الإشكالية التي يواجهها المجتمع في قضية إرضاع الرجل الكبير، وواجهها في فتاوى كثيرة في الماضي، وقد يواجهها في قضايا جديدة في المستقبل مع فتاوى جديدة..

المجتمع المسلم في حاجة لاجتهاد في المنهج ينهي قضية تعارض بعض النقل مع منطق العصر..



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد