Al Jazirah NewsPaper Saturday  19/06/2010 G Issue 13778
السبت 07 رجب 1431   العدد  13778
 
فتاوى شاذة.. ملغمة بالأهواء!
د. سعد بن عبد القادر القويعي

 

لا أحد يستطيع أن ينكر، أننا نعيش حراكا علميا وفكريا على مختلف الأصعدة. هذا الحراك أفرز حزمة من الفتاوى الشاذة غير المنضبطة، من مفتين لم يدركوا واقع الناس، ولا يملكون أي شرط من شروط الفتوى، فتصدوا على مقام

العلم والفتوى عبر وسائل الإعلام، وخصوصا في الفضائيات المنتشرة، فانتشرت فتاواهم في الآفاق، كانتشار النار في الهشيم. وأصبح مسلسل الفتاوى الشاذة المستند إلى أدلة ضعيفة، أو منسوخة مستمرا، بل أصبحت الفتاوى سوقا رائجا لكل من هب ودب، دخل فيه من يحسن ومن لا يحسن. فشوهت صورة الإسلام وأثارت جدلا كثيرا، وأظهرت الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق، مع أنها ليست من أولويات الناس في معاشهم أو معادهم.

في كتابه الشهير: «الفتاوى الشاذة»، والذي يقع في «154» صفحة، وضع - الدكتور - يوسف القرضاوي عشرة معايير، يمكن بها ضبط الفتوى الشاذة، وهي: «أن تصدر من غير أهلها. وأن تصدر في غير محلها. وأن تعارض نصا قرآنيا. وأن تعارض نصا نبويا متفقا على صحته. وأن تعارض إجماعا متيقنا. وأن تعارض قياسا جليا، أو تعتمد على قياس خاطئ. وأن تعارض مقاصد الشريعة. وأن تصور الواقع على غير حقيقته. وأن تستدل بما لا يصلح دليلا. وألا تراعي الفتوى تغير الزمان والمكان والحال». ووصف - سماحته - الدائرة المغلقة لدائرة الأحكام القطعية، بأنها: «لا مجال فيها لاجتهاد أو تطور، إلا في الآليات والوسائل، التي تخدمها وتعمقها وتبرزها وتحسن صورتها، فإذا تجرأ بعض المفتين على اقتحام حمى هذه الدائرة بالاجتهاد فيما لا يجتهد فيه، وادعاء التجديد فيما لا يقبل التجديد، فقد شذ عن الجماعة، وشذّت فتواه عن القواعد الشرعية والضوابط المرعية، وغالبا ما يكون هذا النوع من المفتين ممن ليس أهلا للإفتاء، بل من الدخلاء على علم الشرع، أو الطفيليين الذين يفرضون أنفسهم على ما ليسوا من أهله».

أذكر، قبل سنة ونصف من الآن، عندما عقد المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها في مكة المكرمة، كان من ضمن محاور المؤتمر للنقاش ورقة بعنوان: «الفتوى الشاذة وخطرها»، بيّن الباحثون من خلالها البواعث على الفتاوى الشاذة، ومن أهمها: «حب الشهرة والظهور، حيث يدعي هذا المفتي الإحاطة بكل شيء، والعلم بكل شيء، والجهل بالضوابط والشروط الصعبة للفتوى، وبالضوابط والمبادئ الحاكمة في علم أصول الفقه بشأن التفسير والتأويل، وضغوط أعداء الإسلام من توجيه الاتهامات للإسلام في مختلف المجالات. فنجد بعض المفتين يقومون بلي أعناق النصوص وتأويلها تأويلاً غير مقبول، والجهل بالنصوص، أو الغفلة عنها، مما يعرض المفتي للخطأ والغفلة عن النصوص الشرعية، أو الجهل بها وعدم الإحاطة بها وتقديرها حق قدرها، وخصوصاً إذا كان من يتعرض للفتوى من الجرأة المتعجلين، ومن أشد المزالق خطراً على المفتي: أن يتبع الهوى، وبخاصة أهواء الذين ترجى عطاياهم، فيتقرب إليهم الطامعون والخائفون بتزييف الحقائق، وتبديل الأحكام، وتحريف الكلم عن مواضعه».

على أي حال، فإن إبراز دور مؤسسات الإفتاء والمجامع الفقهية، حتى تؤدي دورها في المجتمع، وتنظر في مختلف القضايا، والتأكيد على آليات مراحل الإفتاء؛ لدراسة المسائل بمنهجية علمية، وإصدار ميثاق للإفتاء، تتصدى بالنقد لهذا النوع من الفتاوى، وتكبح جماح شهية البعض، دون النظر إلى الأصول الشرعية، والمعتمدة على الأدلة الشرعية، خطوة في الاتجاه الصحيح. وخذ على سبيل المثال: حين أطلقت الجزائر قناة «القرآن الكريم»، في خطوة عملية، نوى القائمون عليها محاربة الفتاوى المستوردة الشاذة، والخارجة عن الإجماع، عبر الفضائيات والإنترنت ؛ لتشكل مرجعية وطنية واحدة، تقوم أساسا على الاحتكام لمذهب - الإمام - مالك - رحمه الله - من ناحية الفقه.

بقى أن أقول: إن الفتوى هي مهمة العلماء فقط. فلا يرتقي هذا المنبر إلا من كان متخصصا بالشرع، عالما بنصوص الكتاب والسنة، ودلالات اللغة العربية، ومطلعا على إجماع الأمة. مجتنبا الغرائب من الأقوال، والشذوذات من الفتاوى، وما لا يحسن الناس فهمه. فالقول يوصف بالشذوذ: إذا كان على خلاف النصوص الصحيحة الصريحة، وإذا كان قد سبق بالإجماع، وإذا انفرد به صاحبه ولم يتابعه عليه أحد وضعف مأخذه فيه، وإذا لم يجر عليه عمل العلماء وهدروه، وإذا كان مخالفاً لأصول الشريعة وقواعدها العامة. وقد يؤدي الشذوذ عن فتاوى علماء الأمة إلى استحداث فتاوى خاطئة في دين الله - تعالى -، تؤدي بالآخذين بها إلى الجرأة على اقتحام حمى الله «ألا وأن حمى الله محارمه».





drsasq@gmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد